وهم الشرف



ادم عيد
2019 / 8 / 4

ذهبت صديقتي ليلى (اسم مستعار) بعد حفل زفافها منذ خمس وثلاثين عاماً إلى بيت زوجها دون أن تعرف شيئاً عن الجنس، كلّ ما كانت تظنّه أنها ستدخل بيتها، تخلع ثوب زفافها الأبيض الجميل وحدها، وترتدي ملابس العروس الجميلة، ثمّ تنام بجانب زوجها، وهو سيقبّلها ويضمّها إليه فقط، ولأنها كانت تعيش عند أم جبّارة في قسوتها وخوفها على ابنتها، لم تعطها الفرصة لتعيش كباقي الفتيات ولا امتلكت الجرأة لتخبرها، فأرسلت ابنتها ذات الستة عشر عاماً إلى زوجٍ لتتفاجأ بمصيرٍ يُشبه تماماً مصير أمها.

لحسن حظِّ ليلى أن زوجها نبيل كان لطيفاً وعطوفاً بالطفلة التي أمامه، لكنه عندما مارس الجنس معها للمرّة الأولى لم تخرج دماء غشاء البكارة، ولم يجد شيئاً ليمسحه بقطعة القماش التي كانت تُسمى السترة، والتي يمكن لكل سائل عن فحولة الزوج وأخلاق زوجته أن يخرس عندما يرى هذه (السترة).

لم تفهم صديقتي ليلى أسئلة زوجها، ولم تعرف معنى البكارة، ولا لماذا لم تنزف الدم عندما حاول فضَّ بكارتها، كانت فقط تبكي، وهو رأى أمامه طفلة شبه واثق من براءتها، لكن كيف يتأكّد دون أن يجرحها؟ كيف يطمئن قلبه بأنه لم يتزوّج من فتاةٍ ضاجعت أحداً قبله؟ أو ربما تعرّضت للاغتصاب؟ كيف يواجه عائلته وأمه التي تنتظر أن يلوّح لها بالسترة لتباهي بها أمام جاراتها؟!

غشاء البكارة الغربالي

عادت ليلى إلى أمها وأخبرتها بما حدث باكيةً، وقتها فقط أخبرتها امها أن في العائلة وراثة وهي غشاء البكارة الغربالي، وأنها هي أيضاً واجهت نفس الأزمة، فأخذت ابنتها وبحثتا عن الزوج، حيث لم يكن الهاتف الأرضي وقتذاك شائعاً في مدينتهما، وجدته في البيت وطلبت منه أن يذهب معهما إلى طبيب النساّ، فوافق فوراً، وأخبره الطبيب أن هناك عدّة أنواع لغشاء البكارة وأن زوجته تملك غشاء غرباليّاً لا ينزف الدماء حين يتمزّق، وأنها عذراء قطعاً، فارتاح قلبه وعاد الى بيته مع زوجته التي ظلّت طول عمرها تواجه نظرات الرفض والإهانة من حماتها التي لم ولن تصدّق "كذبة الطب هذه".

المطاطيّ، الدائريّ، الهلاليّ...

أما اخت ليلي فعانت من المشكلة ذاتها، لكن بغشاء بكارةٍ مختلفٍ، كانت أكبر من صديقتي ليلى، وكانت قد سمعت من صديقاتها في المدرسة عن الجنس وليالي الأزواج الساخنة التي لطالما أرعبتها وشوّقتها بنفس الوقت، وعندما حاول زوجها فضَّ بكارتها ومارس الجنس معها لم تنزف الدماء أيضاً، ولحسن حظِّها كان زوجها عارفاً بشؤون النساء وبأنواع غشاء البكارة، وكان واثقاً من عذريتها، لكنها لم ترغب في أن تسمع منه كلمةً في المستقبل أو أن تواجه نظرات عائلته كما حدث مع أختها، فذهبت معه الى طبيب النسا الذي أخبره أن لها غشاءً مطاطيّاً لن يتمزق إلّا بالولادة.

