أهمية دور المرأة في صنع القرار السياسي..الفتاة التونسية ايمان الشريف المقيمة بأروبا نموذجا



محمد المحسن
2019 / 7 / 8

لقد وصلت بناظير بوتو إلى منصب رئيس وزراء باكستان وإنتهى الأمر بتصفيتها سنة 2007. وإنتهى حلم بثينة كامل بكرسي الرئاسة في مصر سريعا، فهي لم تطمح أكثر من تقديم برامج جديدة للمرأة والأسرة في الإعلام لعلها تحقق ضغطا يؤدي إلى إقرار بعض حقوق المرأة المهضومة في مصر، فالكرسي للحاكم الذكر حامى حمى الوطن، والدين مسؤولية معقدة لا يمكن أن يتحملها الجنس اللطيف.
هكذا يختزل الوعي الجمعي المرأة، جنس لطيف تلخص مهمته في الجنس وإشباع رغبات الذكر وفي التناسل وحفظ إستمرار المجتمع.
لو حدث وأن سألت يوما إمرأة تروم التحرر وترفض وضعها في هذا المجتمع عما حلمت أو تحلم، ستجيبك “ليتني لم أولد هنا أو ليتني أسافر من هنا” ..
“ليتني” كلمة تختزل الكثير من أشجان المرأة في المجتمع الذكوري الذي تنتمي إليه..
ما أريد أن أقول:
لاتموت المرأة كما الرجل، لا يأتيها الموت لحظة أجلها إنَّما تموت تدريجيا. فهي توؤد منذ ولادتها إلى أن يأتيها الموت فيجدها جاهزة ويأخذها. يبدأ المجتمع والعائلة في دفنها الرمزي منذ ولادتها، وتساعد بعض النساء في ذلك بإرادتهن منذ وعيهن بخطورة جنسهن على المجتمع الذي ينتمين إليه ويبدأن في ملاحظة خطره منذ طفولتهن.
ترث الفتاة من أمّها أخلاق البؤس والإرتهان للذكر منذ نعومة أظافرها، وهي ترى والدتها تخضع لسيطرة الأب المعنوية والجسدي، تضرب وتهان فتصمت خوفا من الطلاق والعودة خائبة إلى بيت أهلها. والضرب مشروع لإعادتها إلى جادّة الصواب إن كانت مخطئة، وإن كانت مظلومة لا يهمّ، فالمحافظة على مؤسسة الزواج يضاهي المحافظة على قيمة الحياة. لا مكان للمطلقة في المجتمع الذكوري، فسرعان ما توصم بالعهر وتصبح حركتها مراقبة وتلاحق بالشكّ والريبة دائما.
تنشأ الفتاة وهي تستبطن أن أخاها أفضل منها وهو أكثر أهلية للحرية. فهي نشأت على هذا وهي تشاهد بأمّ عينها التفرقة بينها وبين أخيها الذكر، يأكل أفضل منها ويتصرف وفق أهوائه، يدخل ويخرج كما يشاء، وتعنف هي إن حدث ودخلت البيت متأخرة عن موعدها ولو بساعة واحدة. إنّها تفرقة جنسية وشرعية تحت تعلة أنّ الذكر لا يعيبه شيء وان حدث وأن فعلت ما يعيب، فلن يغفر لها المجتمع صنيعها إلا بموتها.
تبدأ الفتاة منذ بلوغها البحث عن الزوج، فهي قد تعلمت منذ طفولتها شؤون البيت وكانت هديّة أعياد ميلادها دمية تخيط لها الملابس وتحمّمها. لقد حدّدوا لها حلمها وطموحها أن تصبح صاحبة بيت وأمّا لأطفال كثيرين دون أن يكون طموحها الحقيقي الشهادة العلمية. وإن حدث وتحصلت عليها، يبقى الزواج حلم الكثيرات من الجامعيات ويتألمن إن لم يحدث الزواج المرتقب، فلقب عانس خطير ومؤذ جدّا لوجدان المرأة العربية.
