الفن وهجٌ دفيءٌ لروح طفلٍ لا وطن له .



يوسف حمك
2019 / 3 / 26

قبل أكثر من عقدٍ كانت الحياة هادئةً ، تخلو من أصوات الانفجارات ، و لا يعكر صفوها أزيز الرصاص ، أو يلوث مزاجها صراخ الامهات الثكلى ، و مناظر جثث القتلى .

كان الأطفال يغردون كالعصافير ألحان الحياة .
لهوٌ طول النهار ، إلى حد الضجر ، و تأفف الأمهات من إغراقهم في اللعب .
ثم العودة و الارتماء في أحضان الأبوين ، و إغفاءالعينين للغطس في نومٍ هادئٍ ، فرؤية أحلامٍ ورديةٍ .
قلوبٌ صغيرةٌ تحلم - على مقاسها - حلماً آمناً . بلا كوابيس ، أو مناظر مرعبةٍ .

و على حين غرةٍ تغيرت الحياة ، فحلت الكوارث محل الأمن و الألفة ، و الكراهية مكان المحبة ، و العنف مكان اللين و الطيبة ، و الموت محل الحياة .... حتى بات العيش مؤلماً عسيراً لا يطاق .

تلوثٌ مفرطٌ لطخ براءة الطفولة بوتيرة العنف ، و شدة القسوة خدشت نعومتها . هدير مدرعات الغزاة أفسدت رقتها ... سيوف أصحاب اللحى الطويلة و الدشاديش القصيرة مزقت ضحكاتها .
خوفٌ مزمنٌ .... اكتئابٌ شديدٌ .... زعزعة النفس ....

إرثٌ ثقيلٌ من الضغوط النفسية أفنت جيلاً كاملاً .
نسلٌ كاملٌ مهددٌ بالضياع ، و التشرد مزق شمل العائلة بالانفصال عن الوالدين .
حرمانٌ من التعليم و سوء التغذية ، و التزويج المبكر ، و حملٌ حوَّل الطفلة أماً - في حين أنها بأمس الحاجة إلى صدرٍ حنونٍ - .
أطفالٌ جعلتهم الفاقة رجالاً قبل أوانهم - لإعالة أسرهم المنكوبة -
و سلوكٌ عدوانيٌ نما ، و ترعرع في قلوبهم الصغيرة .

مشكلات الأطفال النفسية باتت عبئاً ثقيلاً على عاتق الجميع - الأهل ، الحكومات ، المدارس ، المنظمات الإنسانية ، المؤسسات التربوية ، الهيئات الدولية ، الجمعيات الخيرية ، و الهيئات الحقوقية ..... -

حسب المختصين : ( خيال الطفل واسعٌ ، و ذهنه متأهبٌ للتلقي ... ممارسته للفنون وسيلةٌ فعالةٌ لمعالجة القلق و الاكتئاب لديه ، و التخفيف من الكآبة ....)

انخرط الطفل في ممارسة مختلف الفنون يبعد تفكيره عن الماضي ، و خير علاجٍ لإزالة القلق و الإحباط . كما الابتعاد عن البرامج المسيئة و المشاهد العنيفة و اللقطات المروعة .

باعتبار أن الطفل عاجزٌ عن التعبير عما يجول في دواخله من المشاعر و الرغبات ، و يصعب عليه إيصالها بالتعبير اللفظيِّ ، فتشجيعه على مزاولة الفنون أفضل علاجٍ لخروجه من دوامة جحيم ما يدور حوله ، كما التعرف على ميوله و فهم اتجاهاته و التعبير عن ذاته بصمتٍ .

رسوم الحيوانات الأليفة بتنوع الألوان متعةٌ بالغةٌ للطفل ، الرسوم الناطقة ، و اللعب بالدمى يخفف من أوجاعه .
تركه يرسم باختياره للتعبير عن عواطفه بلا لغةٍ .
الموسيقا و العزف على الآلات يبهج قلبه المتعب .
تقمص الشخصية يحلو له أيضاً .
ممارسة الرياضة تنسيه همومه ، و تنجيه من انفعالاته السلبية .

التعليم المناهض للحروب و العنف ضرورةٌ لتلقين الطفل ، و واجبٌ للحكومات إدراجه في المناهج الدراسية بدلاً من صور الأسلحة و الأعتدة القتالية و الألبسة العسكرية ، و الحديث عن النزاعات بقصد تمجيد القادة و بطولاتهم الزائفة المخزية ، أو أدلجة المناهج لتأليه الزعماء .
من أولى أولويات الجميع : العمل بجديةٍ لتخليص الطفل من معاناته ، و تنمية مواهبه ، و تبلور ذاكرته نحو الابتكار و الإبداع و حب الجمال و عشق الحياة .