محكمة النساء 18 صرخة تعري واقع التمييز وتكشف معاناة النساء



حياة البدري
2019 / 4 / 4

عنف وتعنيف، بدني ونفسي، مادي واقتصادي، طرد من بيت الزوجية ومشاكل في حق الولاية، زواج من أجل المتعة وعدم الحق في الإنجاب، تزويج القاصرات، تهرب من النفقة بطرق احتيالية جهنمية، حيف وتعدد وتشييء، ممارسات جنسية غير شرعية وتطليق وتخلي عن أطفال لمجرد أنهم ولدوا ببعض الأمراض والعاهات، وليس لهم أي ذنب فيها،عنف بكل بالألوان وكل التجليات والمقاييس، قصص واقعية وليست من نسج الخيال، تم عرضها بعيون دامعة وأصوات مبحوحة، من قبل المعنيات بها، أمام أنظار ومسامع كل من حضر أطوار المحكمة الرمزية 18 التي نظمها اتحاد العمل النسائي ومراكز النجدة بهيأة المحامين بمدينة الإسماعيلية.

وعملت الشهادات المتتالية، والمخللة ببكاء وألم النساء المعنفات، اللواتي جئن لتقاسم مشاكلهن وطرحها أمام أنظار ومسامع المحكمة 18 ، بهدف إنصافهن وإيجاد حلول لهن ولأطفالهن، بقاعة المحاضرات الفسيحة، التابعة لهيأة المحامين بمدينة مكناس، والتي وسعت حضورا نوعيا ومتميزا، شمل أهل الحركة النسائية والسياسة والحقوق والقانون والإعلام وباقي مكونات الشعب المغربي، على زرع الذهول والمرارة والتساؤل حول مدى استمرارية وانتشار هذه الأنواع من العنف والتمييز في حق النساء، إلى حدود هذا القرن.

المحامية نهلة عراش، قدمت ملتمس الإحالة ، الذي رفعه اتحاد العمل النسائي ومراكز النجدة لمحكمة النساء 18، قائلة: "بناء على المقاربة التشاركية المنتهجة بهذه المحكمة والتي تسهم فيها مختلف مكونات الحركة النسائية والحقوقية، الخبيرات والخبراء من تخصصات متنوعة، وباعتبار المحكمة الرمزية آلية ترافعية، أثبتت فعاليتها في التحسيس والمناصرة والضغط من أجل النهوض بحقوق النساء وحمايتهن ومحاربة العنف المسلط عليهن والتمييز في حقهن، نحن مدعوون كمكونات للمجتمع المدني، المنخرطة في الصيرورة والآليات الأممية للتبع والمسائلة لاستثمار الفرص المتاحة عالميا، لرصد مواقفنا وتعزيز مطالبنا التي مافتئنا نناضل من أجلها" .

وأكدت نهلة عراش في تقديمها لملتمس الإحالة، أن الاجتهادات القضائية، عوض إنصاف النساء من حقهن، فهي تزيد من أوجه الحيف والتمييز في حقهن، مودرة على سبيل المثال، الاجتهاد القضائي الصادر عن محكمة النقض الذي سرعان ما جرد النساء من حقهن في الواجبات المستحقة في حال مباشرتهن لدعوى التطليق للشقاق، والتمست من المحكمة 18 للنساء، بضرورة المراجعة الجذرية والشاملة للمدونة من أجل إرساء مساواة فعلية بين الجنسين والحفاظ على المصلحة الفضلى للطفل، بشكل يتلاءم مع الوثيقة الدستورية، وما تقتضيه المرحلة من الخروج من الخصوصية للشمولية في تناول وضع حقوق النساء في بلادنا.

وكشفت كل من عائشة لخماس، رئيسة اتحاد العمل النسائي، وهيئة الدفاع بالمحكمة 18 لاتحاد العمل النسائي، على أن مدونة الأسرة أبانت عن الكثير من الأعطاب والصعوبات على مستوى الأجرأة والتنفيذ، وأن الغاية من مدونة الأسرة لم تتحقق وفق فلسفة روح القانون، نظرا للاختلالات التي تطال النص القانوني، الذي لم يؤد الدور المنوط به في عدة مجالات، كسكن المحضون ، الذي اختزل في مبلغ جزافي لا يفي بالغرض الذي شرع من أجله، والحضانة التي لا تزال في مجال مستمر للمنازعات بعد الطلاق، وتستغل من طرف الأب لابتزازالأم للتنازل عن النفقة أوعن حقها في الزواج مرة ثانية، حتى لا ينتزع منها أبناؤها الذين تجاوزوا 7سنوات، أو تستغل من طرف الأم لمنع الأب من التواصل مع أبنائه بشكل طبيعي، في غياب مراعاة المصلحة الفضلى للأطفال، والحالات الخاصة بكل طفل وظروفه العائلية، بالرغم من توقيع المغرب على اتفاقية حقوق الطفل.

