أزمة الأخلاق في المجتمعات الذكورية وعذرية المرأة (2-3)


أحمد سناده
2019 / 7 / 12

- مقدمة
” ليس أحقر من احترام مبني على الخوف “ألبير كامو
” انه من الحكمة إقناع الناس أن تفعل أشياء وجعلهم يعتقدون أنها كانت فكرتهم الخاصة “نيلسون مانديلا

- شرف المرأة، وتشييء العزيمة
دعنا نتفق أولاً أن اختزال شرف المرأة وأخلاقها في مجرد غشاء قد يحدث ألا تولد به، أو قد يحدث أن تفقده لمجرد فضول طفولي، أو إصابة غير متعمدة؛ لهو إجحاف في حقها، واحتقار لكينونتها، وتحميلها ما لا طاقة لها به. وأن ربط نتائج أفعال المرأة بالرجال يلغي وجودها و يجعل التزامها الأخلاقي مقتصراً على وجودهم فقط، لا لاقتناعها بالأخلاق من حيث هي قيم في ذاتها، وفي هذا تعليق للعزيمة بعلة ما، متى ما زالت تلك العلة زالت العزيمة أو فلنقل قلت بالضرورة.
بالتأكيد فإن حجم الأهمية التي فرضها المجتمع لغشاء البكارة نتيجة تراكمات الوعي الذكوري على مر التاريخ، والهوس الغير مبرر به وبمتعلقاته الأخلاقية، وملاحقة الفتيات في طفولتهن ومراقبتهن المستمرة، تجعل الفتاة تعيش حالة من الخوف والقلق الدائمين، فهي مراقبة في كل فعل تفعله، ومحاسبة بوعي غير وعيها، وقوانين فرضها الرجل، ملزمة هي بإتباعها، لا لضرورة تفرضها القوانين بذاتها، ولكن لأن هذا ما يريده الرجل، و عليها الخضوع.
بلا شك فإن تشييء العزيمة أو الإرادة وتعليقها بعلة، يؤدي إلى عدم اقتناع صاحب العزيمة بما عزم عليه، فيفعله على مضض، ومجبرٌ أخاك لا بطل، فالغاية ليست الأمر المعزوم عليه، إنما اجتناب ما يترتب عليه !
فمثلاً؛ زجر طفل على فعلٍ ما، ونهيه عنه لمجرد أنه سيعاقب عليه، فعله متى ما أمن العقاب، ومع استمرار ذلك، يكبر مع الطفل تمرده، ويكبر معه خوفه من العقاب لا اقتناعه بالالتزام الأخلاقي من أجل الأخلاق، وأخيراً يكون ضميره مفارقاً له، لا نابعاً عنه، وبذلك تكبر معه لا مبالاته بتقييم أفعاله أخلاقياً، فطالما قام الآخرون عنه بذلك.
وعلى ذلك قس بالنسبة لموضوع الشرف والعفة وربطهما بغشاء البكارة، بل اختزال مجمل الأخلاق والالتزام بها بغشاء البكارة وبالحفاظ عليه (حتى حين !).

- هوس العذرية واغتصاب المرأة
لا يخفى علينا أن المرأة هي المحاسبة دائماً، والملومة على كل ممارسة تحدث بين رجل وامرأة، كما ذكرت ذلك في المقال السابق، حتى أنه قد يحدث في بعضل المجتمعات أن تُحاسب المرأة المغتصبة على اغتصابها، فهي من أتاح له الفرصة، أو هي من خرجت سافرة فجذبت انتباهه، أو هي فقط خرجت ! ( إذ سيستميت الرجل ليدافع عن نفسه وعن بني جنسه، معتمداً على الامتيازات التي نالها، فيرمي المرأة بدائه وينسل).
لكنني هنا بصدد الإشارة إلى موضوع أكثر أهمية، وهو أن المرأة المغتصبة نفسها، وإن لم تعاقب أو تحاسب، فإنها تُعامل باحتقار! ويُنظر إليها بنظرة الاشمئزاز، فهي وإن اغتصبت إلا أنها فقدت عذريتها وشرفها. كيف لا وقد ارتبط في عقلنا الجمعي شرف المرأة وأخلاقها بغشاء بكارتها؟. وهكذا اختزلنا وجودها في غشاء بكارتها، الذي إن فقدته -وبغض النظر عن كيف فقدته-، فإنها بذلك فقدت وجودها، واحترامنا لها؟ هكذا نفعل وإن كنا نفعله عن غير قصد!. فهذا ما رسخ في لا وعينا للأسف.
ولا ننسى ما تعانيه هي نفسها، بعد أن رسخ في عقلها أنها فقدت أغلى ما تملك!، فقدت وجودها، وهويتها التي فرضها عليها الرجل، ففقدت بذلك تذكرة دخولها عالم العفة، وفقدت احترام الرجال واهتمامهم، وفوق ذلك، فإن عليها أن تتعايش مع حقيقة أنها لوثت شرف العائلة وجلبت العار لهم.
والاغتصاب هنا عزيزي القارئ، لا أقصد به النظرة الضيقة، والمحصورة في المشهد الذي يراه القارئ بمجرد سماعه هذه الكلمة. فالاغتصاب هو كل ممارسة جنسية تمارس مع شخص دون موافقته سواءً كان بالإكراه، بالعنف، بالخداع، أو بالاحتيال وإساءة استخدام السلطة.

