بعد مرور 50 سنة على صدور مجلة الأحوال الشخصية: المساواة القانونية بين الجنسين مطلب بعيد المنال في ظل الدكتاتورية



حزب العمال التونسي
2006 / 10 / 1

مرت يوم 13 أوت الماضي 50 سنة على صدور مجلة الأحوال الشخصية. وعلى الرغم من أن هذه المجلة حافظت عند صدورها في عام 1956 على الطابع الأبوي للعائلة التونسية، أي على سلطة الزوج على الزوجة وعلى الأطفال، فإنها تضمنت عددا من البنود التي اعتبرت، مقارنة بمحيط تونس العربي والإسلامي وقتها (عدا تركيا الكمالية) ذات طابع "ثوري". وأهم هذه البنود على الإطلاق ذاك الذي يمنع تعدد الزوجات ويجرمه، دون أن ننسى بالطبع البنود التي تمنح المرأة حق اختيار زوجها وتحدد سن الزواج وتعطي الزوجة حق الطلاق أمام المحاكم على قدم المساواة مع الزوج.

ولم يكن إقرار هذه البنود التحررية مسقطا بمقتضى من بورقيبة، كما يروج لذلك البعض ليتخذ منه ذريعة للمطالبة بمراجعتها، بل كان تكريسا جزئيا، للتطور الاجتماعي الذي شهدته تونس الحديثة والذي جعل مصلحا مثل الطاهر الحداد، خريج جامعة الزيتونة، يطالب منذ 1930 أي قبل صدور مجلة الأحوال الشخصية بـ26 عاما، في كتابه الشهير "إمرأتنا في الشريعة والمجتمع"، لا بإلغاء تعدد الزوجات فحسب بل كذلك بالمساواة في الإرث، الأمر الذي لم يتحقق إلى اليوم، وباحترام حق النساء في التعليم والشغل إلخ...

وليس أدل على اندراج الإصلاحات الواردة في مجلة الأحوال الشخصية في سياق التطور الاجتماعي لتونس من أن هذه الإصلاحات لم تثرْ، عند إعلانها، ردود فعل اجتماعية وسياسية ذات بال، بل إنها سرعان ما أصبحت جزءا لا يتجزأ من الثقافة الاجتماعية لمعظم التونسيات والتونسيين وهو ما جعل مثلا، تيارات الإسلام السياسي التي ستبرز في السبعينات من القرن العشرين والتي ستسعى بهذه الطريقة أو تلك وإلى هذه الدرجة أو تلك إلى التشكيك في مشروعية تلك المكاسب والمطالبة بالتراجع فيها قصد العودة إلـــى تعدد الزوجات، لا تلاقي صدى هاما في المجتمع عامة وفي صفوف النساء خاصة وتضطر في نهاية الأمر إلى الإقرار، ولو على مستوى الخطاب، ولو بشكل غير متماسك أحيانا بأن مجلة الأحوال الشخصية، ببنودها التحررية، أصبحت جزءا من المكاسب الحداثية لتونس وأنها غير مطروحة للمراجعة.

ولكن هل أن مجلة الأحوال الشخصية لا تزال "رائدة"، بعد نصف قرن من صدورها، كما تزعم أبواق نظام بن علي؟ بالطبع لا، إذا كنا جديين واعتبرنا التحولات الاجتماعية والثقافية في تونس وكذلك التطورات التي شهدها ويشهدها العالم في مجال مقاومة التمييز بين الجنسين. إن الاستمرار في الحديث عن "ريادة" المجلة وبالتالي ريادة النظام القائم في ضمان حقوق النساء والنهوض بأوضاعهن، ما هو إلا وسيلة لتغطية النقائص الجوهرية وخصوصا الطابع الأبوي لهذه المجلة وعجز بن علي ونظامه عن تخطيها، وعن إخراج النساء من الوضع الدوني، القانوني والعملي، الذي هنّ فيه.

إن من حق نساء تونس أن ينتظرن، بعد 50عاما من صدور مجلة الأحوال الشخصية وإلغاء تعدد الزوجات أن تكون الخطوة الموالية، على الأقل، تحقيق المساواة القانونية بينهن وبين الرجال وبالتالي إلغاء كافة مظاهر التمييز الجنسي في هذه المجلة، سواء المتعلقة منها برئاسة العائلة (الفصل23) ومؤسسة المهر والإرث والولاية على الأطفال واللقب العائلي والأطفال "الطبيعيين" أي خارج إطار الزواج بالإضافة إلى حرية الزواج (منشور 1973 المتعلق بزواج التونسية بغير المسلم) إلخ...

ولكن من الواضح أن نظام بن علي ليس قادرا على تحقيق الإصلاحات التي تلغي مظاهر التمييز في هذه المجالات وتجعل من مجلة الأحوال الشخصية مجلة قائمة على مبدأ المساواة التامة في مجال العائلة. كما تلغي كافة مظاهر التمييز في كافة التشريعات الأخرى، هذا دون الحديث عن الإجراءات العمليــة التي تحوّل المساواة من مساواة قانونية إلى مساواة فعلية. ويعود سبب ذلك إلى أن هذا النظام ليست غايته تحقيق المساواة بين الجنسين بل توظيف قضية المرأة توظيفا سياسويا سخيفا لإضفاء طابع عصري وتقدمي على نفسه وبالتالي إضفاء طابعه الرجعي والدكتاتوري وهو ما لمسه التونسيات والتونسيون من خلال إحياء الذكرى الخمسين لصدور المجلة. فقد منع نظام بن علي الجمعيات النسائية والمنظمات الحقوقية المستقلة والأحزاب الديمقراطية من إبلاغ صوتها عبر وسائل الإعلام أو من خلال اجتماعات في فضاءات عمومية وقام بحملة تمجيدية لنفسه طغى عليها الإسفاف واجتناب إثارة المسائل الجوهرية المتعلقة بأوضاع النساء وخاصة نساء الطبقات والفئات الشعبية والفقيرة.

وإذا كان من الضروري ومن الملح اليوم مواصلة النضال من أجل المساواة بين الجنسين في الحقوق وإلغاء كافة مظاهر التمييز ضد النساء والتصدي لكل مسّ بالمكتسبات التي تحققت للتونسيات، سواء من طرف نظام الحكم أو من طرف التيارات الظلامية، فإنه من المهم جدا إدراك أن معركة المساواة بين الجنسين هي جزء لا يتجزأ من المعركة الديمقراطية العامة داخل مجتمعنا، وأن محرك هذه المعركة هي القوى الثورية والديمقراطية الحقيقية من جهة وجماهير الشعب من جهة ثانية.