المرأة والانتخابات البرلمانية القذرة



سمير عادل
2018 / 4 / 29

يعلمنا ماركس بأن الاخلاق السائدة في المجتمع هو اخلاق الطبقة الحاكمة. وما يحدث اليوم بين القوى المتصارعة في العملية السياسية من المنافسة بالانحطاط الاخلاقي والتسقيط السياسي وامتهان النفاق والكذب بحرفية عالية، هو جزء من الممارسة الاجتماعية السائدة التي نجدها في المجتمع. ولم يخطئ برنامج ولاية بطيخ في مقدمة الحلقة الاخيرة التي عرضت يوم الخميس الفائت، بوصف الانتخابات المزمع اجرائها يوم ١٢ ايار هي اكثر الانتخابات قذارة في التاريخ العراقي.
ان ممارسة التسقيط الاخلاقي للنساء المرشحات في هذه الانتخابات هي ظاهرة جديدة دخلت حيز الممارسة السياسية والاجتماعية، وان هدف هذه الممارسة ليس في توجيه ضربة سياسية الى هذه القائمة الانتخابية او تلك الكتلة في اطار التنافس الانتخابي، فهي تحصيل حاصل، بل هي جزء من فعل سياسي يومي تمارسه سلطة الاسلام السياسي للنيل من قيمة المرأة وكرامتها ووجودها الانساني، سواء على شكل سن قوانين مثل تعدد الزوجات والاحوال الشخصية الجعفري، او دعم فرض منظومة من الاعراف والتقاليد المعادية حد النخاع للمرأة باسم اعادة الهيبة الى الديناصور المنقرض المسمى العشيرة والقبيلة، او اطلاق يد المليشيات للتطاول على حياة والحريات الفردية للنساء عبر حملة من الملصقات واللافتات ضد المرأة، التي اغرقت فيها شوارع بغداد قبل اكثر من عام لكن فشلت في مساعيها لذلك لم تكررها هذه السنة، او كما نشاهدها اليوم في حملات شبكات التواصل الاجتماعي ونشر فيديوهات وصور بأشكال مختلفة للنيل من المرأة بحجة انها مرشحات للانتخابات التشريعية. ان الاسلام السياسي الشيعي المتمثل بالسلطة والاسلام السياسي السني المتمثل بالقاعدة وداعش، لم يهدئا يوما في سعيهما لإلغاء الوجود الانساني للمرأة والمحاولة بالتالي في منعها من اي تدخل ومساهمة الى جانب الرجل في العمل على احداث اي تغيير في المجتمع.
ان نشر افلام فيديو او تسريب صور او تنظيم عملية تشهير اخلاقي لمرشحات بادعاء ممارستها الجنس او الاشارة لها بإيحاء جنسي ما، تصب في تحديد الوجود الانساني للمرأة بالحالة الجنسية وتصويرها كأداة جنسية وحصرها في اطار "الجنس الشرعي" في افضل احوالها، بينما يغض الطرف عن الدعارة سواء كانت غير شرعية او شرعية المجازة من قبل الدولة ويتهافت اليها الرجال بما فيهم مرشحين للانتخابات، (وميزة هذه الدعارة الشرعية هي حصول اولئك الرجال على "عدم تعرض" من مؤسسة الدعارة "طريق الايمان الخيرية"، الرسمية الواقعة في منطقة الجادرية في بغداد والذي يديرها صادق الموسوي والتي تصادق على زواج المتعة)، ولن يحدث لغط كبير حولهم، ولن يطرد المرشح كما طردت المرشحة المنسوب اليها الفيديو من قائمة النصر التي يترأسها العبادي، بدل من فتح تحقيق حول الحادثة وتحويل المتورطين بالتسريب الى محكمة لانتهاك الخصوصية وبغض النظر عن محتوى العلاقة التي اقيمت.
لسنا بصدد الدفاع عن هذه الانتخابات القذرة، فموقفنا واضح منها، ولا عن المرشحات لهذه الانتخابات، ولا نريد تضليل المجتمع وبالأخص النساء في العراق حول كوتا المرأة في البرلمان التي سنشير لها، بل نريد ان نوضح امرين للقارئ؛ الاول ان ماهية استراتيجية الحط من مكانة المرأة عبر تصويرها وحصرها انسانيتها ووجودها الاجتماعي الفاعل والممارسة السياسية كلها بالعلاقة الجنسية، وبغض النظر عن شرعية العلاقة من عدم شرعيتها في عرف وقوانين المجتمع او التلميح باي شكل بالإيحاء الجنسي لها، فهي من اجل اقصاء المرأة بشكل نهائي من المجتمع وتحويلها الى كيان ميت لا يقدم ولا يؤخر لأحداث شلل سياسي واجتماعي تام في المجتمع. في حين نجد ان أكثرالسياسيين المرشحين اليوم في الانتخابات الملطخة اياديهم بجرائم القتل على الهوية والسرقة واللصوصية ويمارسون الدعارة شرعية وغير الشرعية، لكن لا تهزهم شعرة او حتى عشرات الفيديوهات، لأنهم مصنفين على قائمة الرجال القوامون دائما على النساء. واما الامر الثاني هو ليس لأي شخص او طرف او المجتمع الحق بالتدخل في الحياة الخصوصية للفرد بما فيه العلاقات الجنسية سواء كانت امرأة او رجل من البالغين، وعندما تستحدث قوانين تدين فيها كل من يحاول اللعب على التسقيط الاخلاقي بشكل عام والمرأة تحديدا وبالتطفل على حياتها الشخصية والاستنتاج منها ما يحلو للحط من مكانتها، لن يستطيع اي شخص او اية قوة التربح من هذه المسالة فحسب بل ترتد اللعبة عليه او عليها وتضع حدا للاستهتار بالقيمة الانسانية.
وبهذه المناسبة نقول للمرأة، ليس فقط عليها بعدم الترشح او المشاركة في هذه الانتخابات القذرة التي لن تنتج الا نفس اللصوص، وان لا تخدع بكوتا النساء في البرلمان العراقي، فأنها لا تعدو اكثر من ديكور يسيء الى النساء في العراق، يسيء الى عقولهن والى تحضرهن ومدنيتهن، والى تاريخهن النضالي والى تضحياتهن الجسام على جميع الاصعدة من اجل الحرية والمساواة، ان هذه الكوتا ليس لا تمثل النساء في العراق ولا مصالحهن فحسب، بل ان قسم كبير منهن اللواتي في قائمة الاسلام السياسي يدافعن عن القيم الرجولية المتخلفة والرجعية اكثرمن الرجال انفسهم في ذلك البرلمان الفاسد، نقول لهن ايضا ان تسقيط المرأة الاخلاقي، يجب الوقوف ضده بكل جرأة، ويجب الضغط على الجهات التنفيذية والقضائية بالتحقيق واتخاذ الاجراءات اللازمة للقبض على المتورطين في هذه العملية، وتحميل حكومة العبادي المسؤولية لعدم اتخاذها اي موقف حاسم من مثل هكذا ممارسات حقيرة. وفي الوقت نفسه يجب عدم السماح بتسرب اي تردد او خوف الى قلوب النساء جراء مثل هذه الممارسات، التي تحول دون مشاركتهن الفاعلة في الحياة السياسية، فالإسلام السياسي يسعى ليل نهار بأبعاد النساء عن الحياة السياسية او ان يكن ملكات اكثر من الملك نفسه مثل الفتلاوي ونصيف والعوادي والدوري... اللواتي خدمن اقذر نظام رجولي ورجعي وطائفي ومعادي للمرأة والانسانية في تاريخ العراق.