تجارب نسائية مريرة (2) الطلاق والبعبع المنتظر



عدوية السوالمة
2018 / 6 / 2

لست هنا بصدد الترويج لفكرة الطلاق , فالشراكة الحياتية مهمة للتخفيف من وطأة المعاناة الحياتية وهو ما أشارت إليه الأدبيات النفسية التي تناولت في البحث مدى تأثير متغير الارتباط والشراكة في تخفيض نسب المعاناة النفسية لدى الطرفين ,إلا أن ذلك يصح فقط في حالة الشراكة الايجابية والفاعلة أما حين نتحدث عن انهيارات العلاقة بشكليها الصامت المسالم أو المعلن العنيف عندها يصبح من الانسب انهاء الشراكة لاعتبارات تحولها لعلاقات ضاغطة يمكنها أن تتسبب بالاطاحة بالكرامة الانسانية وبالدفع نحو تعويض خارجي مضطرب لشركاء هذه العلاقة / والدين وأبناء.

الفكرة تبدو غير مخيفة للذكور في مجتمعاتنا على الاقل ولكنها فكرة تشكل بعبعا حقيقيا للنساء .استخدم كلمة بعبع للاشارة الى المبالغة في الخوف من شيء غير واضح التكوين والمعالم, شيء لا وجود له الا في المخيلة البشرية القادرة وحدها على صنع الحدود والعوائق الوهمية وتؤمن بوجودها رغم منافاتها لحس المنطق .
غول تهددنا به أسرنا ومجتمعاتنا بأنه سيقضمنا ان تجرأنا وطالبنا بحقنا لتصحيح مسار حياتناالذي خرج عما كنا قد خططنا له .

دائما هناك تكريس لفكرة البعبع الملتهم فيما يرتبط بالوجود النسوي الحرالمستقل الكيان يترجم على شكل الوقوع فريسة للطامعين بما يشبه ليلى والذئب .
حتى في عالم الحيوان الافتراس لايقع إلا لمن يتصرف كضحية فيسلك سلوك الخائف المهزوم المقتنع بأحقية المفترس بافتراسه .

الموروث الفكري المجتمعي في هذا الشأن يحرص على دمغ تصوراتنا للبيئة المحيطة على أنها بيئة معادية ورافضة , تلهمنا الخوف واستجداء القبول , وتدفعنا نحو البحث عن ملاذ آمن نعتقد بأنه الرجل وبدونه نبقى في العراء , لذا باستمرار نبحث عنه كظل آمن يقينا مخاطر البقاء لوحدنا تماما كالأطفال .القناعة بضعف الكفاءة يمكنها أن تقدم البيئة المثالية لضمان عدم تطور بنى معرفية تتيح للنضج فرصة التواجد في البناء النفسي كأداة مناسبة للإستجابة لمتطلبات التوافق البيئي الفاعل والمؤثر لتبقى بنانا المعرفية محدودة النمو بشكل قصري بفعل الرغبة في استجداء القبول الاجتماعي وليس لأنها غير قابلة للتطور والنمو .وهو أمر يجعلنا نفكر بطريقة تتسم إن شئتم بالسذاجة وأقرب للقصور الذهني فيما يتعلق بأشياء كثيرة منها على سبيل المثال رؤيتنا لمنظومة توزيع الحقوق والواجبات .

أعتقد أنه في الكثير من الحالات أن _المرأة المواجهة _ قد اكتشفت قدراتهاالفاعلة عن طريق الصدفة وبعيدا عن أي موروث أو جهد تربوي . اكتشفت فجأة أنها قادرة على السباحة والنجاة بمفردها .

حقيقة نسبة لابأس بها من النساء ترتاح لفكرة إلقاء اللوم على المجتمع وترضخ لتبعات ما تسميه حظها العاثر لتكمل حياتها عليلة النفس والجسد وفي أحيان أخرى يصبح البحث عن علاقة موازية خارج الاطار الشرعي مبررا للثأر من المجتمع ومن ضعفها وقلة حيلتها وخوفها من مواجهة البعبع .

