المراة المستعملة والرجل الطازج أبدا



ناجح شاهين
2019 / 3 / 23

نهاية الأسبوع (يوم الخميس) شهدنا تكرارا مملا لحالة الفصام التي نعيشها حيال المرأة. حفلة فيسبوك عربية شاملة في تقديس المرأة بصفتها أما. وعلى الرغم من أن الأراضي العربية الفلسطينية كانت ما تزال تئن تحت وطأة مشاعر القهر التي رافقت تمكن الاحتلال "بجهد استخباري" من الوصول إلى البطل عمر أبوليلى الذي نفذ عملية سلفيت الفذة، وما تلا ذلك من ارتقاء لشهداء آخرين في نابلس وبيت لحم وغيرهما، إلا أن ذلك لم يمنع من ممارسة الاحتفال ب "المناسبة". لقد أدمنا عقلية المناسبة على ما يبدو بما يعني أن كل مناسبة لا بد أن تأخذ "حقها" من المنشورات والتعليقات والتحليلات والانتقادات مهما كانت صغيرة أو كبيرة. ويشمل ذلك يوم الفلسفة ويوم المعلم ويوم النسبة التقريبية 3.14 ...الخ.
لكننا بالطبع لا نقصد ان نقول إن الأم "مناسبة" مثل غيرها من المناسبات. المرأة هي ببساطة ووضوح أحد شقي الكائن الإنساني، وهي بهذا المعنى لا تحتاج إلى أية مناسبات إلا بمقدار ما يحتاج الرجل إلى ذلك. وإذا كان الرجل لا يحتاج إلى تقريظ سنوي أو شهري أو مئوي، فإن المرأة أيضا في غنى عن هذه المدائح التي تحصل في المناسبتين الأبرز، يوم المرأة ويوم الأم، بينما هي مؤهلة بالتعريف لأن تكون إنسانا كامل الإنسانية طوال أيام العام.
ما يحصل فعليا هو أن المرأة في بلادنا تعامل معاملة تترواح بين السلعة الجنسية والجارية الرازحة تحت أعباء الأعمال المنزلية التي لا تنتهي إلا لتبدأ، حتى عندما تكون امرأة عاملة تتعذب طوال النهار في وظيفة من الوظائف التافهة في سوق العمل المحلي، وما يرافق ساعات العمل المريرة من تحرش الزملاء وأرباب العمل، الذي يعد مميزا دائما لتعامل مجتمع الذكور كله مع المرأة، ناهيك عن الذكور الذين يتمتعون ببعض القوة التي يتيحها لهم موقعهم في العمل، أو امتيازهم الطبقي المالي، الذي يبيح لهم مساومة النساء على أرواحهن وأجسادهم على السواء.
وتعاني المرأة أشد المعاناة مع الطلبات المتناقضة التي تطلب منها في وقت واحد: كأن عليها أن تنتهك قوانين الهوية وعدم التناقض في كل لحظة من لحظات اليوم. إنها في منظور "الشارع" موضوع خالص للشهوة والتحرش والمعاكسات التي تجعل المشي في الطريق، على هوان شأنه، نشاطا محفوفا بالمضايقة التي قد تتضمن الضرب بالكتف أو اليد أو التعرض للارتطام المقصود طوال الوقت، ناهيك عن الاستماع معظم الوقت للتعليقات البذيئة المتحرشة. يصر بعض من الرجال - والنساء أيضا، لأسفنا الشديد- أحيانا على تحميل المرأة المسؤولية عما تواجهه بذريعة أنها جميلة، أو بذريعة أنها تلبس ملابس مثيرة. كأن عليها أن تتوقف عن أن تكون أنثى من أجل أن تنجو من عدوان الذكور في الحيز العام.
لكن الرجل/الشاب الذي يرى الأنثى في الشارع موضوعا للهجوم والعدوان الجسدي والنفسي بصفتها كائنا جنسيا خالصا ليس فيه أية مكونات أخرى، هذا الذكر نفسه لا يستطيع التفكير في أمه أو أخته إلا بوصفها كائنا لا علاقة له بالأنوثة. ولعله يضطر في لحظات قليلة إلى التفكير في أخته بوصفها أنثى، عندما يطرأ أمر يتصل بالخطبة والزواج التي تأتي بالنسبة للذكر في سياق "سترة" البنت، وليس في نطاق سعادتها بأن يكون لها شريك تحبه ويحبها، وتمارس معه تلك الشهوات الشريرة الشطانية التي لا يحب الذكر العربي أن يفكر في أن أمه أو اخته موبوءة بها على الرغم من أنه لا يرى في نساء "الشارع" إلا كائنات شهوية خالصة لا تمت للمواطنة العادية وأدواراها المختلفة بأية صلة.
