المازُونيات .... المازيغيات .



الطيب آيت حمودة
2019 / 1 / 28


الثقافة الأمازيغية بأساطيرها كادت أن تندثر بفعل الطموسات التي أطالتها ، لكن الإنفتاح الإعلامي و تطور وسائل التواصل بدأ يكشف الكثير من الحقائق التي تجعل هذه الأمة الأمازيغية مدركة لأصالتها وعراقتها بين الأمم ، ..... إنها أمة مشدودة إلى أرضها و وجدانُها منغرس في أديم هذه البلاد منذ أن خلقت الإنسانية نفسها .
الأساطير المخيالية التي يتداولها التاريخ هي مزج بين الحقيقة والخيال ، فالحكي الشعبي يخلو غالبا من مسحة الفعل الأكاديمي لأنه يتيح التصرف والإضافة لتزيين الأحداث بمنحها نكهة الحكاية المثيرة ....
أمتنا الأمازيغية حبلى بالحكي الشعبي ... لها سجل حافل بالأساطير التي تمتزج فيها ( الحقيقة و الخيال ) من بينها أخبار عن [ نساء أمازونيات ... أمازيغيات ].

التأصيل التاريخي :
مأ أذكره ليس مبتدعا ، أو خيالا مبتذلا ، وإنما حقيقة دونها المؤرخ[ ديودوروس الصقلّي Diodorus Siculus ] 1] وترجمها للعربية علي فهمي خشيم في كتاب قيم سماه ( نصوص ليبية ) ، فقد كان الحديث فيه عن نساء مميزات في بلاد الأمازيغ التي كانت تسمى قديما ليبيا يُعرفن ب(النساء الأمازونيات ) .
(فالأمازونية) التي قد تكون تحريفا لاسم (الأمازيغية ) هي في عرف المؤرخين الإغريق ليست المرأة الخيَّالة فقط ، فهي كذلك المرأة الحرة المستقلة ذات العضلات البارزة التي تعيش بذاتها و لذاتها ، تنفر من الذكورية ، ومولعة ٌ ببخسها للرجال و التلذذ بتعذيبهم ، حُجمت أثداءها بالكي قبل البلوغ أو البتر التام لإعطاء ملامح أنوثة محاربة لا تعيقها أثداؤها في الأداء الحربي كالمبارزة و رمي الرماح وإطلاق السهام بالنشاب، فهن متعففات ليس لهن حاجة للجنس إلا في حالة الحاجة للتكاثر العددي تعويضا لعددها ، فيلتجأن إلى نصب الخيام على حواف بلدانهم للتخصيب ، وعندما يلدن يحتفظن فقط بالإناث دون الذكور !
نجد أخبار ممالك النساء عند« أودوكس دوسيزكس » في القرن الثاني ميلادي عند اكتشافه لجزيرة تسكنها نساء يلدن في غياب الذكور ! أو روايات « بلينيوس الشيخ » عن تواجد الظاهرة على ساحل الأطلسي المقابل لجزر الكناري ، وقد انتقل خبرهن للمؤرخ الإسلامي كشأن ( الإستبصار في عجائب الأمصار ) لمؤلف مغربي مجهول من القرن 6 هجري ، أو ما ورد في كتاب مختصر (عجائب الدنيا) لمؤلفه ابن وصيف شاه ، تحدث فيه عن جزيرة ملكها النساء يلدن دون حاجة للرجال ، ونصٌّ آخر للجغرافي الإسلامي الأدريسي يتحدث فيه عن جزيرة اسمها جزيرة السعالي، « فيها خلقٌ كخلق النساء، لا فرق بين الرجال منهم والنساء ، إلا بالذكور والفروج لا غير » (ذلك لأن النساء كن مبتورات الأثداء).
إنهن مجتمع إنثوي ( إميسي ) يمتهن الحرب ، هوايته قلب معادلة هيمنة الذكر على الأنثى و استبدالها بهيمنة الأنثى ، إنهن مجتمع يريد إثبات ذاتيته عبر إذلال الرجل و شن حروب التوسع .

الأمازونيات ... المنبع و الإنتشار ...

المراجع بكثرتها تشير إلى تعدد إثنية الأمازونيات ، كأمازونات أنطوليا بتركيا ، أمازونات سكيثيا، Scythia في أوكرانيا ، وأخريات في بوهيميا ، وبعض من أصقاع إفريقيا السوداء .
فإن تعددت مناطق ظهور الأمازونيات قديما وحديثا إلا أن منبعها الأصل حسب المؤرخ الإغريقي الذي عاش في جزيرة صقلية القريبة من شمال إفريقيا وتسمى بها ( ديدوروس الصقلي ) ، يُجزم بأن أصل الأمازونيات من بلاد ليبيا ( التسمية القديمة لشمال إفريقيا ) ويروي في تاريخه أحداثا عنهن ، و يجزم بأنهن الأقدم ، وظهورهن كان قبل أمازونيات أناطوليا اللواتي نشطن زمن ( معركة طروادة ) في حدود القرن 12 ق.م ، وهن في الحقيقة صورة مستنسخة وتقليد ظاهر لأمازونيات ليبيا الأمازيغية .
أصبحت أمازونيات الشمال الإفريقي حسب المؤرخ ديدوروس فائقات القوة ، تواقات للقتال والمغامرة العمل البطولي ، وكان لهن قائدة مغوارة تسمى (مُورينا ) وحققن انتصارت فائقاة ، على أمثالهن (الغرغونات) ، وأقد انتصر عليهما هرقل معا تبعا للأساطير الإغريقية .