الدائري، الغربالي، المزدوج الفتحات، المصمت، الهلالي، الهدبي، كلّها أنواع من غشاء البكارة التي لم يسمع بها غالبية سكّان المدينة التي ولدت فيها صديقتي، لم يعرفوا ولم يريدوا أن يعرفوا إلّا الغشاء الذي يتمزّق وينزف الدم، وما يقع من ظلم على الفتيات اللواتي لهن غشاء بكارةٍ مختلفٍ فهي ليست قضيّتهم.

بالتأكيد اليوم تغيّر الوضع وغالبية النساء اللواتي يتزوجن يعرفن مسبقاً ما الذي سيحدث، ولا يوجد إلا القليلات، كصديقتي ليلى، اللواتي يذهبن إلى الزوج غير عارفات بأي شيء، لكن الأكيد أيضاً أن الكثير من هؤلاء النساء والرجال لا يعرفن ولا يعرفون عن أنواع غشاء البكارة، لأن العلم محصور بين الفئة التي تريد أن تعرف، أما في المجتمعات المحافظة، أو بين الناس الأميّين، لا وجود لأي معلومات حول هذا الموضوع إلّا القليل، ولا تعرف المرأة عن جسدها إلّا القليل، عدا عن أن الكثيرات أمضين حيواتهن مع أزواجٍ لم يعرفوا ما هي النشوة، ولا هي اللذّة الجنسيّة.

ترميم غشاء البكارة

اليوم هناك حلول "للعذريّة"، وهي أشدّ إهانة للمرأة من سؤالها وفحص عذريّتها، وهي عمليات ترميم غشاء البكارة المنتشرة جداً، أو غشاء البكارة الصيني الذي يمكن للمرأة استخدامه في ليلة زفافها، وإذ لم يكن الرجل خبيراً، لن يُدرك ببساطة أنه غشاء اصطناعي.

كنت مع صديقتي في القاهرة منذ عدّة أعوام عندما كانت تبحث عن طبيبٍ يُجري لها عملية ترميم غشاء البكارة، وقد عانت قليلاً إلى أن وجدت طبيب لديه موعد قريب، لأن غالبية الأطباء الذين يجرون هذا النوع من العمليات بشكل غير رسمي، كانت مواعيدهم محجوزة بالكامل، في بلدٍ يرغب غالبية رجاله ممارسة الجنس قبل الزواج، ثمّ الحصول على فتاة عذراء للزواج منها، عندها، لا حلّ أمام النساء إلّا هذا النوع من العمليات. بالطبع، هنالك استثناءات، خاصّة إذا كانت الفتاة قوية وتعرف ماذا تفعل وكيف تدافع عن نفسها أمام المسعورين والمتخلّفين.

لا يتزوج إلّا عذراء"

في العام 2016 أقامت إحدى المنظّمات ورشة عمل في القاهرة في أحد الفنادق، وأعطت رقماً مهولاً عن الخيانات الزوجيّة في مصر، عندها كانت النسبة 80 بالمئة، بغضِّ النظر عن الرقم إذا كان صحيحاً أو مبالغا فيه وما هي الآلية التي تمّت بها الإحصائية، إلا أن الجميع يعرف ماذا يحدث، وأن الكبت الجنسي والضغط الذي يقع على النساء، والتناقض الذين يعانين منه بسبب رغباتهن الإنسانيّة الطبيعيّة والنفاق الاجتماعي، والحيرة أمام رجل يرغب بممارسة الجنس معهن، لكن بنفس الوقت لا يتزوّج إلّا عذراء، لا يمكن أن يوصل إلّا لهذه النتائج، بالإضافة إلى الفقر والخلافات الزوجيّة وغيرها من الأسباب التي تؤدّي إلى الخيانة الزوجيّة، أو تقود الفتاة إلى ترميم غشاء بكارتها، كي تعود بعيون المجتمع وزوجها، "عذراء" و"غير مستعملة".

إنها مسؤولية مَنْ مَنَعَ العلم عن الناس وجوّعهم، مَنْ ساهم في نشر التخلّف إلى أن بقي الشرف في فَرْجِ المرأة، ومسؤوليّة الدين، ومسؤوليّة الجمعيات النسويّة اليوم، في التركيز أكثر على هذا النوع من القضايا ونشر الوعي حوله.