وأبرزت المحامية نزهة العلوي بخصوص النفقة، أنه لم يتم إدخال أي إصلاح جوهري على مقتضياتها، كتحديد معايير دقيقة لاحتسابها، للحد من السلطة التقديرية للقضاء التي تحول دون تحقيق المساواة بين المتقاضين في أغلب الأحيان، حيث بالرغم من التنصيص على اعتماد الوضعية التي كان يعيش فيها الأبناء قبل الانفصال لتحديد النفقة، فهولا يفعل، بل يحكم بمبلغ جزافي، لأن الملزم بالنفقة ينجح غالبا في إخفاء حقيقة دخله أو التهرب من التبليغ أو تعطيل التنفيذ. وظلت حقوق الأطفال المنصوص عليها في المادة 54 من المدونة شكلية ودون تفعيل عملي، نظرا لغياب آليات تحدد مجالات تدخل الدولة والنيابة العامة، لتوفيرالحماية اللازمة للأطفال، وفقا لاتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب.

وأوضحت هيأة دفاع المحكمة 18، أن تزويج الطفلات يشكل إجحافا في حق طفلاتنا، وانتهاكا لحقوقهن في التعليم والصحة، ويكرس استمرارية الأمية والهشاشة بصفوفهن،وتنجم عنه مآسي تعمق الفقر والتهميش وسطهن، وغالبا ما ينتهي بالطلاق. مبرزة أن التعدد، يشكل أحد مظاهر التمييزوانتهاكا لكرامة النساء، وتعارضا صارخا مع مقتضيات الدستور والتزامات المغرب الدولية، وكاشفة أن المرأة تفقد حقها في الولاية على أبنائها، بمجرد الطلاق، مما يؤثر على توازن واستقرار الأطفال، بالرغم من تنصيص المدونة في المادة 4 على المسؤولية المشتركة في راعية الأسرة.

وبعد مرافعة المفوض المدافع عن الحق والعدل ومرافعة هيأة الدفاع وهيئة المحلفين، التي كلها صبحت حول التنديد بالعنف واعتبرتها جرائم في حق الإنسانية، جاء منطوق الحكم كالتالي:" باسم الحق والعدل وطبقا للاتفاقيات الدولية، وخاصة اتفاقيات القضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء، واتفاقية حقوق الطفل وطبقا لمقتضيات الدستور، حكمت المحكمة النسائية الرمزية 18 للنساء علنيا وحضوريا بضرورة وملحاحية التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة، ولملائمتها مع الاتفاقيات الدولية والدستور وتدقيق مرجعيتها وفقا لذلك، بسن قانون أسري مبني على المساواة في فلسفته ولغته ونصوصه، ضمان المساواة بين المرأة والرجل في كل الوضعيات سواء أثناء الزواج أو بعد انحلاله، ضمان الحضور الفعلي للنيابة العامة في جلسات القضاء الأسري، بوصفها الساهرة على التطبيق السليم للقانون.

وحكمت محكمة النساء18، بإنشاء محاكم متخصصة في قضايا الأسرة، بما فيها إهمال الأسرة والعنف الأسري، توفيرآليات الوساطة والصلح ، تفعيل دور المساعدات الاجتماعيات والأخصائيين النفسانيين، تحت رقابة القضاء والاستعانة بتقاريرهم وأبحاثهم الميدانية، لتوفير المعلومات الكافية وتخفيفا لعبئ الإثبات، أخذا بعين الاعتبار مقتضيات اتفاقيات اسطنبول، وتسهيل ولوج النساء للقضاء عبر إعفائهن من الرسوم القضائية وتمكينهن من المساعدة القانونية، وضع معايير لتحديد مستحقات الأطفال والزوجة، تؤسس لمنطق سلطة تقديرية عادلة للقضاء، إعادة النظر في عقد الزواج وتضمينه طريقة اقتسام الممتلكات المكتسبة بعد الزواج، إعمال حقوق الأطفال وفقا لاتفاقية حقوق الطفل، منع زواج القاصرين وتجريمه ، منع زواج التعدد وتجرمه وإعادة النظر في منظومة الإرث بما يفعل التمكين الاقتصادي للنساء.