°° القائدة ( مورينا ) وتوسعات الأمازونيات .

وفي الكتاب فصلا عن القائدة (مورينا) التي بسطت سلطانها على ليبيا وعبرت نحو مصر حيث عقدت معاهدة وئام مع الملك ( حورس بن إزيس ) وأخضعت بعدها سوريا بعد حرب على الأعراب فيها ، وامتدت يدها لبلاد طوروس ، وانتصرت في أقاليم كثيرة وانشأت مدينة باسمها ، ( مدينة مورينا في موسبا شمال غرب أسيا الصغرى حسب المؤرخ ( سترابون ) .
وهو ما يعني أن الأمازونيات كان منشأهن في شمال إفريقيا ثم توسعن شرقا وشمالا نحو آسيا الصغرى ، وحضي فعلهن بالتقليد والمثل والمتابعة .
الغريب أن تلك التوسعات تكرر وقعها زمن [ شيشنق ] فيما بعد في حدود منتصف القرن العاشر ما قبل الميلاد ، وهو مايعني أن التوسع لم يكن من الشرق نحو الغرب فقط ، فقد كانت تبادل للفعل التوسعي و حقق أجدادنا توسعات نح الشرق في زمن الأمازونيات ، ومملكة الأمازيغ في عهد الفراعنة التي توسعت على بلاد الشام واستولت على كنوز الملك سليمان العبراني ، أو توسع قبائل كتامة الأمازيغية على مصر وتأسيس القاهرة بجامعها الأزهر.

°°الأسطورة التي ملأت الآفاق ...

أسطورة الأمازونيات التي حولها السرد التاريخي إلى حقيقة مليءٌ الكتب بأخبارها في الغرب والشرق ، فقد كان الرواة يتحدثون عن (بلاد النساء ) التي فيها الحياة بلا رجال ، أقدم الأخبار جاءت على لسان مؤرخي الإغريق و سايرهم حتى مؤرخوا الإسلام الذين اعتقدوا بوجود مملكة النساء في المحيط الأطلسي ، الرحالة [ ماركو بولو] يروي أخبارا عن جزر في المحيط الهادي يتحكم فيها النساء ....
المجتمع الأمازيغي عبر تاريخه هو مجتمع ( إميسي ) المرأة فيه لها شأوا كبيرا في التدبير والقيادة ، فهي منافسة للرجل وكثيرا ما تبادلت الأدوار معه بأن صيرته يعتني بتربية الأولاد وقيام بشؤون البيت ، وإن أفلت تلك الظاهرة إلا أن المرأة الأمازيغية كثيرا ما تظهرُ عبقريتها في كل شيء فكثير ما ظهرت متفوقات في شتى المجالات بما فيها الحرب ، فأخبار ( تين هينان ) و ( ديهيا ) التي قاومت الغزو العربي ، و (زينب النفزاوية ) التي كانت قائدة لأكبر دولة إسلامية وراء الستار سندا لزوجها البطل (يوسف بن تاشفين المرابطي ) ، ناهيك عن بطالات حفيدات الأمازونيات في القرن العشرين كلالة ( فاطمة نسومر) و ( مليكة قايد ) ، ( حسيبة بن بوعلي) ، (مريم بوعتورة ) وغيرهن كثير في فضاء تمازغا الكبرى .
ولا شك في أن روح المقاومة والبطولة التي أمتاز بهما الأمازونيات لا زالت مؤصلة في مجتمعنا الحالي ليس إستنساخا لحال اللباس إنما في البسالة وحسن تربية الناشئة على روح المقاومة ضد كل مغير مستبد تجرأ على تدنيس أرضنا.

الإحالات والمراجع --------------------------------------------
[1] مؤرخ يوناني عاش في جزيرة صقلية بين 90-30 ق.م. ، عاصر عهد الأمبراطور جول سيزار ، طاف ببلدان شمال إفريقيا قديما ( التي كانت تسمى ليبيا ) وسجل أخبارها .

°° نصوص ليبية ، علي فهمي خشيم .
°°ملامح من تاريخ الحركة النسائية الأمازيغية بالمغرب: من الأمازونات إلى مناضلات جماعة إميضر لصاحبه محمد العمراني .
Les amazones- mythes- re’alites images pierre samuel°°