أزمة الأخلاق في المجتمعات الذكورية وعذرية المرأة (1-3)


أحمد سناده
2019 / 7 / 12

- مقدمة أولى
نحن بحيوانيتنا، ننزع إلى إشباع غرائزنا وتلبية رغباتنا، ولكننا بعقلانيتنا، نجنح إلى تقييم أفعالنا ومحاسبة أنفسنا، كيف سنحقق/حققنا ذلك الإشباع؟ وكيف سنلبي/لبينا رغباتنا تلك؟ فنحن كائنات ذات ملكات جعلت منها كائنات أخلاقية. لذا دائماً ما تجدنا نصنف الأفعال، والسلوكيات، والأقوال، ونقيمها؛ فذلك خير وذلك شر، وهذا جميل أو حسن وغيره قبيح أو مستنكر.
قد تختلف معايير تقييمنا للفعل، وقد تختلف منصات انطلاقاتنا في الحكم عليه، ولكن الأخلاق مطلقة في وجودها من حيث هي في ذاتها، ومن حيث المفهوم العام والتعريف، والنسبية في مجرد التطبيق والممارسة حسب سياق تجلياتها وتفاعلاتها مع الأنساق المعرفية والثقافية.

- مقدمة ثانية
المجتمعات العربية هي مجتمعات ذكورية، بطرياركية ومحافظة بطبيعتها، وبضرورة السياقات التاريخية، وهذا ما يجعلها مجتمعات تخاف الحرية و تهابها، وتهتم بالمظاهر ومراقبة الآخر وفرض الوصاية على الآخرين.
أيضاً وعلى صعيد آخر فإن الثقافة الكهنوتية المتفشية وتجليات الفهم القاصر لغايات الدين ونصوصه، يجعلها بيئة خصبة لممارسة النفاق الاجتماعي، ولذلك نجد أغلبها مجتمعات منغلقة، فاسدة في باطنها، طهرانية في ظاهرها، يمارس فيها الفرد الوصاية على غيره، إمعاناً منه في إثبات طهرانيته للمجتمع، وإن كان فاسداً ونجساً في جوهره.
ولأن هذه المجتمعات بطبيعتها الذكورية تجعل المركزية للرجل - فهو المسيطر وصاحب الكلمة والقرار - نجد أن الرجل في هذه المجتمعات هو صاحب المرجعية في تحديد القيم والأخلاق، محتكراً صناعة الأخلاق، ونجد أن المثالي منها يخصصه للمرأة فقط دون غيرها !
فمثلاً؛ وبخلاف الرجل، يجب على المرأة أن تكون عذراء اللسان وعذراء الجسد، لا يحق لها أن تمارس الجنس، ولا أن تتحدث عنه، ولا أن تكتب عنه، لا يحق لها أن تطلبه، ولا حتى يحق لها الاحتفاظ بعضوها كاملاً لممارسته والاستمتاع به لاحقاً. وإن فعلت هي شيئاً من ذلك تكون قد جلبت العار لأهلها وعشيرتها؛ إذ خرجت عن السياق الذي حدده لها الرجل، فهي ليست مستقلة مثله ولا تملك قرارها، بل هكذا يريدها الرجل، وهكذا يجب أن تنصاع هي.
بينما للرجل حق الممارسة الجنسية، والتحدث عن الجنس بحثاً أو حتى سفاهةً، مع من يشاء وقتما يشاء، دون أن تتعدى نتائج أفعاله نفسه، فلا عار ليجلبه لأهله ولا شرف ينتهكه بأفعاله طالما أن نساؤه حافظن على شرفهن. وإن فعل فعلاً جنسياً فما ذلك إلا (طيش شباب)، حتى يبلغ سن الرشد وينضج ويتوب (والتوبة هنا بمعناها المجازي لا الاصطلاحي الفقهي)!.
وبغض النظر عن كيفية وصوله إلى تلك الغاية، أو ما هو أسلوبه الذي اتبعه في تحقيق ذلك، تبقى المرأة هي الملومة دائماً وأبداً على ممارسة الرجال للجنس، حتى وإن كانت هذه الممارسة اغتصاباً.
بل هي المسئول الأول والأخير أيضاً في كل ممارسة جنسية تحدث على سطح الكوكب، حتى وإن كانت استمناءً لا تتجاوز يد فاعلها، خياله المريض، وكثيراً من الرغوة. فهي التي بأنوثتها ومفاتنها ومحاسنها، وجمالها وكمالها اقتحمت خياله، وغلقت الأبواب أن هيت له، فقُد قميصه من قبل.

