العنف ضد الأنثى في المغرب والحاجة لإجراءات استباقية



يامنة كريمي
2019 / 7 / 29

العنف ضد الأنثى والحاجة لإجراءات استباقية
يامنة كريمي
تزايدت جرائم العنف ضد الأنثى في السنوات الأخيرة بالمغرب. كما تكاثرت أنواعها واشتدت حدتها. فقد تجاوز العنف ضد الأنثى، المضايقات والتحقير والشيطنة والشتم والقدف والتحرش والعزل والضرب والجرح والاغتصاب والاتجار، ليصل إلى حد التشويه الجسدي وإلحاق الإعاقة والقتل أو الدفع للهجرة او الانحراف أو الانتحار. ومما يزيد من هول هذه الكارثة الإنسانية هي أن هذا العنف يكون مرفقا بالتشهير، سواء من طرف الجناة الذين يوثقون لجرائمهم ويوزعونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو من طرف معظم وسائل الإعلام التي تتهافت على جرائم العنف ضد الأنثى أو الفضائح الجنسية. والسبب أنها بضاعة رائجة بشكل منقطع النظير في المجتمع المغربي الأبوي. ومما يزيد من الإقبال عليها، كون مروجيها يجعلونها تستجيب لكل معايير ماركوتين التشهير والإثارة من خلال طبيعة العناوين، مع غض البصر عن الطرف الآخر.
وكثيرا ما تتفاعل مجموعة من جمعيات المجتمع المدني، باستثناء السلفية المتطرفة، وأطراف حقوقية أخرى مع السيل العارم للجرائم بسبب التمييز الجنسي، من خلال تنظيم تظاهرات واحتجاجات مطالبين ب:
-عدم الإفلات من العقاب وتوقيف حمى العنف والكراهية ضد الأنثى التي يعرفها المغرب في السنوات الأخيرة.
-المطالبة بضرورة استجلاء الأسباب وتحديد المسؤوليات فيما تتعرض له الأنثى الشعبية من جرائم مرفوقة بالتشهير والشيطنة.
وقبل الخوض في مناقشة أسباب توالي جرائم القتل في حق الأنثى، ومن باب الدقة في الطرح، لا بد من الإشارة إلى وجود بعض المجهودات من طرف فئة من السياسيين والمسؤولين وجمعيات المجتمع المدني .... إضافة إلى ما تقوم به بعض المنابر الإعلامية الملتزمة والقنوات التلفزيونية والإذاعية من مجهودات على مستوى التوعية بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ...
لكن تبقى تلك المجهودات مجرد مبادرات متفرقة لا ترقى إلى مستوى مشروع عمومي. والدليل هو أن المشكل قائم دائما والكارثة أنه يتزايد يوما بعد يوم. ومع التزايد الحاص يظهر جليا ذلك التناقض بين ما تعلن عنه السلطات المغربية من إنجازات سوسيو-اقتصادية وحقوقية وثقافية-دينية وأمنية وقضائية، وبين ما تعاني منه الأنثى الشعبية من كراهية وحكرة إلى درجة أن الطبقة الشعبية أصبحت تنام وتستيقظ يوميا، على جرائم تعنيف الأنثى وقتلها على الرغم من أن عملية الزجر وخاصة السجن حاضر وبشكل مكثف.
فكلنا نعرف أن السجون المغربية مملوءة على آخرها لكن دلك لم يسفر عن أي تغيير أو إصلاح. بل الأدهى من دلك أن معظم من يغادرون السجون يعودون إليها بعد ارتكاب جرائم أفظع من الأول لقساوة ظروف العيش. ومن شدة الإحباط وفقدان الأمل في الحياة لذى الطبقات الشعبية المغربية التي لم تنفع معها لا عمليات انتحار المغاربة ولا "الحريك" ولا الحريق ولا...، أصبح السجن بالنسبة لهم بمثابة بيتهم الثاني. وهذا ما يفسر عبارة كثيرا ما نسمعها في الأحياء الشعبية، "تندور على شي مونتف بش ندخل للحبس". وهي شهادة تقطع الشك باليقين على أن السجن كأداة عقاب أو زجر لم يعد مجديا أو على الأقل بمفرده. خاصة وأن المغرب وصل إلى مرحلة متقدمة في الاجرام المرتبط بالتمييز الجنسي.
وإذا كانت محدودية العقاب بالسجن في إيقاف العنف ضد الأنثى ثابتة، فمن باب الحتم واللزوم أن طلب عدم الإفلات من العقاب لا يجب أن ينحصر في مفهوم العقوبة السجنية بل يجب اللجوء إلى آليات وإجراءات دقيقة وملموسة تقوم من جهة على أساس ربط المسؤولية بالمحاسبة ومن جهة أخرى على مبدأ الوقاية أفضل من العلاج.