وبما أني كاتب صحفي مهتم بالشأن التونسي،الإقليمي ،العربي والدولي،وبما أننا أيضا كتونسيين على مشارف استحقاقات انتخابية تشريعية ورئاسية تتنافس فيها المرأة كما الرجل وفق القانون الديمقراطي،فقد بلغني مؤخرا أن فتاة تونسية مقيمة بفرنساذ (مدينة ليون-ايمان الشريف أستاذة فرنسية مرشحة عن دائرة فرنسا 2 تدرس مرحلة ثالثة آداب فرنسية-مرشحة عن قائمة مستقلة إسمها-جاليتنا-) ترشحت للإنتخابات التشريعية القادمة على مهل بتونس،إلا أن المجتمع الذكوري هناك وبمجرد سماعه لترشحها تحرّك بكل عنجهية واستعلاء مقيت ورفض هذا الترشح..مجتمع ذكوري يغفل حق المرأة ويهضمها، مجتمع لا يعترف بقدرات النساء ومواهبهن في إحداث تغير اقتصادي، وثقافي، وفكري.رغم تعايشه مع الغرب"الديمقراطي"وأقصد هنا بالخصوص الجالية التونسشية بالخارج أو على الأقل جزءا منها..ولكني أرى أن المرأة وحدها صاحبة فكرة إضفاء الصفة الذكورية على المجتمع، فمنذ معرفتها بأن الساكن بين أحشائها ذكر تنتشي كقائد حربي حقق نصرا عظيما وربما تسبق دعوات التمني بأن يكون القادم ذكرا الحقيقة ذاتها. منذ ولادتها تشبع الطفل بالتميز والأفضلية عن أخواته الفتيات كونه ذكرا وتغذي فيه التمييز منذ الصغر فينشأ الصغير على أنه مختلف عن النساء ويعلوهن درجة وربما درجات، وليتها تغذي رجولته وشهامته بدلا من “عنترية” مصنوعة من ورق، طوال عمر الذكر في المجتمعات العربية تنمي الأم فكرة “لا تفعل فأنت رجل”، تصنعه ثم تشكو من تأسده..!!
لا أرى وجودا لذلك المجتمع الذكوري إلا في مخيلة بعض النساء، اللاتي رضين بنصف الحقوق وكل الواجبات عن قناعة بأنهن الجانب الأضعف وأن الرجل هو صاحب النصيب الأكبر من كل شيء، أراهن حاربن طواحين الهواء في معركة صنعن أطرافها.
ولكن..
يزخر التاريخ بنساء أهلن التراب على الصورة النمطية المحفورة عن المجتمع التمييزي ورسمن صورة أكثر إشراقا بألوان مختلفة بعيدا عن اللون الواحد،وعزفن لحنا مختلفا عن نشاز الأصوات الكريهة.على غرار الفتاة الجاسرة والمتألقة تونسيا وغربيا ايمان الشريف التي قالت لي حرفيا عبر مكالمة هاتفية أجريتها معها حول دور المرأة في الإنتقال الديمقراطي بالبلدان العربية سيما تلك التي نال منها التخلف في نخاع العظم:" يجب أن تبدأ التهيئة لقيادة واعدة وصحيحة للمرأة بالتنشئة السياسية داخل الأسرة وفي مؤسسات التنشئة السياسية. مطلوب تعديل التشريعات العربية بإسقاط جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والعمل على إدماج الاتفاقيات الدولية التي تزيل كافة أشكال التمييز ضد المرأة ضمن التشريعات الوطنية. وعلى الرغم من توقيع كافة الدول العربية على أغلب الاتفاقيات الدولية الخاصة بإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة إلا أنها لم تدمجها حتى الآن ضمن تشريعاتها الوطنية. وما زالت مؤسسات المجتمع المدني الموجهة نحو المرأة في حاجة إلى مزيد من التنظيم حتى تؤدي إلى تراكم نوعي. فثمة حاجة إلى وضع الآليات التي تمكن المرأة من ممارسة الدور المنوط بها، وكذلك تفعيل هذا الدور. اذن لكي تنجح النساء في الوصول إلى المشاركة في السلطة والبناء الديمقراطي، تحتاج إلى إصلاحات واسعة كلية وليست جزئية. فالواقع في الدول العربية هو واقع أنظمة سياسية أكثر منه واقع مشاركة امرأة أم لا، والأنظمة السياسية اللاديموقراطية لن تسمح غالبا إلا بمشاركة النساء اللواتي تحظين برضا هذا الأنظمة. نحن بحاجة الى المؤسسات الحامية للديمقراطية وللمجتمع المدني والحريات والحقوق، فنشاط المجتمع المدني هو أيضاً أحد آليات التدريب السياسي للمرأة."..