مداخلة الشاعرة راغدة عساف زين الدين في أمسيتي



دينا سليم حنحن
2019 / 2 / 25


دينا سليم حنحن كاتبة فلسطينية أنجزت العديد من الروايات وأبحرت فيها بكل مشاعرها وبكل فوضى حواسها ويقين إيمانها، من بلاد الحجارة إلى بلاد الحضارة حتى استقرت على شواطئ الحب والأمان.
لقد استطاعت دينا بتمتعها بالثقافتين أن تبني جسوراً بينهما وأن تجعل من القارئ محللاً ومعلماً وتلميذاً في آنٍ واحد
دينا كم أنا سعيدة اليوم بإختيارك لي وبإختياري رواية "جدار الصمت" لتكون محورنا في هذا اللقاء.
جدار الصمت .... صمتك الذي أغدقتِ به علينا فرقَّت له مشاعرنا وذابت معه أحجار قلوبنا، جدار صمتك الذي قررتِ بعد سنوات طويلة من الألم أن تلقيه على الأوراق لتنبض هذه الصفحات وكأنها من دمٍ ولحمٍ بلوعة أم منكوبة وزوجة مقهورة.
دينا، لهذا البوح، لهذا العناء، لهذه الشجاعة، لهذه العزيمة، لهذا البقاء، لهذه الأم المحاربة ، أقدم جلَّ تقديري وإحترامي لكِ .
لقد دونتِ مأساة إنسانية أخذتِنا بها معك إلى محطات مليئة بالعذاب والمعاناة، وكأنك بذلك تجعلين منها وثيقة إعتراف لكل امرأة اختارت الصمت وانطلق صمتها صراخاً فوق سطورك وما بين السطور أيضاً. لقد قال الكاتب الفرنسي رولات بارت: تبدأ الكتابة في اللحظة التي نتوقف فيها عن الكلام، وهذا ما قمتِ به بعد صراخ دامٍ أدمى روحك لعقود قاسية وطويلة من الزمان .
تقولين دينا : " وما زلت أتسائل كيف يمكن لذكر جاهل غبي أن يقود عائلة مكونة من أرواح وعقول ونتسائل جميعاً لماذا الجهل منتشر في الأمم حتى في زمن النت والآي باد، أتمنى أن نعيد حساباتنا جيداً وأن نعيد تأهيل الذكر أولاً قبل فوات الأوان هذا إن لم يكن قد فات الأوان، ومنح الفرصة للأم لأنها هي التي تمضي مع أبنائها جلَّ الوقت، لنمنحها الثقة ولتخرج إلى العالم لكي تؤهل جيلاً آخر أكثر ثقافة "، كم هذه الرسالة هامة وكيف لو طُبقت، أكيد سيكون لها تأثيرا جما في تغيير وتطوير المجتمعات وخصوصاً العربية منها .
تأخذينا دينا أيضاً إلى التعرف على العلاقة مع الآخر ومدى قدرته على التأثير في توجيه دفَّة حياتنا والتحكم بمصائرنا، وتتناولي الجانب القسري من هذه العلاقة، قسوة الصراع مع الآخر حينما يجد لنفسه المبرر لإستباحة حياتنا وخصوصيتا .

قلتِ : " طالبوني بنسيان الماضي والمضي في طريقي دون الإلتفاف إلى الخلف .
قلتِ : اشتقت إليك بني اشتقت لك يا ولدي .
قلتِ : ياله من قدر تفوح منه رائحة العذاب
الألم قوة، يعانقك لا تعانقه لكن إن لم يعتقك عانقه، الألم صدفة وشاحها أسود وحضنها لحن حزين .... حاربه".

قلتِ : " زهور ذابلة في مدخل الفيلا التي أقمت بها في فلسطين، تلك المتروكة لم تكتشفها يد مقلِّم أو قلب رئيف من بعدي، تلك الحزينة التي طرق الشتاء بابها وأحرقها الصيف بناره، لقد كان حارس الدار ذكياً، حمل دلو الماء ووقف جانبها يوهمني أنه أسقاها، لقد ادخر الماء لأشياء أخرى هذا الكسول، هذا الخائن والخونة كثر، لم يعلم أنني أتقن لغة التربة، التربة لغة الحياة، لقد تركت الزهور حزينة هناك وعدت من بعده إلى الحيوات" .
قلت ِ : " تلاشى الضوء من صباحك وسقطت النداءات من بعدك، هلَّ أدركك صمتي ؟
قلتِ : يا أيها الشرس الجميل لقد قتلتني مرتين ".
دينا الكاتبة الثائرة، دينا الكاتبة المتمردة، لقد أدخلتينا عوالم الحب والمحبين، وأدخلتينا سراديب المجتمعات المظلمة وأنرتِ لنا جوانبا مخفية، أدخلتينا مضيف الصبر والإيمان وخرجنا بسيرتك السردية الشجاعة والكريمة إلى ضفاف الفرج.
منك نستمد معنى الأمل والإرادة، ونعلم بأن الجميل لا بد أن يلقى الجمال، وهذا السلام الذي تنعمين به أنت والبنات الجميلات والحفيدة نعمة الخالق لأرواح تشظت وتشتتت وتألمت، ثم استحقت الحياة .