- أسباب ليس مبررات
قد تكون هنالك أسباب كما ذكرت سابقاً قد تسوق المرأة إلى ممارسة الجنس إما بوعي منها أو دون وعي. فقد تؤدي بها الضغوطات النفسية المتراكمة على مدى زمن طويل إذا ما اجتمعت مع ظروف خارجية أخرى إلى أن تمارس الجنس هرباً من شيءٍ ما، أو تمرداً على الرجل المتسلط، أو انتقاماً منه كرد فعل على فعل معين، فطالما ارتبط وجودها به، ولطالما ارتبطت أخلاقها بوجوده ولطالما حددها لها، ولذلك فبالتأكيد فلا صفعة للرجل أقوى وأوجع من أن تضاجع رجلاً آخر فتمسه في شرفه وتنتقم منه بذلك.
أو قد تمارسه في المراهقة فضولاً أو طيشاً أو انخداعاً وانسياقاً، أو لأسباب تراكمية أخرى، خصوصاً في ظل مصادر الوعي المشوه وتراكماته، واتساع نوافذ الحصول على المعارف والمعلومات الخاطئة والمشوهة.
كل ما سبق هي أسباب تؤدي إلى اتجاه المرأة إلى الجنس، بعضها يدخل في نطاق الاغتصاب، والآخر في باب الحالة النفسية وتجلياتها. هي ليست مبررات* تمارس بها المرأة عن سبق الإصرار والترصد، لكنها إن حدث ومارست لإحداها دون وعي منها فإنه يشفع لها، أو هذا ما يجب أن يحدث بضرورة القياس، فأنا هنا لست بصدد نقد العفة في ذاتها، ولست بصدد محاربه الطهارة المجتمعية، ولكنها مستحيلة التحقيق بما أن النقص أحد الصفات البشرية، وبما أن الخطأ وارد من الطرفين. فكما أن الرجل يطيش ويخطئ، فإنها تطيش وتخطئ، وكما أن الرجل يشتهي ويرغب، هي تشتهي وترغب، وكما أننا نغفر للرجل، فلنغفر للمرأة.
ولتكن الدعوة إلى العفة بإقناع المتلقي بالعفة في ذاتها، فلا يجبر عليها ولا يُبالغ في عقابه، وألا تعلق عزيمته على زائل، ولا أن يكون هذا الزائل هو المحفز والعلة للالتزام بها. ولتكن شعارات الدعوة إلى العفة هي المساواة بين الرجل والمرأة، لا بإقصاء المرأة ولا بتفضيل الرجل عليها وتتبيعها له، ولا باختزال عفتها في بكارتها، فقد يعف الرجل دون بكارة وكذلك المرأة. وأخيراً؛ فلننظر للمرأة كما ينبغي أن تكونه لا كما نريدها نحن أن تكون.


* حسب فلسفتي الخاصة، يقتضي الاتساق أن ينطبق على الرجل ما ينطبق على المرأة في موضوع الأخلاق، وينبغي ألا تكون العذرية أو العفة في دلالاتها الجسدية سمة مقتصرة على أحدهم دون الآخر، وفي هذا قد نكتب بشيء من التفصيل في مقال منفصل عن هذه السلسلة.