ثم أضافت:" أقر المؤتمر العالمي الرابع للمرأة منذ 14سنة (بجين1995) بضرورة مشاركة المرأة في عملية صنع القرار وتولي المناصب السياسية. والتزمت بذلك العديد من الدول. لكن ما زال وضع المرأة في المنطقة العربية مقارنة بباقي دول العالم أقل بكثير من إمكانية الوصول إلى المناصب القيادية السياسية والمشاركة في عملية صنع القرار، سواء من زاوية تمثيل المرأة في السلطات الرئيسية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وإذا أخذنا تمثيل المرأة في المجالس النيابية نجد أن نسبة تمثيلها في الدول العربية تعد من أدنى النسب على مستوى العالم، مع الأخذ في الاعتبار التفاوت فيما بين الدول العربية في هذا الصدد. بعض الدول لا تسمح بتولي النساء فيها مناصب قضائية، ودول أخرى لم تصل المرأة إلى منصب القضاء فيها إلا منذ فترة قريبة. كذلك أن عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب وزارية محدود للغاية، وتترك بعض الوزارات تحديدا لكي تشغلها النساء. ناهيك عن شبه انعدام وجودها في مناصب المحافظين وفي المناصب العسكرية والأمنية. لا أشك أن هناك جهود عديدة بعد مؤتمر بجين لمشاركة المرأة في صنع القرار، ولكنها ليست بالقدر المطلوب..وهناك مقاربة التنمية التي تركز على ضرورة تشبيك المرأة مع الرجل في المنظومة التنموية. هذه المقاربة ترى أن الهدف الأساسي للتنمية هو الاقتصاد، ومن ثم فإنها تنظر إلى المشاركة السياسية للمرأة والرجل على حد سواء من هذه الزاوية. ولكن في حدود مطلع التسعينات من القرن العشرين برز مفهوم التمثيل السياسي للمرأة، ثم في مطلع الألفية الثالثة برز مفهوم أنسنه التنمية، وهنا يتم التشديد على أن إنسانية الفرد توجب له المساواة بغض النظر عن النوع. أما مقاربة حقوق الإنسان فهي قائمة على إنسانية الفرد وحقه في التمتع بكافة الضمانات المنصوص عليها في الشرعة الدولية لحقوق الانسان."سألتها سؤالا مربكا ما العمل في ظل مجتمع ذكوري مازال يرى فيذجسد المرأة "عورة" فأجابتني بإبتسامة عريضة:"على المرأة إدراك هويتها النسوية والمواطنية السياسية في الوقت ذاته، وهو الأمر الذي يعني أن تنخرط في عمل مدني أو اجتماعي وفي عمل سياسي عام، وهذا يعني أن توجد التنظيمات والمؤسسات والكيانات التي تصبح بمثابة قنوات لمشاركة النساء في الحياة العامة، وأن تنظم النساء في هذا الإطار إلى جانب الرجال من أجل تغيير رؤية الرجل. ان تكاتف النساء بأعداد كبيرة -حتى النساء المغتربات- يعني التحول إلى قاعدة انتخابية عريضة ومؤثرة، وهو الأمر الذي يمكن من التغيير على مستوى التفكير وعلى مستوى الأداء في القاعدة، وعلى مستوى الأداء العام...بالإضافة الى أهمية الجمع بين نشاط المرأة على مستوى المجتمع المدني والنشاط السياسي سواء بالمشاركة في الأحزاب أو الاتحادات الطلابية أو النقابات أو الانتخابات تصويتاً وترشحاً, فانه من الضروري اهتمام المرأة بالشأن العام بالقدر نفسه الذي تعنى فيه بقضايا المرأة، فلا تحصر المرأة نفسها في الاهتمام بقضاياها، وفي الوقت نفسه لا تتنكر لهذه القضايا فهي في نهاية المطاف جزء من المجتمع و عليها أن تحدث تراكما نوعيا في أدائها المتنوع و المتعدد, بما في ذلك ضرورة دعمها في إنجاح حياتها الاسرية مما يدفعها للاستقرار و الابداع. إن استقلال المرأة في كافة أنواع العمل الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي كلها أعمال مهمة جداً ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمل السياسي وبالسلطة السياسية وبالقائمين على هذه السلطة،كل ذلك في ظل قضاء عادلا يحمي جميع الحقوق دون تمييز.."
ثم ختمت مكالمتها الهاتفية معي بالقول:"إن تفعيل المشاركة السياسية للمرأة تلزمه مشاركة مجتمعية شاملة لا جزئية، وتلك هي نقطة البداية في المقاربة لهذا الموضوع. ولكي نفهم على نحو جيد مفهوم المشاركة السياسية لابد أيضاً أن نشير، كما تشير عدة دراسات ومرجعيات تحليلية مختلفة، حيث يتطرق الحديث عن المشاركة السياسية للمرأة من خلال ثلاث مقاربات. مقاربة النوع الاجتماعي وإشكاليته الأساسية هي أن النساء هن الضحية الأولى للفقر والبطالة والأمية وضعف المشاركة السياسية على وجه العموم، وبالتالي لابد من تجاوز وتقليل الفجوة النوعية بين الرجل والمرأة.
