الحذر من المثل والقيم وخاصة باسم التدين



سوسن بالضياف
2018 / 9 / 20

..... ذكرت سيدة يوما موقفا حدث معها مفاده أن زميلا لها في العمل تعودت أن تسلم عليه بطريقة ( البوس ) يمينا وشمالا كلما رأته وكان هناك زميل لهم آخر في العمل وكان كلما رآهم يسلمون على بعض يمتعض ويتذمر بحجة الحرام والشرع ومخالفة الآداب العامة - رغم أن الأمر عادي جدا - ..... وفي يوم رآها تسلم عليه كعادتها فذهب وأراد أن يسلم عليها بنفس تلك الطريقة فلم تسمح له واكتفت بمصافحته فاستشاط غضبا وقال لها : لماذا هو تسلمين عليه بتلك الطريقة وأنا لا !!

هذا الموقف وهذه الصورة لها أشكال عديدة نراها بأعيننا وقد لا نلق لها بالا وصادفت الكثير منها حتى في مواقع التواصل الإجتماعي لأناس يدعون المثل العليا والحلال والحرام والقيم والمباديء كعدم الحديث مع النساء في الخاص ثم ما يلبث أن يتحين أول فرصة ويحدثهن ويتودد لهن وعندما يرفضن ذلك منه يستشيط غضبا ويخرج كل مابداخله من قذارة ألفاظ وتربية لا لشيء فقط لتصوره وحجته أنها مادامت تحدث غيره فلماذا ترفض الحديث معه هو ..... ومادامت متاحة وموجودة - من وجهة نظره - فواجب عليها استغلال ذلك قدر الإمكان .....

إن المتأمل لما سبق ذكره يلحظ جليا أن السيدة التي رفضت أن تسلم على الرجل المتدين كما تسلم على الآخر هي تعاملها معه من باب المبدأ والقيم التي يتشدق بها والحلال والحرام وكذلك البنت التي رفضت الحديث في الخاص مثلا فهي تتعامل معه بالمبدأ الذي يتشدق به و أن ذلك في شرعه وقيمه ومبادئه حرام أو لا يجوز أو لا يصح ..... وعندها سنقف حائرين فعلا وندرك أن كل ذلك الزيف من التدين والقيم سينهار في أول فرصة تحين لهم وندرك فعلا أنها مجرد شماعة لتلميع صورة خارجية أمام الناس بينما هم أكثر قذارة من القذارة نفسها ..... وفوق تلك القذارة زيف ونفاق وخداع .....

إن الثقة في مثل هؤلاء كوضع مصير على المحك فشخص خان شريعته ومبادئه ومثله العليا التي يتشدق بها ليلا ونهارا مقابل نزوة لا تستحق حتى ، تفقده كل أشكال مصداقيته والتي لا يملكها من الأساس فهو أصلا غير قادر حتى على الظهور بوجه واحد وشخصية واحدة ويعيش منفصما مزدوجا بوجه يعتقد أنه سيكسبه احترام الغير ظاهرا وبذئب مخادع في الخفاء .....

ونفس هذا الكلام ينطبق على المتحرشين في الشارع والأماكن العامة خارج البيت لأن ماذكر سلفا كذلك تحرش ولكن بصور أخرى ولا يخفى على أحد أننا نعيش في مجتمعات متدينة ورغم ذلك توجد بها أعلى نسب التحرش لأن المسألة ببساطة ماتم ذكره أن الشخص هنا يتحين أي فرصة يجدها أمامه ليضرب بتدينه وعفته المزيفة عرض الحائط ليقوم بالتحرش بحجة أنها مادامت لبست كذا فمن حقي التحرش بها أو مادامت خرجت فمن حقي التحرش بها واستغلال ذلك معتقدا أنها مادامت خرجت فهي ذاهبة لغيره فلماذا لا تكون معه كما الرجل الذي اعتقد أنها مادامت تسلم على زميلها بتلك الطريقة فلماذا لا تسلم عليه هو كذلك أو طالما هي موجودة في مواقع التواصل فأكيد هي تحدث غيري فلماذا لا تحدثني أنا ..... وغير ذلك .

لندرك حقا حجم المأساة في هذه الثقافات الشعبوية والتي تكدست وتكرست وأصبحت بمثابة الواجبات المباحة والحياد عنها شذوذ ..... التبرير للمتحرش فعله بحجة ملابس أو خروج المرأة هو نفسه تبرير الرجل لنفسه القيام بالسلام عليها وعندما ترفض يغضب لأن ذلك يخالف ثقافة السذج من التي يؤمن بها وهو نفسه تبرير وجود بنت في مواقع التواصل ليعطيه الحق بازعاجها ..... لنخلص في النهاية أن هؤلاء لا يغرونكم بالقيم والمباديء والدين والمثل لأن ما يمنعهم والسبب الحقيقي لمنعهم هو عدم وجود فرصة فقط ..... يعني لا يحكمه دين ولا أخلاق ولا تربية بل عدم خروج المرأة من بيتها فقط أو عدم ارتدائها ملابسا معينة أو ما يمنعهم فقط هو رفض الفتيات والسيدات الحديث معهم فقط فلو وافقن فلن يتوانى لحظة أو ما منع الرجل من السلام على زميلته مثل ما تسلم على زميلها الآخر هو رفضها هي ذلك وليس الدين والحلال والحرام الذي يتشدق به ليلا ونهارا ..... لمن يعقل من أولي الألباب