الجزائر: تعبئة النساء العارمة



مود نثان
2020 / 3 / 2

تحضر النساء ويعززن بمشاركتهن الكثيفة الحركة الشعبية التي تهز الجزائر. كان هذا مُلاَحظا بشكل خاص يوم الجمعة 8 مارس، لا سيما في الجزائر (العاصمة) التي شهدت المظاهرة الأكثر أهمية، بمشاركة مئات الآلاف من الأشخاص.

صادف يوم الثامن من مارس التحرك الثالث، الجمعة الثالثة على التوالي من التعبئة ضد الولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة. رغم أن السلطة جعلت من هذا اليوم، يوم عطلة رسمية، فقد استعادت النساء الجزائريات نضالهن بالتعبير عنه هذه المرة في الشارع، بأعداد أكبر بكثير مما كانت عليه خلال التعبئتين الكبيرتين السابقتين يومي 22 فبراير و2 مارس.

يوم 8 مارس ليس كباقي الأيام

سارت جميع الأجيال جنباً إلى جنب: ربات الأسر والطالبات والتلميذات، اللواتي كن قبلاً في الشارع أيام الثلاثاء السابقين، العاملات، والعاطلات عن العمل، والنساء المسنات، وحتى المعاقات. أظهرت كل من النساء المحجبات أو اللواتي بدونه، والأخريات اللواتي يرتدين الحايك (الحجاب الأبيض التقليدي الملتف على الجسم)، فرحتهن وكبريائهن وتصميمهن. كان للمظاهرات الشعبية الحاشدة طابع عائلي وحميمي، بفعل تغير المزاج في الشوارع تمامًا. كان المشاركون لطفاء، وحريصون على احترام بعضهم البعض. سادت الأخوة والتضامن غير المسبوق، على عكس التلميحات الجنسية، والنظرات غير المناسبة، والتحرشات المعتادة!

مثل كل هذا تغيرا كبيرا! عادةً، كان يبدو الثامن من مارس كعيد للأمهات، حيث يتم تنظيم الاحتفالات تكريما للنساء، اللواتي من الجيد إهداء الورود لهن وتهنئتهن. يقوم النظام بالتنازل لهن، بحيث يمنحهن حتى نصف يوم عطلة ولكن ليس لهن حق في الاحتجاج. رغم أن العديد من الجمعيات النسائية والثقافية تنظم اجتماعات، ومناظرات، للاحتفال بنضالات النساء، لكن لا يحق لهن القيام بأعمال في الشوارع.

تعود آخر التجمعات الكبرى إلى العام 2015، على إثر اغتيال رازريكا شريف في مسيلة، وهي شابة دُهست عمداً على يد سائق سيارة لأنها تحدته. عجَّل الحماس والتعبئة في البلد باعتماد قانون العنف ضد المرأة. كانت هذه هي المرة الأولى التي يجرم فيها قانون محدد هذا العنف. لكن رغم ذلك، أقحمت السلطات، مراعاة للإسلاميين، فقرة مثيرة للاشمئزاز بشأن “العفو”، ما جعل الإفلات من العقاب ممكنًا في بعض الحالات.

مطالب سياسية واجتماعية

خلال سياق حركة الاحتجاج، تدفقت النساء إلى الاحتجاجات بشكل لافت. أظهرت اليافطات واللافتات هَمهُنَ لربط المعركة الجارية بالنضال من أجل تحرر المرأة: “8 مارس يوم الكفاح والنضال. النساء ينخرطن، أيها النظام ارحل”، ” نحن نعترض، أوقفوا الاغتصاب”، “لن أقوم بالأعمال المنزلية، إنني مشاركة في الثورة”، “لا تحررني، أنا سأقوم بذلك”، “سر كالفتاة”. نساء من جمعية جزيرونة: رفعن صور نساء قُتلن خلال العشرية السوداء، من أجل الحقيقة، من أجل العدالة، للذاكرة. أعربت النساء اللائي قابلهن الصحفيون عن قلقهن بشأن مستقبل أطفالهن، بين البطالة أو المخدرات أو الحراكة (أولئك الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط). قالت امرأة قابلتها جريدة الوطن أنها تريد “حياة أفضل لشبابنا. أفكر في الشباب الذين تأكلهم الأسماك (الحراكة). قادتنا يأكلون السمك وأطفالنا يُقدمون كلحمٍ السمك “.

يظل أحد المشاغل الرئيسية للمرأة الجزائرية هو التجول في الشارع بحرية، دون الاضطرار إلى التعرض للمضايقات. لكنهن يواصلن أيضا النضال ضد قانون الأسرة الذي، رغم بعض التعديلات التي أُدخلت عليه في العام 2005، لا يزال يحتفظ بنفس الأحكام غير المتكافئة بشأن شروط الزواج، وتعدد الزوجات، وأحكام الطلاق، وعلاقة الأبوة والميراث. وبالطبع، كما هو الحال في كل بقاع العالم، فإن النساء العاملات هن أيضا الأكثر استغلالًا، وغالبًا ما يتم تكليفهن بأعمال هشة ومنخفضة الأجر.

عزمت الكثير من النساء في الجزائر، بفضل مشاركتهم الواسعة في الاحتجاجات ضد الولاية الخامسة، على مواصلة النضال من أجل تحررهن الاجتماعي والسياسي. يواصل بعض العمال الجزائريون ترديد عبارات أمامهن، تلك التي استخدمها الإسلاميين لسنوات، حول “سارقات الوظائف” أو “اللواتي يردن أربعة أزواج”. هذا ليس مستغربا. لكن هذه الحركة الاحتجاجية التي تجد فيها النساء أنفسهن بأعداد غفيرة، والتي ينشأ فيها مناخ جديد، تخلق بحق ظروفًا، يمكن من خلالها التغلب على هذه الأحكام. كما أعلنت لافتة ذلك: “نساء ورجال، دعونا نتكاتف في النضال من أجل القضاء على الاستغلال”.

بقلم، مود نثان، تعريب جريدة المناضل-ة