في هذا السياق يتم التعامل مع مناسبة "يوم الأم" بوصفها حقلا لاستعراض قداسة الأمهات التي تتعالى على الوجود الأرضي الحقيقي للمرأة بجوانبها الإنسانية المتعددة. المرأة الأم كائن متسامي على الوجود الفعلي الدنيوي للمرأة. إذن لا بد أن ننسى أو نتناسى، أو نكبت بحسب مصطلح فرويد، كل ما يتعلق بكونها أنثى تخضع لعالم الشهوات. أما إذا حضر موضوع الأنوثة لأي سبب من الأسباب، فإن الأولاد الصغار على وجه الخصوص سيحرصون على إخفاء اسماء أمهاتهم خشية أن يمسك أقرانهم خيطا يجلب العار للولد عندما ينادونه باسم أمه على الملأ وهم يتضاحكون من واقعة أنهم قد اكتشفوا نقطة ضعفه المخجلة التي يجسدها اسم الأم. لكن الكبار أيضا لا يحبون أن يذكروا أسماء أمهاتهم أو زوجاتهم إلا في حالات الاضطرار. على أن الأخطر والأشق على النفس دائما هو التفكير في ان الأمهات يشكلن كيانات جنسية يمكن أن يكون لديها مشاعر وشهوات. ولا بد أن ذلك يقوض صورة الملاك الذي أنجب الأطفال دون أن يكون له اية مشاعر أو احتياجات جسدية.
من ناحية أخرى تعرفون ان المرأة تتلوث في الذهن العربي إذا ثبت أنها ابتسمت لابن الجيران. بل إن قيمتها التبادلية تنهار إذا سبق لها الزواج. أما إذا أنجبت وأصبحت أما فإن أحدا لا يعود قادرا على الارتباط بها فقد أصبحت مستعملة أكثر مما يحتمل اي رجل طبيعي. وإذا وجدت امرأة مطلقة لأي سبب كان، فإن الرجال (غالبا على قلب رجل واحد) يفكرون كلما خطرت ببالهم أو شاهدوها تعبر الشارع في الوليمة الجنسية التي يمكن الحصول عليها دون تبعات مع تلك المرأة التي لا تتبع لملكية أي ذكر؛ المالك الذكر الذي يردع بقية الذكور عن التفكير في المرأة هو على الأرجح ما يقصده المجتمع العربي عندما يتحدث عن "ستر" المرأة عن طريق الزواج. سعادة المرأة بصفتها إنسانا ليست مطروقة في الذهن الشعبي من هذه الناحية. وهذا الذهن الشعبي يهيمن على وعينا المخبأ جميعا على الأرجح، وقد يشمل ذلك "خطباء الجندر" وحقوق المرأة من الرجال الذين يرددون الشعارات عن حقوق المرأة دون أن يستدخلوا على نحو عميق الفكرة البسيطة التي تخص كون المرأة كيانا إنسانيا مثل الرجل تماما، وليس من داع لأن نطلب، أو نتوقع منها أشياء أصعب أو أسهل مما نتوقعه من الرجال.
بالطبع الرجل لا يعيبه اي شيء، ويظل طازجا متالقا وإنسانا كامل الإنسانية جاهزا للأدوار كلها مهما حصل. إنه الوجود الإنساني الذي لا يمكن تلويثه مهما فعل، وغالباً لا يعيبه أي شيء ولا حتى "جيبه" خلافا لمثل مأثور كان يزعم أن "الزلمة ما بعيبه إلا جيبه".
للأسف تصعيد المرأة الأم كما حصل قبل أيام، وكما يحصل كل عام جزء من مصيبة المرأة العربية أكثر مما هو أنصاف لها.
اتمنى للمرأة بنتا واختا وزوجة وأما وحبيبة أن تحقق انسانيتها الكاملة لا أكثر ولا أقل، وهي في غنى عن الأكاذيب التي تحولها إلى ملاك لتحرمها من حقوقها الإنسانية البسيطة.
حاشية. عندما يموت الاب في الغرب على سبيل المثال، فإن وريثه الأهم هو زوجته، أما في بلادنا فإن الاولاد الذكور يرثون ثروة الاب ويرثون تحكمه في الزوجة التي تصبح في بعض الأحيان متسولة في بيوت أولادها. لكن ذلك لا يمنع قصائد الحب الوهمية في عيد الام العتيد.