الحجاب من جديد



مازن كم الماز
2006 / 10 / 19

تونس : الحزب الحاكم يدين ارتداء النسوة للحجاب .....لندن : جاك سترو يطلب من النسوة المسلمات أن ينزعوا الحجاب لتعزيز التفاهم مع سائر البريطانيين .....و قبلها فرنسا و من قبل تركيا أتاتورك إضافة إلى مثال يستحق الوقفة هو سوريا أوائل الثمانينات من القرن العشرين عندما قام رفعت الأسد بإصدار الأمر لعناصره لإجبار النساء في شوارع دمشق على نزع الإيشارب غطاء الرأس الذي تضعه النساء السوريات في غمار مواجهة دموية مع الإخوان..ما الذي يجمع بين كل هؤلاء و ما الذي يكمن وراء موقفهم المشترك هذا؟

في تونس نظام يدعي العلمانية فيمنع تعدد الزوجات في تحد غير مسبوق للتعاليم الإسلامية بخصوص تعدد الزوجات و يلاحق و يقمع التيارات الإسلامية إضافة إلى قوى معارضة أخرى يسارية و ليبرالية ..إنه نظام قمعي فاسد بامتياز يخضع فيه كل شيء في البلد لسلطة أسرة الرئيس زين العابدين..هذه الطريقة الأتاتوركية في العلمنة بالقوة استنادا لأنظمة فاسدة قمعية إزاء شعوبها إنما يشكل جزءا من سعي النظام الحثيث لاستيعاب و تدجين الحراك السياسي و الفكري المجتمعي بكل أطيافه و تياراته..كان أتاتورك قد قمع بقسوة و وحشية أيضا و على التوازي الحركة اليسارية و زج بشاعرها ناظم حكمت لسنوات طويلة في سجونه قبل أن يفر و يعيش بقية حياته و يموت في المنفى..النظام السوري قمع أي معارضة يسارية أو إسلامية أو حتى قومية و كانت حصة البعثيين أنفسهم من القمع لا تقل عن سائر الفئات السياسية..و الأنظمة التي تزاود اليوم في موضوع الحجاب و سواه مما ينسب لعلمنة خطابها الإعلامي! سبق لبعضها أن فعل الشيء ذاته في استنهاض الجهاد ضد العلمانية فيما سبق عندما تطلب ذلك الاصطفاف العالمي و الداخلي..من المعروف عن أنظمتنا تغيير يافطتها الفكرية حسب طلب الخارج و حسب مصلحة بقاء النظام..

يظن حتى السيد سترو و ما يمثله في الحرب على الإرهاب أن قرارات فوقية مفروضة بقوة الأنظمة اللا قانونية ستستأصل عدوهم فكريا و تحجمه فيم أظهرت تجارب الحرب الباردة و سائر الحروب بين الأفكار و الحضارات أنها لا تحسم عسكريا و أن هذه الحروب لا تقاس بقوة الأساطيل و الماكينة العسكرية..أن الأفكار لا تهزم عسكريا أو تحاصر بأمر أو تزال بقرار من مجلس الأمن أو من وزارات تربية الخنوع و تعليم الاستسلام..إن قمع الفكر أو قهر الناس ليس بحالة تحتمل أي تأويل أو تبرير و هي تمثل في نهاية المطاف ( كما انتهت الستالينية باسم حرية الإنسان ) استبدادا جديدا قديما لا يختلف عن الأنظمة أو القوى التي فرضت أو تريد فرض الحجاب بصورة فوقية شكلانية..

إن الموقف من الحجاب يجسد شكلانية الموقف من التيارات السياسية و الفكرية و من قضية العلمانية..بعيدا عن طرح و تبني مشروع نهضوي يتجاوز حالة التخلف و التبعية و القهر و يتطلب و يستلزم فعلا مجتمعيا حرا غير مقيد بضرورات استمرار النظام بشكله القمعي الفاسد أو ضرورات هيمنة الخارج لا يتبقى للسلطة و الخارج الذي يدعي العلمانية إلا تلك القشور لتستهدفها و إلا الوسائل القمعية لتستخدمها.. هنا يمكننا أن نذكر موقفا للحزب الشيوعي السوري سرعان ما تراجع عنه عندما أدان في بيان شهير حملة نزع الإيشاربات حينها في دمشق قبل أن يستجيب لسخط السلطة و يتبرأ من موقفه على عجل..من المؤسف أن القوى التي يفترض أن تناهض الاستبداد يمكن لها أن تساوم و تتنازل أمام قوة السلطة و تهديدها أو سعيا وراء مصالح قياداتها الانتهازية أو مداعبة السلطة لمشاريعها التي لن تتحقق أبدا بواسطة القهر و القمع