جرائم شرف في الثورة



راتب شعبو
2019 / 5 / 12

زاد من سوداوية ما تشهده سوريا من صراع عنيف لا تُحترم فيه أبسط المعايير الإنسانية، وقوع ما يمكن أن نسميه جرائم شرف على خلفية تعرض نساء للاغتصاب في سياق ما، في سياق مجزرة أو خطف أو اعتقال ..الخ. لا تشكل النساء اللواتي قضين في هذه الجرائم نسبة تذكر قياساً على سجل القتل اليومي الفظيع الذي تعيشه سوريا، ولكن قتلهن له لون خاص، ليس فقط لأنهن يقتلن على يد أقرب الناس إليهن، وليس فقط لأنهن يقتلن في زمن يتم فيه تحدي الأفكار العامة المستقرة ومساءلتها، وليس فقط لأنهن يقتلن وسط حلمهن بمستقبل أفضل لهن، بل أيضاً، والأهم، لأنهن يقتلن دون أي ذنب من أي نوع. إنهن مجرد موضوع سلبي للجريمة حين يغتصبن وحين يقتلن.
ضمن ثقافة عامة تضع جسد المرأة في دائرة شرف الرجل أكثر مما هو في دائرة شرف المرأة نفسها، تبقى المرأة هي النقطة الأكثر إيلاماً للرجل. لإهانة الرجل تُشتم أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته ..الخ. وللضغط على الرجل يجري تهديده باغتصاب النساء اللواتي يشكلن (العرض) الخاص به. ودائماً يكون الفعل الجنسي هو بؤرة الإهانة ومنبع التوترات.
وللثقافة العامة وسائلها في فرض معاييرها وتجديد ذاتها. الرجل وسط هذه الثقافة لا يُترك لقناعاته ولحكم مشاعره. في حالات غير قليلة، يجد الرجل نفسه مرغماً على التزام معايير الثقافة العامة تحت طائلة النبذ والتحقير العام. الرجل ضحية وسط هذه الثقافة الظالمة كما هي المرأة. أليست ظالمة الثقافة التي تجعل الرجل جلاداً لأقرب النساء إليه؟
في جرائم الشرف السابقة لاندلاع الثورة كانت المرأة، في الغالب الأعم، تدفع حياتها ثمناً لخيار أقدمت عليه بنفسها، لأنها تزوجت دون رضى الأهل مثلاً، أو لأنها اختارت شريك حياتها من طائفة مغايرة، أو لأنها مارست الجنس دون غطاء شرعي ..الخ. وفي كل هذه الحالات تدفع المرأة حياتها ثمن قرار شاركت في اتخاذه على الأقل. أما في جرائم الشرف التي ارتكبت وترتكب في سياق الثورة فإنها تدفع حياتها ثمناً لجريمة غيرها، ثمناً لواقعة لا يد لها فيها ولا قرار ولا أي استعداد من أي نوع. هناك جريمة يرتكبها ذكرٌ غريب تنتهك جسد المرأة اغتصاباً، تليها جريمة يرتكبها ذكر قريب (الذكر الأقرب عادة من حيث صلة الرحم) وتزهق روح المرأة المغتصبة. المرأة في الحالين موضوع للجريمة ليس أكثر، تدفع ثمن ثقافة عامة وهي بريئة تماماً من أي ذنب. هكذا تقف المرأة، دون أي حماية، أمام ذكرين يجمعهما، رغم كل علاقة العداء بينهما، الإجرام بحق المرأة. فنكون أمام تسلسل لجرائم ذكورية متكاملة تتفوق في الظلم والظلامية على جريمة الوأد التي قد يشمئز منها مرتكبو هذه الجرائم نفسهم.
الثقافة نفسها التي توكل للرجل وظيفة الحامي لشرف المرأة، توكل إليه وظيفة الجلاد على محميته حين يعجز عن الحماية. وكأن الرجل يكفّر عن عجزه حين يزهق روح محميته. كأنه ينتقم من محميته لأنه عجز هو عن حمايتها. هكذا يتسق الرجل مع دوره ووظيفته في ثقافة عامة تقوم على أساس عاطل وتبني ذاتها على خلل.
وقد تدفع المرأة حياتها ثمن الظن بأنها تعرضت للاغتصاب. حالة تتطلب من الثقافة العامة الشرقية أن تلتفت إلى ذاتها. فبدلاً من أن يتم احتضان المرأة المغتصبة ومعالجة جرحها النفسي العميق، يجري قتلها والاقتصاص منها، حتى على الشبهة، وعلى يد الذكر الأقرب الذي يكون هو أيضاً ضحية، كما هي المرأة التي قتلها.
وإذا ما عفّ الذكر، لسبب ما، عن ارتكاب جريمة قتل محميته المغتصبة، فإن المغتصبة تعيش قتلاً معنوياً دائماً وسط ثقافة تعاملها على أنها "عائبة" أو "معطوبة". قتل معنوي يمكن أن يصل بها إلى أن تنفذ بحق نفسها ما عفّ الذكر عن تنفيذه بحقها، فتقتل نفسها خلاصاً من هذا القتل الروحي اليومي. "وقاتل الروح لا تدري به البشر".
ليست مفارقة أن نشهد جرائم شرف في الثورة. وليس من يقومون بالثورة جمهور متحرر من ثقافته الراسخة والمكرسة لأجيال متلاحقة. ليس من يرفض الاستبداد السياسي ويثور عليه هو بالضرورة حامل لثقافة أرقى. هناك مسافة شاقة بين السياسة والثقافة. إن تكوّن ثقافة عامة تتخلص من النظر إلى المرأة على أنها "ضلع قاصر" أو "ناقصة عقل ودين"، وتنظر إليها على أنها كائن مستقل كامل الأهلية، عملية أقل ضجيجاً من الثورات السياسية الطابع ولكنها أكثر تطلباً بكثير. غير أن المفارقة هي أن جرائم الشرف التي وقعت في الثورة، أكثر عدداً من جرائم الشرف التي كانت ترتكب من قبلُ، وهي بعدُ أكثر ظلماً ولا عقلانية.
شباط 2014