- عذرية المرأة وتناقضات العقل الجمعي الذكوري
إن طبيعة تكوين المرأة الجسدية، لا تدع لها مجالاً لأن تداري طيشها إن هي أرادت طيشاً، ولا أن تهرب من عواقب ممارسة حدثت لها حتى وإن كانت اغتصاباً أو تغريراً، ولا مناص من أن تُكشف لاحقاً وتعاقب وإن تابت بدورها وأنابت! فتصبح بذلك جالبةً للعار، عاهرة، ساقطة، تافهة، سافلة، خائنة، منحلة... الخ. وبغض النظر عن الظروف التي جعلتها تفعل ذلك، فهي تظل كذلك وأكثر.
بينما لا يتعدى ذلك الذي فعل فعلته معها سوى أن يكون فحلاً طائشاً، أو معذوراً، إذ أثارته مفاتنها وسلبت لبه وأغوته، حتى وإن كانت مكممة بذلك اللباس الأسود القبيح الذي لا يظهر إلا سواد أعينها! فهي أيضاً المذنبة إذ لا مبرر لخروجها من منزلها في المقام الأول.
ولو شاءت طبيعة الرجل الجسدية أن يكون هو صاحب بكارة أيضاً، لكان فضها في مثل مجتمعاتنا هذه مظهراً من مظاهر الشرف والفحولة، بل لكانت تقليداً وعيداً، وأحد مشاهد التفاخر والفرح، تماماً كما كان فضها للمرأة مهرجاناً يشهده أقارب العروس والعريس في بعض المجتمعات حتى وقت قريب.
وبذلك نجد أن المرأة هي المتهم الأول والمدان أخلاقياً في المجتمع، حتى تثبت براءتها، لتعيش بذلك في بيئة مهووسة بغشاء بكارتها، وبأسلوب كلامها وجلوسها وضحكتها ولباسها وكل تفاصيل حياتها التي صاغها لها الرجل مسبقاً. فهي محط أنظار ومراقبة الجميع. لتعاني بذلك من ضغوطات نفسية هائلة، حيث أنها بين مطرقة فضولها وحاجتها الجنسيين وسندان ذلك المجتمع الذي ينظر إليها مكشراً عن أنيابه لينالها وليمة جنسية شهية، وسائغة. بيد أنه وفي نفس الوقت يمارس الضغط الأخلاقي عليها لتحفظ نفسها منه، وهذا تناقض لا يمكن إلا أن يكون تناقضاً مضحكاً مبكياً وللأسف!

- العذرية وتشوهات الوعي الجنسي
بلا شك فإن وسائل اكتساب المعرفة اختلفت في زمننا هذا، فقد أتيحت مصادر معرفية لا حصر لها، واتسعت نوافذ وعينا لإدراك الأشياء، وكما أن هذه المصادر منها الموثوق، منها أيضاً تلك المصادر التي تبث وعياً مشوهاً، والوعي الجنسي هو أحدها، خصوصاً بعدما أصبح الجنس سلعة تُسوق للمستهلك حسب جدلية العرض والطلب.
قد فرغت مؤسسات التسويق الجنسي الجنس من معناه العميق، وجعلت منه مجرد ممارسة مادية ميكانيكية وتبادل سوائل، يخلو من المشاعر، ويصور المرأة في أغلب حالاته كأداة جنسية يمتلكها الرجل، في ممارسة غايتها الجنس من أجل الجنس. لا مودة فيها ولا رحمة، ولا علاقة تكاملية يكون الجنس فيها أرقى مراحل التواصل.
كل تلك الظروف تجعل من بيئة المراهقين بيئة خصبة لممارسة الجنس، بل تجعل الجنس تجربة لابد من أن يخوضها المراهق بكل تفاصيلها، بل غاية كل واحد، تلبية لحاجته الجنسية الغريزية، وتفريغاً لذلك الكبت الناتج عن تلك التراكمات غير الموثوقة المصدر.
المرأة في ظل كل هذه الظروف هي التي يجب عليها حفظ نفسها، وفي ظل كل هذه التراكمات، والمشاهد، والسيناريوهات، والإيحاءات الجنسية التي تبث وتتداول وتتعرض لها، بل ويبثها المجتمع نفسه متحرشاً بالمرأة أو غير ذلك، نجد أنها محرم عليها حتى الاعتراض أو التحدث عن مشاكلها الجنسية، أو التحدث عن رغباتها أو حتى تلبيتها بأحد وسائل تلبية الحاجة الجنسية أو السبل التي يتبعها الرجل.
ونحن بذلك نحمل المرأة ما تنوء به العصبة من الرجال، بل ونضعها تحت طائلة ضغط نفسي واجتماعي هائل، قد يؤدي إلى حدوث نتائج عكسية أحياناً (وفي ذلك نكتب بشيءٍ من التفصيل لاحقاً).