لِباس رانيا يوسف ولِباس التقوى



أيمن زهري
2018 / 12 / 1

"إحنا ليه بنقبل الفساتين الحلوة والجريئة من الأجانب واللبنانيات ومابنقبلهاش من المصريات؟… المصريات مش أقل من أي حد." هذا ما قالته الفنانة المصرية رانيا يوسف بعد إطلالتها على السجادة الحمراء بلباس (فستان) إدعى البعض أنه إستفز مشاعرهم الإنسانية والعقدية ووصفه البعض بالفاضح، وذلك في ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يوم 29 نوفمبر 2018.

نقطة مهمة جداً تلك التي طرحتها "الفنانة" رانيايوسف. هذه النقطة الهامة، والتي نتغافل عنها عمداً، تعكس إنطباع قوي بالفوقية والخيرية الذي يتلبّسنا ويسيطر علينا دائما، حيث نظرتنا للأجانب هي نفس نظرة اليهود لغيرهم. نظرتنا للأجانب إنهم أغيارٌ كُفارٌ يحق لنا إن نستمتع بهم. هذا بالإضافة طبعا لإعتقادنا الراسخ إنهم خاطئون، وأن الخطيئة تتلبّسهم أينما حلوة أينما رحلوا. هذا التصور يجعلنا نضعهم في موضع أدنى من موضعنا، ولا تكون لدينا مشكلة في أن نراهم في أوضاع لا تتناسب مع معتقداتنا نحن الفوقية الخيرية. هذه أيضا نفس نظرة "الأعراب" للساقطات وبائعات الهوى في الشرق والغرب.

يمكن القول أن وجهة النظر هذه تاريخية بالنسبة للمصريين، حيث كان المصريون يتعاملون مع طائفة ما يمكن أن نسميه ”صناعة البهجة“ معاملة الجواري والعبيد، أو أهل الذمة في أحسن الأحوال. كانت الراقصات في الماضي من الغجر أو الغوازي أو الحلب كما كانوا يسمونهم في ذلك العصر. أما في العصر الحديث والمعاصر فقد كان صناع السعادة من جنسيات أخرى كاليونانيين والإيطاليين والمالطيين والقبارصة أو من الهاربات من ذويهن في الريف. المثال على ذلك العديد من الراقصات الحديثات والمعاصرات. أما الحانات وعلب الليل فكانت أيضا قاصرة على أصحاب الجنسيات الأخرى أو المجنسين أو في أحسن الأحوال من غير أتباع الديانة الإسلامية، وكأن الديانات الأخرى تبيح الخمر والمنكر.

المصريون كانوا يتعاطون مع المنتج الذي يقدمه كل هؤلاء ويستمتعون به دون إحساس بالذنب لأن من يقدمه، من وجهة نظرهم ليسوا كسائر البشر. كان، وربما مازال، هناك توافق غريب بين النقائض كأن يُدعَ أهم المقرئين مثل عبد الباسط عبد الصمد أو الطبلاوى لإحياء مأتم الأب أو الأم ودعوة الراقصة سهير ذكي لإحياء حفل الإبن أو الإبنة. ولكنهم كانوا دائما يستنكفوا ان يشاركوا في إنتاجه. أي أن ليس لدى - بعض - المصريين مشكلة في شرب الخمر أو إرتياد علب الليل، لكن المشكلة تتأتي حين يقدم تلك الخدمات لهم مسلم. بالنسبة للجنس أيام شارع محمد على، أعتقد إن الناس كان لديها إحساس أن البغايا مثلهم مثل الإماء، بمعنى أنهن لسن كسائر النساء ولا تنطبق عليهن أحكام الحرائر، بل هن في حكم الجواري والإماء. لذلك لم يكن لديهم إحساس بالذنب أو الخطيئة. قد يكون هذا إنعكاسا لفكر الجواري والإماء حتى بعد إلغاء الرق في مصر قبل نهاية القرن التاسع عشر.

أعود للباس رانيا يوسف، إن لم يعجبك فسان رانيا يوسف إعتبره بدلة رقص.‬⁩ إعتبر إنك تتفرج على راقصة في فرح بلدي أو فرح أحد أبنائك أو ذويك. أيضا إن كنت ترى إن فستان رانيا يوسف تطرف يساري وحرب على معتقداتك وثوابت عقيدتك وهجمة من الغرب عليك لأنك أنت المؤمن القابض على الجمر في آخر الزمان، لابد أن تعرف أيضا إن هناك تطرف يميني في الملبس وحجر على حرية المرأة وتصرفاتها وخمص لحقها في الميراث في أقاليم مصرية عديدة، لماذا تستمرئ محاربة التطرف اليساري وتدافع عن التطرف اليميني؟ ثم أنك يا سيدي لو ذهبت لأي نادً أو فندق ستجد سيدات وبنات في حمامات السباحة بالمايوه البكيني. يا سيدي إعتبرها أنها تسبح ضد التيار ولا تعيرها إهتماما.

في النهاية لا يسعني إلا أن أقول أن العري ليس في الأجساد إنما في العقول. كما أحب أن أذكّر الناس الغاضبة من لباس رانيا يوسف (طبعا لباس كلمة عربية فصيحة)، أود أن أُذكّرهم، خصوصا من هم في مثل عمري أو أكبر قليلا، أننا منذ ثلاثين عاما أو أكثر قليلا، قبل القنوات الفضائية والنت، كنّا نتهافت على مشاهدة عروض مهرجان القاهرة السينمائي في سينما مترو في وسط البلد كي نستمتع برؤية مشهد به قطعة من لحم أبيض رخيص قد لا تتجاوز مدته دقيقة في أفلام المهرجان التي لم تكن تخضع للرقابة. أتمنى عليكم بعضاً من الواقعية وألّا تفضحونا أمام جيل الأبناء ولا تكشفوا سترا أسدله الله علينا وعليكم وأوصيكم ونفسي بالبعد عن التنطع ... هلك المتنطعون.