كلمة حول شعار المؤتمر العاشر لرابطة المرأة العراقية.



نادية محمود
2019 / 7 / 7

عقدت رابطة المرأة العراقية هذه الايام، مؤتمرها العاشر في بغداد تحت شعار "توحيد الجهود لتمكين المرأة في صنع القرار ومحاربة الفساد وتحقيق العدالة والمساواة وبناء السلام". في هذه المقال ساوضح مدى تطابق شعار هذا المؤتمر مع توجهات وفلسفة التيار القومي العربي وتصوراته لقضية المرأة.
يؤكد شعار المؤتمر على ضرورة "توحيد الجهود" و" تمكين المرأة" من اجل ما يلي: " صنع القرار، " " محاربة الفساد"، "تحقيق العدالة"، " المساواة" و"بناء السلام". اي يركز الشعار على ادوار المرأة، ولا يوجه انظاره لوضع المرأة ذاتها. اي لا ينظر الى الانتهاكات التي تتعرض لها النساء وعلى مختلف الاصعدة، وهن اللواتي يشكلن اكثر من نصف المجتمع.
ان نظرة ألتيار القومي العربي فيما يتعلق بالمرأة هو دور المرأة، وليس حقوقها. يرى هذا التيار ان المرأة هي "الام" المضحية في سبيل بناء الوطن، وهي التي تنجب وتبني وتربي اجيالا على مباديء العزة والكرامة.وان لديها مهام ومشاركة في بناء الوطن،وحدة الامة، بناء الدولة، التنمية، الحرب، الدفاع عن العقيدة ..والخ . واذا ما جرى تقدير دور المرأة في المجتمع، فلأنها "كافحت بجانب الرجل من أجل هذا الحزمة من القضايا والمسائل، التي تواجهها الطبقة الحاكمة واقراره وتثمينه لما ما قامت به من خدمات، او جهاد".. وليس المسائل التي تمر بها النساء باعتبارهن نساء. او حقوقهن وحرياتهن في المجتمع
في الوقت الذي اوضحت فيه التجارب التاريخية كيف جرى تهميش دور المرأة في البلدان التي وقعت تحت الاستعمار، ورغم كل البطولات التي قامت بها النساء " للدفاع عن الوطن"، لكن ما ان انتصرت حركات التحرر الوطني، و تم استقلال تلك البلدان، حتى اعيدت المرأة التي بذلت الغالي والنفيس " في سبيل استقلال وتحرر الوطن ، الى المنزل و العناية بالاسرة، و لم يتم التطرق الى حقوق المرأة، باعتبارها انسان متساو مع الرجل، متحررة من العنف والاضطهاد المنزلي والخ.
ان هذا نابع بالاساس من حقيقة ان الحركة القومية العربية والفكر القومي العربي يعتمد في جوهره على الفكر الاسلامي، ويستمد منه تقاليده وقيمه وممارساته. ولا يسعى هذا الفكر القومي العربي، على الانتفاض على القيم والعلاقات الابوية، بل هو موجود لتكريسها وادامتها. فتمثيل وتكريس هذه القيم الاسلامية هو جزء لا يتجزء من الهوية القومية العربية، حتى وان بدت في لحظات تاريخية داعية للتمدن او التطور، الا انها في جوهرها هي تكريس للتقاليد الاسلامية. من هنا، فان الحركة القومية العربية وحركة تحرر ومساواة المرأة يسيران على خطين متوازيين ولا يلتقيان.
ويقدم العراق نموذجا صارخا عن كيف تم تعامل الفكر والممارسة القومية العربية لحزب البعث مع المرأة في الحرب العراقية الايرانية. لقد جرى تمجيد دور المرأة العراقية او " الماجدة العراقية" كما اطلق عليها النظام السابق، اثناء تلك الحرب في ثمانينات القرن الماضي، تمجيد دورها في تحريض الابناء والرجال على المشاركة في الحرب، وانشدت مئات الاغاني التي تؤكد على دور المرأة، ولكن ما ان انتهت الحرب العراقية الايرانية، حتى احيلت النساء الى " فائض عن الحاجة"، وسرحن من العمل، لترتفع نسبة البطالة بين النساء بنسب كبيرة، و مع زيادة نسبة الارامل، وخاصة بعد حرب الخليج الثانية، وفرض الحصارالاقتصادي، تصاعد الفقر في اوساط النساء، ازدادت نسبة بيع النساء لاجسادهن من اجل تأمين العيش، وكف النظام عن التغني بدور المرأة،حيث انتهى دورها، بل مضى الى ممارسة ابشع الجرائم للحفاظ على " اخلاق" المجتمع باسم حملته الايمانية التي وجه رأس حربتها للنساء اولا.
والان من جديد، نصغي الى هذا الشعار مجددا: النساء من اجل " محاربة الفساد، اشاعة العدالة، بناء السلام" انه ذات الخطاب. الذي يرى الى " دور" المرأة وليس الى وضع المرأة. ما علاقة هذا الشعار بالانتهاكات اليومية والاليمة التي تتعرض لها النساء في كل لحظة من لحظات حياتها في العراق وتحديدا بعد سقوط النظام السابق ولحد الان؟
في الوقت الذي كان يتوجب ان تتوجه الانظار الى جوهر وجذر وسبب الانتهاكات والتمييز الذي تتعرض له النساء والاطفال من الاناث. اسباب العنف، المعاملة الدونية، الحجر على النساء، توجه الانظار الى :" تمكين النساء لمحاربة الفساد"!! كان يتوجب ان توجه الانظار الى تغيير القوانين، الى تجريم زواج القاصرات،تجريم الزواج خارج محاكم الدولة، الدفع باقرار قانون ضد العنف ضد المرأة، محاربة كل اشكال الاتجار باجساد النساء وتجريم كل شخص او منظمة تتاجر بجسد المرأة، ومواجهة كل تبضيع وسلعنة لاجساد النساء، مواجهة التحرش الجنسي، وغيرها الكثير، وجه شعار المؤتمر الانظار الى ادوار النساء وليس الى اوضاعهن في هذا المجتمع.
كنساء شيوعيات، وفي منظمة نسوية شيوعية،او على الاقل ترفع راية الشيوعية: كان من الاولى ان يصار الى توضيح حقيقة ان اضطهاد النساء عائد بالدرجة الاولى والاساسية الى وجود نظام رأسمالي في العراق يرفع راية الاسلام السياسي كعقيدة سياسية وايديولوجية له. يقوم على التمييز في عرض فرص العمل، واعطاء الاولوية للرجال تحت ذرائع شتى، وجعل العمل النسوي مقتصرا على العمل المنزلي، وحرمان المرأة من التعبير بحرية، وفرض الحجر على النساء،واقصائهن، وسلبهن حرياتهن، وقمعهن في البيوت، انما هو عائد لهذا النظام، ولايديولوجيته. واي تحسن حقيقي في حقوق المرأة وفي نمط حياتها يستند في المقام الاول والاخير على قدرة النساء على فرض تراجع على هذا النظام وقوانينه وممارساته، ويعطي المؤتمر نداءه بان يجب تعبئة القوى ضد هذا النظام وايدلويوجيته وقوانينه، لكي يكون حريا ان يقترن اسمه باسم الشيوعية.