وهناك مقاربة التنمية التي تركز على ضرورة تشبيك المرأة مع الرجل في المنظومة التنموية. هذه المقاربة ترى أن الهدف الأساسي للتنمية هو الاقتصاد، ومن ثم فإنها تنظر إلى المشاركة السياسية للمرأة والرجل على حد سواء من هذه الزاوية. ولكن في حدود مطلع التسعينات من القرن العشرين برز مفهوم التمثيل السياسي للمرأة، ثم في مطلع الألفية الثالثة برز مفهوم أنسنه التنمية، وهنا يتم التشديد على أن إنسانية الفرد توجب له المساواة بغض النظر عن النوع. أما مقاربة حقوق الإنسان فهي قائمة على إنسانية الفرد وحقه في التمتع بكافة الضمانات المنصوص عليها في الشرعة الدولية لحقوق الانسان..."
وختاماً، لا يمكن للمجتمع أن يحقق التنمية الشاملة وبناء مجتمع جديد إذا لم يكن للمرأة دور في صياغة القرارات المتعلقة بحياتها الخاصة والعامة، وإذا لم تأخذ حصتها من الأعمال المهنية والإدارية والاقتصادية، وإذا لم تشارك في مؤسسات السلطة في مختلف المستويات وفي مؤسسات صنع القرار،فتمكين المرأة بات يشكل التحدي الأهم لتحقيق التنمية على أساس المشاركة والفرص المتساوية.
قدّمت الثورة التي شهدتها تونس في 2011 أملا أكبر للنساء في المشاركة لا فقط في المجتمع المدني وانما كذلك في الحياة السياسية وذلك من خلال الانخراط سواء في الأحزاب السياسية أو في الانتخابات (المجلس الوطني التأسيسي في 2011، الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2014). فالمشاركة السياسية للمرأة ماهي الا مظهر من مظاهر ممارسة المواطنة الحقيقية وجزء أساسي من عملية الإصلاح السياسي. ولكن جاءت المشاركة السياسية للنساء أقل مما كان متوقعا ودون المتطلبات الدولية والوطنية، وذلك بالرغم من أن حقوقهن مدّعمة منذ 1956 تاريخ حصول الدولة التونسية على استقلالها. فالمرأة التونسية حاضرة في الثورة وفي المطالبة بالتحول الديمقراطي غائبة عن الساحة السياسية تمثيلا ومشاركة.
وبالرغم من أنه لطالما تم اعتبار النساء التونسيات من بين أولئك اللاتي يتمتعن بحقوق فردية واسعة مقارنة مع المرأة العربية بشكل عام غير أن الواقع أبرز ضعفا على مستوى فاعلية مشاركتهن السياسية. حيث لم يتحسّن وضع المرأة في إطار الانتقال الديمقراطي مقارنة بالفترة الاستبدادية التي تم فيها إجراء إصلاحات فوقية. والاشكال المطروح هو كيف يمكن زيادة المشاركة السياسية للمرأة خاصة في ظل وجود ديمقراطية حقيقية؟
إان وضعية المشاركة السياسية للمرأة هي مسألة حساسة رغم أنه تم حسمها على المستوى القانوني حيث اعتبرها الدستور من الحقوق الأساسية وتم تضمين مبدأ المساواة للنساء صلب القانون الانتخابي. لكن بقي تنفيذ هذه الحقوق على المحك.
تبعا لما تقدم يمكن القول بأنه لا وجود لإرادة حقيقية من الأحزاب السياسية وأصحاب القرار السياسيين في تمكين النساء من الارتقاء إلى مناصب سياسية لها سلطة القرار وأنه غالبا ما يتم استبعاد النساء من بعض الأنشطة أولا يقع إعلامهن بها.كما تواجه النساء صعوبات لتمويل ترشحاتهن ووجود ممارسات تمييزية من قبل الأحزاب في تمويل أنشطة الحملة الانتخابية. زد عليه الترشيح الضعيف للنساء من قبل الأحزاب السياسية للانتخابات والمراهنة على المرشحين الذكور كرؤوس قائمات. لكن مع هذا الواقع ألا متناسق مع ما يتم ترويجه اعلاميا عن المشاركة السياسية للمرأة فانه يمكن تدارك ما سبق وتعزيز المشاركة النسوية في الحياة السياسية التونسية.
قبعتي.. أستاذة ايمان الشريف..لن نتركك وحيدة في عين العاصفة وأقلامنا جاهزة للإنتصار إليك والدفاع عنك ومن ثم التمترس خلف خط الدفاع الأول:المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة الرجل..