والغاية هي ألا ننتظر أن تكون هناك جريمة ضد الأنثى حتى يتحرك المسؤولون. بل الصواب هو أن يكون تدخل الجهات المعنية دائما ومستمرا حتى تتمكن تلك الأخيرة من اتخاذ كل الإجراءات الاستباقية من أجل الوقاية من وقوع الجريمة والضرر بمختلف أشكاله ومستوياته. ولتحقيق ذلك لا بد من الشروط التالية:
1) ضرورة توفر الإرادة السياسية الجادة في مسألة القضاء على جميع أشكال التمييز في حق الأنثى وما يترتب عن ذلك من جرائم.
وتبدأ تلك الإرادة من الجرأة في الإعلان عن الأسباب الحقيقية للعنف ضد الأنثى والتي تثبت كل الدراسات والأبحاث والوثائق التاريخية أن ظهورها بدأ مع انتشار الفكر الوهابي-التيمي بالمغرب. وهو فكر إجرامي اتجاه الأنثى وليس له أي سند لا في النص القرآني، إذا ما فهم في سياقاته، ولا في السنة النبوية.
وذلك الفكر المتطرف قد وجد أرضية مواتية لانتشاره وتمكنه من عقلية الطبقات الشعب. تلك الأرضية التي تتمثل في ارتفاع هوة الفوارق الاجتماعية التي يعرفها المغرب والتي تجعل أقلية تعيش حياة الثراء والبذخ تتجاوز كل التصورات وباقي الشعب يعيش الفقر والتجهيل والإقصاء والظلم والاستغلال...(20 درهما...) ناهيك عن انتشار ظاهرة المخدرات كتجارة واستهلاك.
2) الإسراع بالقطع مع كل الأسباب التي أنتجت وتنتج لنا فكرا معاديا للأنثى ورافضا للإقرار بحقوقها وحرياتها. لأنه لا يعقل أن يكون في الدستور المغربي تنصيص على المساواة في الحقوق والواجبات دون أي تمييز والسلطات تسمح لأشخاص وتيارات بتنشئة وتأطير المواطنين على فكر مستوردة لا يحترم مبادئ الإنسانية وينتج التمييز والعنف ويتسبب في تعطيل كل ما هو عقلاني ومنطقي وواقعي لتكريس الجهل والخرافة والعنف وكراهية الآخر وخاصة الأنثى و"على عينك يا بن عدي". إنها باختصار جريمة ومن يسكت عنها طرف منها.
وأول إجراءات القطع هي الضرب علي يد كل من يرسل أو يتلقى خطابات التمييز والعنف ضد الأنثى. سواء تعلق الأمر بالدعاة وزعماء التيارات والأحزاب والتنظيمات الوهابية، أو تلك الفئة من الفقهاء والأئمة التي عينها الأولى على كرسي وزارة الأوقاف والعين الأخرى تلاحق بريق البترودولار. إضافة إلى شريحة واسعة من رجال ورجلات التعليم ومعهم كل من ينخرط في التربية والتأطير والتنشئة الاجتماعية الذين يتحينون الفرص لتمرير خطاب الكراهية ضد الأنثى من الموقع الذي يشغلونه.
3) التفعيل المعقول لأوراش إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية وتكافئ الفرص في كل مناحي الحياة. فحتى إن كان الفقر والتهميش والجهل والأمية لم يتسببوا في انتشار العنف والكراهية ضد الأنثى في المغرب سابقا، فحاليا ولحضور مجموعة من المعطيات مثل سرعة انتشار المعلومة "مابقاتش الغفلة" إضافة إلى اتساع ظاهرة استهلاك المخدرات والمتاجرة فيها، أصبح وضع الطبقات الشعبية مشتلا لاستنبات كل أشكال التطرف والعنف والتي تكون الأنثى أول ضحاياها
4) تكثيف أنشطة التوعية والتنشئة على المساواة والتسامح. وتأطير الشباب وملأ فراغه حماية له من السقوط في مأزق التعاطي والمتاجرة في المخدرات والارتماء بين أحضان المتطرفين تحت تأثير مجموعة من الإغراءات سواء الآنية منها "أموال ومساعدات اجتماعية..." أو البعدية (الجنة وحور العين وأنهار الخمر ...) حتى إن كان المفهوم محرفا.
وهذه المهام هي من مسؤوليات السلطات الوصية ومسؤولية الأحزاب وجمعيات وهيئات المجتمع المدني الحاملين للفكر الوسطي ولقيم المساواة والتسامح. إضافة إلى المدرسة والأسرة ودور الشباب والأنشطة الفنية والرياضية... والصحافة.
5) محاولة تعديل العقوبة السجنية أو الحبس والتعذيب لصالح غرامات مالية تستثمر في تحسين أوضاع الفئات الهشة. ومن لم يستطع أداء الغرامة المالية يكلف بخدمات اجتماعية تعود بالنفع على البلد وحتى على الشخص موضوع العقوبة مع الحد من حرية الجاني. أما السجن بالمعنى المعروف فيجب أن يكون آخر خطوة في سلسلة الردع والزجر.






.