أختار الحقيقة خاتما في إصبعي



سوسن بالضياف
2018 / 9 / 8

..... بالأمس وأنا أتصفح كعادتي وقعت عيوني على دعاية مفادها " كيف تجعلين حبيبك أو زوجك أو خطيبك " خاتما في إصبعك ..... هذه العبارة لطالما ترددت على مسامعنا في مناسبات عدة من قبل النساء والرجال على حد سواء حيث العبرة في النهاية هي استعباد الآخر والسيطرة عليه سيطرة تامة .....
وقفت لبرهة من الزمن متأملة هذا الكلام وأفكر كيف يكون الإنسان سعيدا أو يعتريه ولو أدنى شعور بالسعادة وهو يسيطر على الآخر ويتحكم به كدمية بين يديه وكخاتم في إصبعه !!! .....

إن هذا الأمر متجذر وجذوره بعيدة المدى وصعب جدا نبشها لأنها نحتت في الذهن الجمعي لمجتمعاتنا : حيث أن المرأة المثالية هي التي تقول سمعا وطاعة دون أدنى اعتراض وحيث أن الرجل الذي تفتخر به المرأة هو الذي يطيعها ويلبي رغباتها ولكن !!!!!
ما فائدة أن يطيعني إنسان أو يتعبدني !!!! ..... كيف له أن لا يناقشني ولا أناقشه ونشعر بإنسانيتنا وبعقلينا وبأننا كيانان يجمعنا الحب لا الاستعباد !!!! ..... من الخاسر ومن الرابح في الأمر !!!! ..... أكيد أكبر خاسر هم طرفا العلاقة بحد ذاتهما فقط .....

ستطيعه المرأة ولن تتفوه بأدنى اعتراض ولكنها ستشعر بالأسى حيال نفسها وداخلها ولن يعلم بذلك ولكنها ستبحث عن طرف آخر لتشكي له همها ومعاناتها ..... هل سيكون سعيدا هو بذلك ويشعر بالفخر والرجولة لأنها تطيعه ولكنها تفعل ماتريد من وراء ظهره ..... أليس الأمر كان ليكون رائعا لو كان التفاهم والحوار سيد الموقف وكل طرف واضح للآخر وضوح الشمس !!! ..... أكيد لن أرضى إلا بإنسان حقيقي أمامي بكل عيوبه على أن يتصنع قناعا أمامي بالمثالية وأخسر كثيرا من الحقيقة التي لا أعرفها ..... وما الفائدة أن أجعله خاتما في إصبعي يرضيني ويقول نعم وحسنا وسيبحث عن إنسانيته وكيانه المفقود في مكان آخر ..... ألست هنا أكبر خاسرة : خسرت الحقيقة وخسرت الثقة وخسرته لأنه بوجودي يبحث عن أمان في مكان آخر .....

إن من أسس ودعائم أي علاقة في الحياة الصدق والصراحة والوضوح ومن حق أي إنسان أن يكون على بينة الآخر دون أدنى تدليس ويقرر بعدها ..... الصداقة هي أسمى العلاقات وهي التي توفر عادة هذه المساحة من الحقيقة لأنها أكثر علاقة فيها أقل المصالح عكس الحب والإرتباط ..... لكن الأروع لو اجتمع الحب والإرتباط بالصداقة ..... حيث الإنسان إن بحث عن مأمن له سيكون شريكه .....

إستعباد الآخرين بأي طريقة وبأي شكل ولو كان ناعما بالحب هو محاولة فاشلة لإثبات كيان يعاني نقصا يحاول تعويضه بالآخر ولا أحد يقبل على نفسه أن يكون وسيلة لإشباع مكبوتات الآخر النفسية الناقصة .....
الوضوح أقصر الطرق وأنجحها ..... لنتأمل قليلا في مقابل خسارتنا أمام مكسب ظاهري شكلي يشبع نشوة ما ثم سرعان ما يزول وعندها سندرك أننا خسرنا الكثير والكثير وقد لا تعوض تلك الخسائر عند اتساع فجوة الشروخ بين طرفين يجمعهما سقف واحد ولكل حياته الخاصة منفصلة تماما عن حياة الآخر ولا يعرف أحدهم عن الآخر شيئا سوى كيان جسدي أمامه .