باريس التي أحب



هديل خزري
2019 / 8 / 20

اثر تحصلي على الإجازة الأساسية في القانون التي لا تمثل شيئا يذكر بالنسبة لأحلامي في رحاب المعرفة و البحث عن الثقافة منعت من إتمام دراساتي ألمعمقة بفرنسا لاسباب اجتماعية و أنثروبولجية لا ترضي عنجهية فتاة صعبة المراس و لا محدودة الطموح !!!

حينئذ إمتلئت بحقد كان فيما مضى شعوراً متناهي الغموض لمن كان يماثلني في الاحساس المفرط و الطبع الساذج ،لم يكن دافعي من الرغبة في زيارة هذا البلد الجميل و النهل من بحر العلوم في إحدى الجامعات الفرنسية إرضاء نرجسيتي و التبجح بكوني انتمي إلى طبقة إستطاعت بفضل مواردها المالية ارسالي إلى هناك للحصول شهادة عالية بمواصفات أوروبية أو على الأقل التمكن من زيارة المعالم السياحية التي أسمع عنها و لا أراها و ابتياع بعض الملابس الشتوية إن إستطاع إليها جيبي المعدوم سبيلاً ،

علاقتي بفرنسا تتجاوز تلك الميولات ألسطحية و الرغبات الدنيوية الدنيئة !!
السوربون بالنسبة لي لم تكن جامعة عريقة يتلاقى فيها الطلبة من مختلف الأجناس و الاعراق ليشاركوا تجاربهم و أفكارهم و للحصول على رصيد فكري مرموق يتمكنون بموجبه من تبوأ أعلى المراتب ببلدانهم : كنت أرى في هذا الصرح المتناهي العر ا قة و البالغ العتاقة محراب العالم الذي تنحر به افكارنا ا البالية و نتحرر بين أسواره من سلطان الوهم و الخرافة الذي إستو طننا منذ دهور لنصبح أكثر تحرراً و تمدناً حيث تصقل شرقيتنا و ترمم أرواحنا فنصير مزيجاً مدهشاً من الهوية العربية المتأصلة فينا منذ نعومة أظفارنا و من الحداثة و اللباقة اللتي اكتسبناها منذ اتقاننا للغة الفرنسية و إنفتاحنا على الأخر بمختلف أطيافه !!!

علاقتي بباريس التي ما وطئتها قدمي لكن سبق أن وطئتها روحي منذ أزمنة أزلية تتعدى تلك المعاني الهزيلة اللتي يختزلها البعض في العطر الفرنسي الراقي و الباهض الثمن و مساحيق التجميل اللتي يتجاوز ثمنها سقف ميزانيتي فتوهمت لرد ح من الزمن أني لا احتاجها ، مشاعري تجاه باريس تبتدئ من الجبن الفرنسي اللذيذ و الماكارون و البيض المطهو على الطريقة الفرنسية ( أملات ) لتشمل اديت بياف و شوبان و فرانسوا ز هاردي !!!!

عشقي لباريس لا يختصره حبي لعظماء التاريخ اللذين أتمنى أن أكونهم و توقي للحرية اللتي اتمثلها من خلال أطروحات مونتسكيو و كتابات بودلير و فيكتور هيغو !!

باريس هي جان دارك المتعطشة للحرية و ماري كوري المتأرجحة بين حبها لأستاذها و عشقها للمعرفة !!

باريس هي حبي للجمال و تطلعي لو ا قع خالي من الرداءة و مجرد من البشاعة !!!

مرت سنوات على تحصلي على شهادة الاجازة في القانون الخاص و اكتشفت أني لا أعشق باريس !! فرغبتي في حزم حقائبي و التحول إلى فرنسا هي رغبة تبطن الكثير من الفضول المعرفي و الرنو لا كتشاف الأخر ثقافة و فكراً !!!

عادة لا يجمعني بالمال روابط وطيدة و صلتي به تنحصر فيما يمكنني التحصل عليه من كماليات عبره ، علاقة تختزل في نظارات شمسية لأحد المصممين العالميين و الحصول على قدر لا بأس به من الشوكولاتة و القهوة ! لكني أدركت الآن أن رصيدي من الطموح يتجاوز بأضعاف رصيدي من المال !! الآن فقط أتمنى أن أكون ثرية جداً لأزور باريس اللتي أحب و لأتمكن من تغذية عقلي غذاءا يقيم أودي المعرفي !! إقامة هذا الأود المعرفي لا يقنعه زيارة باريس أو المرور بأكسفورد ، إقامة أودي المعرفي يتطلب أن أطلب العلم و لو كان في الصين !!!