ليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة



صبحي مبارك مال الله
2018 / 11 / 29

اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

ترتبط مشكلة العنف ضد المرأة وحجمها،بحقوق الإنسان وبالمراحل التأريخية التي مرت بها المجتمعات البشرية وبعهود الإضطهاء وسلب إرادة الإنسان كما يرتبط بالحريات والقيم الإخلاقية التي تكونت.وقد تبلور الإضطهاد وإستغلال الإنسان للإنسان عندما ظهرت المجتمعات الطبقية وكانت المرأة أول المتأثرين بما حصل،ولهذا نظرت الماركسية إلى قضية تحرير المرأة ضمن الإرتباط مع تحرير المجتمع من كل أشكال الإضطهاد الطبقي والقومي والإثني والديني. إن البحث في مسالة العنف ضد المرأة لاينتهي في تفسير ظاهرة العنف فقط وإنما يتعدى ذلك إلى مجمل الحقوق وما يحيط ذلك من الأوضاع الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية، فحقوق المجتمع تتجسد عند كل الشرائح رجالاً ونساءً ومدى تحقيق ذلك لكل شريحة سواء جزء منها أو بأكملها بجانب تحرير المرأة من الإضطهاد .
يذكر ماركس في مؤلفات متفرقة نقاط مهمة منها.أن تطور المجتمع يقاس بتقدم المرأة،خروج المرأة للعمل مع الرجل، لابدّ ان يصبح بالضرورة مصدر للتقدم الإنساني ويخلق أساساً إقتصادياً جديداً لشكل أعلى من الأسرة وللعلاقات بين الجنسين كما إن مكان العمل يفتح أمام النساء فرص للنضال والتنظيم.النضال ضد إضطهاد المرأة مهمة الرجال والنساء وليس مهمة النساء فقط ، وتحسين أحوال العاملات يفيد المجتمع وكل العاملين كذلك الإهتمام برياض الأطفال،المساواة في الأجر، الإجازة في حالة الولادة مدفوعة الأجر،الحضانات المجانية ولهذا ترى الماركسية ان تحرير المرأة يتطلب ليس فقط دخولها إلى الإنتاج الإجتماعي،إنما كذلك إحالة الخدمات مثل العناية بالأطفال والمسنين والعجزة إلى المجتمع ولكي تبلغ النساء المساواة التامة لابدّ من إزالة الفورق الطبقية .
الصراع ضد الآيدولوجية التي تكرس إضطهاد المرأة ودونيتها هي نتاج قرون طويلة من قمع وإضطهاد للمرأة ،لابدّ من مواصلة النضال والصراع ضد هذه الآيدولوجية في الجبهة الثقافية أو البنية الفوقية،النضال ضد الأفكار والمعتقدات التي تكرس دونية المرأة والتي كرستها مجتمعات الرق والأقطاع والرأسمالية التي تعيد إنتاج عدم المساواة في توزيع الثروة بين البلدان المتخلفة والبلدان الرأسمالية وبالتالي لعدم المساواة بين الرجل والمرأة حيث تجعل من المرأة سلعة وإداة للمتعة والدعارة وإداة للدعاية والإعلان فضلاً عن القهر الطبقي والثقافي والإثني والجنسي . لايكفِ التحرر الإقتصادي وزوال المجتمع الطبقي وإنما خوض صراع فكري وثقافي طويل الأمد ضد البنية العلوية التي تكرس إضطهاد المرأة ودونيتها .
في عام 1884م نُشر كتاب (أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ) لأنجلز ذكر فيه من منطلق الفهم المادي للتأريخ بأن التحول في أسلوب الإنتاج يؤثر على الوجود الإنساني بأسره بما في ذلك شكل العلاقات بين الرجال والنساء ولايمكن الفصل بين الإنتاج وتجديد النوع البشري في تطور المجتمع،وإعتماداً على نتائج بحث العالم الأمريكي مورغان في مؤلفه (المجتمع القديم،او البحث في خطوط التقدم البشري من الوحشية عبر البربرية إلى الحضارة) وكانت الإستنتاجات من قبل انجلز تتلخص في النظرة إلى دونية المرأة بأنها نتاج تطور تأريخي إجتماعي،لاتتعلق بالفروقات البيلوجية بين المرأة والرجل،المجتمعات البدائية شهدت المساواة بين الرجل والمرأة وكانت العلاقات الجنسية تقوم على الإختيار الحر بين الطرفين كما كان حق الأم في الأبناء حيث ينسبون لها في تلك الفترة،عدم المساواة ظهرت مع ظهور المجتمعات الزراعية والرعوية والفروق الطبقية وقيام الدولة،تركيز الثروة بيد الرجال (ملكيته للأراضي الزراعية وقطعان الماشية )وأصبحت الوراثة من جهة الأب لإستمرار سيطرة الرجل،ولهذا فأن الإطاحة بحق الأم تعتبر الهزيمة التأريخية العالمية لجنس النساء ومن هنا بدأت سيطرة الرجل وهيمنته وتراجع دور المرأة إلى المنزل .هذه الهزيمة إرتبطت بإنقسام المجتمع إلى طبقات مستغِلة (بكسر الغين ) ومستغَلة (بفتح الغين ) ولهذا لايمكن فصل النساء عن تحرير المجتمع من الإضطهاد الطبقي وكل أشكال القمع والإضطهاد الأخرى .
اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة : في 17-12-1999 إتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار المرقم 134/54 بأن يكون الخامس والعشرين من شهر نوفمبر من كل عام هو اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة ودعت الأمم المتحدة الحكومات والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني لتظيم نشاطات ترفع وعي الناس حول مدى حجم المشكلة في الإحتفالية الدولية .لقد جاء هذا القرار على خلفية عملية الإغتيال الوحشية في عام 1960 (للأخوات ميرابال) الناشطات السياسيات في جمهورية الدومنيكان بأوامر من دكتاتورالدومنيكان آنذاك رفاييل تروخيلو 1930-1961.وعرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة العنف ضد النساء بأنه أي أعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس والذي أحدث إيذاء وألم جسدي،جنسي، نفسي للمراة ويشمل التهديد بهذا الإعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات،سواء ان حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة وجاء في الإعلان العالمي لمناهضة كل أشكال العنف ضد المرأة الصادر عام 1993 ( هذا العنف قد يرتكبه مهاجمون من كلا الجنسين أو أعضاء في الأسرة أو العائلة أو الدولة .
العنف ضد المرأة هو سلوك عنيف متعمد موجه ضد المرأة والذي يسبب أضرار نفسية ومعنوية وجسدية ومن خلال تعريف الأمم المتحدة فالعنف سلوك ممارس ضد المرأة والمدفوع بالعصبية الجنسية،مما يؤدي إلى معاناة وأذى يلحق بالمرأة في الجوانب الجسدية والنفسية والجنسية...فالعنف ضد المرأة إنتهاك واضح وصريح لحقوق الإنسان أذ يمنعها من التمتع بحقوقها الكاملة وله عواقب خطيرة لايقتصر على المرأة بل يؤثر على المجتمع بأكمله، والعنف ضد المرأة لايعرف ثقافة أو ديانة أو بلد أو طبقة إجتماعية بعينها بل العنف ظاهرة عامة .
أنواع العنف :- 1- العنف الجسدي 2- العنف اللفظي والنفسي 3- العنف الجنسي –التحرش الجنسي ،التهديد الجنسي ،علاقة تفرض بالأكراه أو الإغتصاب 4-العنف الإقتصادي –منع المرأة من العمل والحصول على إستقلاليتها ونضيف 5- العنف السياسي –محاربة المرأة سياسياً ومنعها من حقوقها السياسية ومطاردتها وإعتقالها 6- العنف الثقافي –فرض آديولوجية ثقافية ذكورية .
أسباب العنف : دوافع جنسية،نفسية،إقتصادية (البطالة،الفقر ،الأسرة ) وسياسية وثقافية (الجهل وفرض القوة الذكورية )
آثار العنف :- آثار صحية (إصابا خطيرة ، كدمات وجروح، إضطرابات داخلية )، نفسية (الإكتئاب الحاد ، الإضطراب النفسي،الإنتحار،إدمان شرب الكحول،التدخين،المخدرات)،الإجتماعية (الإضطرابات الأسرية وإنعكاسها على الأطفال، إصابة الأطفال )
الوقاية من العنف :-تصدي المجتمع الموحد الواعي ضد العنف،المناهج الدراسية –برامج التعريف بالعنف،نشر الوعي الصحي والثقافي،الخطط الإقتصادية لتمكين المرأة من ممارسة دورها ، المساواة بين المرأة والرجل،صيانة علاقة الأزواج –الإحترام والتفاهم،حملات وقف العنف ضد المرأة،المنظمات العالمية المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة،مبادرات لوقف العنف ضد المرأة،رفع مستوى الوعي العالمي،منظمات حقوق الإنسان إلى تنظيم فعاليات تعزز مفهوم محاربة العنف ضد المرأة .
ولمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة حيث تستمر فيه الفعاليات بين 25/11- 10/12 موعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،لابدّ من مراجعة لأوضاع المرأة في العالم فيما يخص الإوضاع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية والتشريعات التي تضمن الحماية الكافية للمرأة ومعاقبة المتحرشين والمغتصبين وإلغاء القوانين التي تفرض القيود على المرأة من ناحية نشاطها الثقافي والسياسي .
كما يجب إغناء الفعاليات بالندوات الثقافية والإجتماعات الخطابية،وتنشيط الإعلام على كافة المستويات وفضح الأساليب التي تمتهن كرامة الإنسان والدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة بإطلاق سراح الناشطات السياسيات،الإستفادة من فترة الفعاليات وتحويلها إلى تظاهرة تشترك فيها منظمات المجتمع المدني،ولابد أن تكون هذه المناسبة لتسليط الضوء على مشاكل المرأة في البلدان العربية وفي العراق والعمل ضمن الحملة على التثقيف .