أنصتوا لبناتكم!



محمد مسافير
2018 / 10 / 9

- ألا ترافقينني إلى البيت؟
- أجننت... حافظ على صداقتنا في الحدود التي هي عليها، وإياك أن تكرر طلبك هذا...
- حسنا... لا بأس... لكن ماذا لو أرسلت هذه الصورة إلى أبيك عبر الواتساب؟ كيف تتخيلين ردة فعله؟
كانت الصورة التي ابتزها بها عادية جدا، سيلفي يجمعهما معا وهو يضع يده على كتفها ورأسه مستند إلى رأسها، لكن المسألة هنا كانت خاضعة لاعتبارين، أولا، فالفتاة كانت صغيرة السن، إذ أنها لا تزال تدرس في السنة الأولى من المرحلة الثانوية التأهيلية، أي أن عمرها لا يتجاوز السادسة عشر، ثانيا، كان أبوها متسلطا جدا، قاسيا عديم الرحمة، يوبخ على أشد التفاهات، ويمنعها وأخواتها من مبارحة البيت إلا إلى المدرسة، ثم يفرض عليها العودة مباشرة إلى البيت دون التواء...
إذن، فقد كان عاملا السن والخوف كافيين جدا لأن تخضع لابتزاز صديقها الذي لم يمض على تعارفهما أكثر من أسبوع، إنه يبدو جادا في نيته على الإقدام على إرسال الصورة إلى أبيها، توسلته أن يحذفها، لكنه أصر على الابتزاز... رافقته أخيرا إلى حيث شاء، ومنذ ذاك الحين، بدأت تغطس في وحل المعاناة، شيئا فشيئا...
استدرجها إلى بيته، ثم قضى عليها وطره، ثم قام بتصويرها مرة أخرى، لقد امتلك أخيرا الطعم الحقيقي الذي سيمكنه من إخضاعها متى شاء، كانت الصورة تبينها عارية تماما، لم تعد ملكا لنفسها، بل ملكا له فقط، لأنه يمتلك حياتها، وبإمكانه أن يفسدها إلى الأبد، أو أن يحافظ على براءتها أمام الملأ..
مرت السنين، وتعددت مواقع العمليات، أحيانا داخل بيتها، وأحيانا في شقته، والغريب في الأمر أن الشخص لم يكن يبدو إنسانا طبيعيا في ممارسته، لقد كان يتعمد إلحاق الأذى بها، سادي بمعنى الكلمة، يعنفها أثناء كل جماع، يضربها ويشتمها، وقد يضربها أيضا في الشارع دون أن يهتم لشيء...
انتقلت إلى الجامعة، لكنه لم يكن ليترك فريسته تبتعد عنه، فقد اكترى شقة قريبة من الشقة التي تكتريها، واستمر في تعذيبها وفي التحكم تماما في حياتها، فقد استشارته ذات يوم في أن تسافر إلى أمها التي كانت بحاجة إليها في مناسبة ما، لكنه رفض، فأرادت أن تتمرد على أمره... غادرت المحاضرة الأخيرة صوب محطة الحافلات، وقبل أن تصل إلى شبابيك التذاكر، اتصلت بها إحدى الطالبات اللواتي كن يدرسن معها، وطلبت منها الاستعجال والعودة إلى الكلية، المتصلة لم تكن صديقتها، فماذا قد يكون في الأمر؟
أخذت سيارة أجرة صغيرة، ثم عادت إلى الكلية، دخلت إلى القاعة المعلومة، ثم تفاجأت بالطالبات يجتمعن حول حاسوب محمول ويحملقن في صور جسدها العاري... لحظتها... انهارت تماما وفقدت وعيها...
لقد فتح ذاك المبتز حسابا على الفايسبوك أضاف إليه جميع الطالبات اللواتي يدرسن معها، ثم طفق ينشر في صورها ردا على تمردها ضد قراراته...
عادت إلى أحضانه مرة أخرى بعد أن حذف الحساب، وبعد أن وعدته بأن لا تعيد الكرة، هو الآمر وهو الناهي...
حصلت على الإجازة وعلى دبلوم آخر في تسيير المقاولات ثم على الماستر، ثم توظفت في القطاع الخاص، لكنها لم تنسلخ بعد منه، فقد ظل ملازما لها في كل المراحل، فأصبحت تنفق عليه رغما عنها، أو بالأحرى كان يسلبها مالها وهواتفها، ولم تجد سبيلا للفكاك...
عرض عليها أربعيني الزواج، صارحته بكل تفاصيل قصتها، تقبلها وتعاطف معها، أراد أن يتزوج منها رغم كل مآسي الماضي، لكن عليها ألا تستعجل، لأنه قد شرع في إجراءات الطلاق، لقد كان متزوجا على عتبة الطلاق...
أدرك المبتز بخيانتها له، فقد غدت تحاول أن تتفادى لقياه، لكنها تناست أنه من شر المتهورين، فقد شرع في إرسال صورها العارية إلى أبيها ويذيلها بتعابير مستفزة مثل: لقد نكحت ابنتك، وداخل غرفة نومك...
استلمت رسائلا عبر الواتساب من أمها، كانت نفس الرسائل التي أرسلها إلى أبيها، وليلتها، سافر إليها والداها، جاءت أمها كي تحميها من جريمة الشرف التي قد يرتكبها أبوها... لكنه بدا لا مباليا، وكأن العالم لم يعد يعني له شيئا بعد أن تلطخ شرفه:
- اغرقي في بحرك كما تشائين، اليوم تنتهي رابطة الدم التي كانت بيننا، لكن قبل ذلك، أريد منك جوابا واحدا، هل قمت بإدخاله إلى غرفة نومي؟
كان ذلك كل ما يهمه، لم ينصت إليها ولم يعرض أية مساعدة، وفي الحين، جاءها ذاك الصديق الأربعيني يطلب يدها من والديها ويخبرهما أنه يعلم عنها كل شيء، ولا يهمه شيء من ماضيها، وهو مستعد للزواج منها...
أنصتوا لبناتكم، تحدثوا إليهن، دون أن تشيدوا اي حواجز بينكم، فالشهامة والرجولة ليست في التسلط والتجبر، لكن في الإمداد بالثقة والأمان... لقد أخبرتني الضحية فعلا، أنها كانت تنظر إلى أبيها بإعجاب ورهبة غريبة، كان يبدو قويا وصلبا، لكنه تحول إلى حطام في عينيها حين احتاجت إليه، لقد بدا عاجزا لا يقوى على شيء...