المعالجات الدرامية كثيرا ما نراها تختزل اشكاليات وضع المرأة بعد الطلاق بفكرة واهمة حول التفكير فقط بمشاعية جسدها, إلا أن الحقيقة تتعلق اصلا بالبحث عن علاقة بلا أي تبعات ينتظرها الطرف الاقوى من الطرف الاضعف , فالامر لايتعلق بوضعية الطلاق فقط , وانما بجميع الوضعيات التي تكون فيها المرأة, طالما أنهاتجسد فكرة الحمل الضعيف في الحياة . فالتحرش والمساومة لا تقتصر على النساء في وضعية الطلاق وانما تطال النساء في جميع الوضعيات .

القضية الاساسية التي يجب مواجهتها في اشكاليات ما بعد الطلاق تتعلق بقضايا متعددة ومتشابكة جزء منها يتعلق بالتنشئة الخاصة بالاناث تنشئة تدعو للطاعة بمفهوم العبد والسيد, وهو ما يمكنه أن يبني سور عدم القدرة على التجاوز , ويخزن في وعي المرأة عدم الاهلية ويتركها تحت تأثير عجز العيب والحرام .الاحساس بذلك العجز يمكنه ببساطة أن يجعلها طرف يسهل استغلاله لايستطيع الدفاع عن نفسه ولا يرى في التقليل من شأنه أمر يجب اعادة النظر فيه, ولا في انتزاع حقوقه وهدر كرامته شيئ غير جائز .

التكريس الثابت والممنهج للدور المرسوم مجتمعيا للنساء يحتم على المرأة تبنيه, للطمأنينة المرتهنة بالمسايرة الاجتماعية في مجتمعات تختص بصتع القوالب والانماط الفكرية مسبقة الصنع وترتاح في التعاطي معها. حتى الأنماط الفكرية الحداثية حين يتم استيرادها من الخارج تبقى محنطة في قالبها النظري لا تتجاوزه لحيز التطبيق الذي من شأنه أن يمنحها القدرة على الحياة والاستمرار من خلال التغيير السلوكي المصاحب لها . ولعلنا لاحظنا ان الفكرة في الغرب يتم استدراجها لتغيير حياة الفرد من خلال دمجها كقيم تربوية يجب تشبع الاجيال بها وتقديمها للممارسة السلوكية لتثبيتها وضمان استمرارها في الوعي الانساني في حين انها تبقى لدينا فكرة ترددها النخب لتميز نفسها عن العامة فقط .

لا يجب الاستمرار في تشجيع النساء على الاعتقاد بعدم الأهلية وتمرير ايحاء أنهن مخلوقات تابعة.
الميديا في الكثير الغالب تحمل تلك الرسائل المحبطة المحملة بصورة للمرأة الضحية , تقدمها على أنها صورة نموذج لنبقى في ظل التماهي معها , فماذا لوكان هناك دراسة لتكريس طرح صورة نموذج للمرأة يخدم تطورها النفسي ووعيها السليم بذاتها وبأهليتها وكفاءتها ويسهم في تشكيل حافز نسوي للتماهي معه يطرح بكل المجالات وجميع الوضعيات النسوية وبكل اشكال الميديابشكل مكثف ومستمر يؤمن فرصة لاحداث فرق وتغيير ممكن.

صورة تتناسب بامكانياتها مع ما تطرحه اشكاليات الحياة الجديدة من خروج للعمل , والتحصل على تعليم رفيع المستوى ,إضافة إلى تبدل دور المرأة في كثير من البلدان العربية التي غرقت في الحروب واللجوء , وهو ما جعلها قائدة لأسرتها بدون حماية نفسية تجعلها قادرة على القيام بأعباء الأسرة وحيدة الوالدية بدون ترك فرصة لاستغلالها .

حقيقة, مللنا من تقديمنا كضحايا قصر وعجز بوضعية الطلاق وغير الطلاق فلا أحد سيفترسنا لكوننا نساء بل لكوننا خائفات وبلا قرار . تنطلي علينا خدعة البعبع فنبحث عن حامي يظلنا بظله .
علينا طرح معالجة ايجابية ولا نكتفي بطرح واقع ,علينا تبني نهج تربوي ثوري يقدم المرأة بشكلها الواثق القادر على تحمل المسؤولية بعيدا عن ضرورة الاحتماء برجل خاصة في ظل الظروف الحالية التي تمر بها مجتمعاتنا العربية , لتدرك أن ميزان الحقوق والواجبات ميزان وضعي يمكن تعديله ليتناسب مع أي وضع جديد يطال الفئات البشرية ليخدم تقدمهم لا أن يسلط كالسيف على رؤوسهم ويزيد في بؤسهم .