كم من كاتبة مبدعة تحمل لقب الشيطان؟



نوال السعداوي
2018 / 10 / 24


الكاتبة المفكرة أو الفنانة المبدعة، تعمل بكيانها الكلى جسدا وعقلا وروحا، فى عالم سوقى ذكوري، لا يريد منها إلا جسدا، يتعرى فى الفساتين ويتلوي، لضمان النجاح وأرباح الدنيا، أو يتوارى ويتغطي، لضمان الجنة فى الحياة الأخري، تعيش الكاتبة مأساة لا يعيشها زميلها الرجل، فهو لا يتعرى ولا يتغطي، ويجد دائما امرأة تتفرغ لخدمته وعياله، زوجة واثنتان وثلاث وأربع، سكرتيرة مكتب وعشيقة وأكثر، لا تتردد الواحدة منهن فى إلغاء عقلها، ليكون هو عقلها الأوحد، فى حياتها وبعد الموت، تمنع عنه صخب العيال والإسهال، تجهز له الطعام والشاي، بينما هو يفكر وسارح فى الخيال، تضحى زوجات المفكرين والأدباء، بطموحهن وأحلامهن لإرضاء أزواجهن، من شكسبير ودوستيوفسكى الى طه حسين وتوفيق الحكيم، حتى الكاتبة سيمون دى بوفوار تنازلت عن فلسفتها من أجل تمجيد فلسفة جان بول سارتر، وشعرت بالمتعة لهزيمتها الفكرية أمامه، قالت بالحرف الواحد: لم أرغب فى إنجاب أطفال من سارتر، لأنه سارتر واحد، ليس له امتداد، لم يولد من رحم امرأة ولن يولد، كان سارتر كالإله، تتبعه كظله، تخفى قوتها الإبداعية تخوفا من إغضابه وفقا لسيجموند فرويد.

وتصور أن الطفلة، تؤمن بنظريته النفسية، أن أمها عملت على إيذاء أبيها، لتصبح الأم رمز الشر فى نظر الابنة، والأب هو الضيف اللطيف، تحاول البنت التحرر من سلطة الأم بالتقرب من أبيها، يصبح هو الجسر، الذى تمرعليه، لتحقق استقلالها عن أمها، ودخولها عالم الرجال الأعلي، تنقسم شخصية الأم فى ذهن الطفلة الى جزءين: الراعية الحنونة، والأخرى المتسلطة الشريرة، تنزع الابنة الجزء الطيب عن أمها وتعطيه لأبيها، ليصبح هو الحبيب, والأم عدوتها، تنافسها فى حبه، ويمكن أن تقتل أمها، فى الخيال أو الحقيقة، لتكسبه كاملا، تبقى البنات سجينات هذه المرحلة، فى نظر سيجموند فرويد خاصة فى حالة الأم المتزمتة دينيا، شديدة الرقابة، تتجمد شخصية الابنة عند تمجيد الأب وتأليه الذكورة، مع شيطنة الأم وتحقير الأنوثة، وإن تعلمت البنت وأصبحت فنانة أو كاتبة، فهى تقلد الرجال، تتبنى أفكارهم، ويصبح خيالها طبقيا ذكوريا، مع ذلك تظل الابنة غير مستقلة عن أمها، تحتاج رعايتها وحنانها، ولا تستطيع التخلص من كراهيتها لها, وكل النساء مثلها، كرمز للشر، والشيطنة، وتصبح البنت غير مستقلة عن الأب أيضا، والرجل عامة، لا تتخلص من تمجيده وتأليهه، فتقع فى هذا التناقض تظل متحدة بأمها، وتخاف أن تصبح مثلها، تحاول الهروب من الخوف بالمبالغة فى تأليه الأب، تخلصا من شبح الأم، وليرضى عنها الرجال، الذين تتصورهم آلهة أنقياء، وتكبت البنت رغبتها فى الرجل, خوفا من إيذائه، هكذا يستولى عليها الشعور بالذنب، فى الوعى واللاوعى ، تحاول التخلص منه، بالامتناع عن الجنس مع الرجال. يفسر سيجموند فرويد علاقات الحب بين البنات والنساء، خاصة فى سن المراهقة, بهذه الفكرة، أن الفتاة تقع فى حب زميلتها الأكبر أو أستاذتها، كمحاولة للهروب من فكرة الوحش الأنثوى، تنجذب الفتاة للنساء، بسبب تعثر علاقتها بالرجل، وتظل تخاف أمها وكل امرأة، لكنها تكبت هذا الخوف، ليتجمد عند مرحلة ما قبل عقدة أوديب, وهى مرحلة الفم عند سيجموند فرويد، أى مرحلة الأكل والابتلاع والهضم والاختناق والخنق والقتل، وغيرها من صفات الوحش الأنثوى الذى صوره سيجموند فرويد فى نظريته الأثيرة، الشبح الذى تخفى فى الثالوث المقدس, وهى الأم التى تحولت من إلهة المعرفة، فى الحضارات الإنسانية القديمة، الى شبح شيطاني، فى نظر الحكام الجدد، وكان الثالوث المقدس، فى الحضارة المصرية القديمة الأم الابنة الأب، قبل هزيمة الأمهات وشيطنة المرأة.

وكم من كاتبة مفكرة أو فنانة مبدعة تحمل لقب الشيطان، فى الحضارة الأبوية السوقية الحديثة؟