كتب اثرت فى حياتى الوسية عن حياة الجندى الذى اصبح استاذ اقتصاد سياسى



مارينا سوريال
2018 / 11 / 3

ولد الدكتور خليل حسن خليل في قرية الرباعي مركز كفر صقر بمحافظة الشرقية، كان متفوقًا في دراسته، وكانت حياته ضربًا من الكفاح المرير في مجتمع يسيطر عليه الإقطاعيون الإنجليز بما فرضوه على الفلاحين من عبودية، فكان أن عانى في هذا المجتمع أشكال الذل وهو يعمل مُجبرًا لديهم رغم موهبته العلمية وتفوقه، ومع ذلك فقد استطاع أن يشق طريقًا لنفسه وسط هذه الظروف إلى أن أصبح أستاذًا للإقتصاد، وحصل على الدكتوراه من لندن بعد أن فشل في ذلك في مصر حيث كانت أطروحاته تهاجم نظام "الوسية" الذي كان لا يزال متفشيًا في مصر حتى بعد نهاية الإقطاعية الإنجليزية.

تبدأ احداث بالصبي خليل وهو عائد في غاية الفرح إلى منزله الريفي وذلك لحصوله على المركز الأول في الإبتدائية على مستوى الشرقية ،فيفاجأ بإن اثاث منزله تم الحجز عليه وهنا يعرف خليل حقيقة الواقع ،وهو ان اباه الشيخ حسن قد أسرف في أقراض الناس دون الحصول على إيصالات تثبت حقه ،حتى آل به الحال إلى الفقر والأقتراض ،وهنا تبدأ معاناة خليل في البداية يتعسر في اكمال دراسته لعدم امتلاكه المال الكافى ثم يذهب للعمل في الوسية حيث يلاقى الظلم والمهانة ومنها إلى الجيش وهكذا حتى ينجح في الجمع بين عمله في الجيش والدراسه فينهى الدراسة الجامعية ويذهب في بعثة للخارج .
خليل حسن خليل .. سيرة ذاتية و قصة كفاح تعطي لمحة واضحة عن المجتمع المصري في الفترة السابقة على يوليو 52...الوسية هي النموذج الذي عايشه الكاتب في كل مرحلة من حياته و لم تكن فقط الوسية الفعلية التي اضطر للعمل فيها بعد أن طُرد من المدرسة - و هو الطالب المتفوق- لعدم استطاعته دفع المصاريف. صادف نموذج الوسية في الجيش, و في الجامعة, و عند محاولته للعمل في النيابة...كل مكان به باشوات و خواجات و رؤساء يمصون دماء من تحتهم, بينما ينقسم المحكومون إلى (أحرار الوسية) و هم من يتحملون الظلم لأنهم في وضع إجتماعي أفضل من الطبقة الدنيا, و لأنهم يستطيعون تصريف أمورهم بشكلٍ أو بآخر, و إلى طبقة دنيا مطحونة ترزح تحت نير الظلم و تغرق في الجهل و الفقر و المرض.
يفتتح الكاتب سيرته بصيف1933 ، هو الآن صبي في الحادية عشرة من عمره حاصل علي المركز الأول في امتحانات الشهادة الابتدائية علي مستوي مديرية الشرقية ، قبل الاحتفال بالنجاح الباهر ، يأتي المحضرون ليحجزوا علي أثاث البيت للعرض في مزاد علني سداداً لديون أب أتلف " الكرم الشرقاوي " ثروته . يقوم الصبي خليل وأمه وأخواته بتهريب الأثاث إلي منزل الجيران ، يتكرر هجوم المحضرين وفجأة يتوقف . يسأل الصبي أمه عن سبب توقف الغارات فتجيب دامعة لقد بعنا كل الأثاث لم يعد لدينا سوي " حصيرة وقلة ماء".
الخوف من غارات المحضرين والجوع المزمن يستوليان علي حياة الصبي حتي يصبحا جزءاً من جهازه العصبي ، يغادر خليل حلم الدراسة ليلتحق بوظيفة " كاتب أنفار " في وسية الخواجة اليوناني ، وآه يا مصر يا بلدا خيرك لغير أولادك.
رحلة هي قطعة من " المقاومة " يبدأ خليل من " الوسية " وعالمها الثري ثم يواصل تسجيل وقائع التحاقه بالجيش وكيف تمكن من الحصول علي الاعدادية ثم الثانوية ثم ليسانس الحقوق .
مع انتهائي من قراءة السيرة ولد بداخلي حلم مقابلة الدكتور خليل حسن خليل ، قلت لنفسي بعد قليل سأذهب إلي الجامعة في القاهرة وهناك سأعرف الطريق إليه .
في الفترة التي أمتدت من زمن الحلم بلقاء المؤلف وإلي يوم اللقاء كان خليل قد نشر الجزء الثاني من الوسية تحت عنوان »الوارثون« يعني أن الضباط الأحرار حكام مصر بعد 23 يوليو هم مجتمع الوسية الجديد !!
قبيل ثورة يوليو يسافر خليل إلي لندن للحصول علي دكتوراه في الاقتصاد ، فشل في الحصول عليها من القاهرة لأن الرسالة كانت ضد مجتمع " الوسية " بعد العودة الظافرة من لندن يقوم بتدريس الاشتراكية بناءً علي رغبة عبد الناصر ، ولكن زبانية التعذيب يعتقلونه وينكلون به !!
أحدهم يقول له :" لو فشل عبد الناصر ولم يصل إلي الحكم لكان الآن مكانك ولكنتُ أجلد ظهره كما أجلد ظهرك ، نحن هنا لحماية النظام أي نظام "
تتسع رؤية خليل لتري الدودة التي هي في أصل الشجرة ، إنها دودة الاستبداد ولا يهم إن كان الاستبداد ملكيا أو ثوريا.