النساء والفقر في زمن العولمة



فرانسين مستروم
2017 / 2 / 2

حوار مع فرانسين مستروم

غالبا ما يجري تقديم النساء في خطاب المنظمات الدولية بما هن " افقر الفقراء". ترى في ذلك فرانسين مستروم Francine Mestrum ، المختصة بالبحث حول التنمية، صورة مصنوعة ونفعية. تمثل النساء عنصرا في استراتيجية محاربة الفقر.

--------------------------------------------------------------------------------

انت تنددين في تحليلاتك حول ادماج المرأة في التنمية بالاستعمال الادواتي للنساء في محاربة الفقر لصالح الجميع أي الاقتصاد العالمي.

فرانسين مستروم: لا يقتصر الاستعمال الادواتي للنساء على الخطاب حول الفقر.الامر ابعد من ذلك. النساء بنظري حاضرات دوما في الخطابات كلما امكن ان تكن مفيدات. بدأ الاهتمام بالنساء لحظة اكتشاف تاثير نمو السكان وظهر خطاب حول التنمية والنساء. صحيح ان النساء طورن منذئذ خطابا مغايرا تماما، خطابا حول التحرر والمساواة، لكن جرى دمج هذا الخطاب من جديد في الخطاب المهيمن حول التنمية. لم يكن ثمة حضور للنساء في خطاب التنمية لسنوات 1960-1970 لما وضعت الافكار الكبرى حول التنمية. بدا الحديث عن الفقر وفجأة اصبحت النساء دائمات الحضور. انها ملاحظة اولى.

هل ثمة علاقة جلية بين الفقر والنساء؟

فرانسين مستروم: انها ملاحظة ثانية باعثة على التفكير. عندما يجري الحديث عن النساء في اشكالية الفقر، ولا زال الامر صحيحا اليوم، ليس ثمة احصاآت حول فقر النساء النقدي لسبب بسيط متمثل في كون المداخيل تُقاس على صعيد الاسر. لذا ليست ثمة احصاآت حول فقر النساء سوى في الاسر التي تراسها أمرأة. يُقال في كل خطابات البنك العالمي، ومنظمة الامم المتحدة وبرنامج الامم المتحدة للتنمية، إن النساء أفقر الفقراء وإنهم وجه الفقر لكن لا نعرف عن ذلك شيئا.
صحيح ان لدينا احصاآت حول الصحة والتعليم والاجور، وأننا نرى ان النساء ضحايا ميز في هذه المجالات كلها. لكن ليست الامور كلها مرتبطة. إن امرأة أمية او بلا عمل أو مريضة قد تكون زوجة رجل له دخل لائق جدا. كما يتوقف كل شيء عما إن كان للمراة ابناء. المسألة حالات كل منها على حدة.

انت ترين ان ربط الفقر بالنساء يتيح تفادي الحديث عن العوامل الاقتصادية. يصبح الفقر مشكلا اخلاقيا وثقافيا، و مشكل ميز. لا علاقة له بالنظام الاقتصادي ولا بما ينتج عنه من اشكال تفاوت.

فرانسين مستروم: يؤدي التركيز على النساء الى التركيز على الميز. الناس فقراء لأن النساء ضحايا تمييز بالنسبة للذكور، ولان الفقراء ضحايا تمييز بالنسبة للاغنياء، لكن لا ُينظر ابدا الى النظام الاقتصادي الذي ينتج هذا الفقر. الميز مسؤول طبعا عن جزء من الفقر، لكن هذا ليس جوهريا. الجوهري متمثل في ظروف العمل الفظيعة وبرامج التقويم الهيكلي التي تدمر انظمة الصحة والتعليم أو خصخصة الماء.

لماذا اصبحت النساء مجموعة مستهدفة في محاربة الفقر؟

فرنسين مستروم: لا اعتقد ان النساء اصبحن مجموعة مستهدفة، ارى انهن قسم من استراتيجية محاربة الفقر. وارى ايضا انه يجري ابراز النساء بما هن افقر الفقراء أي الفقراء المستحقين. ثمة في كل حقبة، عند دراسة الفقر عبر التاريخ، فقراء جيدين وفقراء سيئين، الفقراء المستحقين والفقراء غير المستحقين. تقدم خطابات منظمة الامم المتحدة النساء بما هن من الفقراء الجيدين. ليس ثمة مقولة صريحة حول الفقراء غير المستحقين. لكن النساء هن بجلاء من تجب مساعدته لانهن اولا يقمن بعملهن المنزلي كما قمن به دوما، ينظفن البيت ويعتنين بالاطفال والمرضى ،الخ. ويضطلعن بعمل الجماعة. وينخرطن في سوق العمل. ويقمن بالعمل الذي غالبا ما يرفضه الرجال عن حق. ويعملن في شروط دون ما هو انساني في مقاولات مناطق التصدير مثلا باجور بؤس.

النساء اليوم مسحوقات اكثر من ذي قبل بتعدد ما يقع على كاهلهن من مهام. لماذا؟

فرانسين مستروم: ادت سياسات التقويم الهيكلي الى انسحاب الدولة من قطاعات الصحة والتعليم ، الخ. تضطلع النساء اليوم بكل العمل الذي كانت تقوم به السلطات العمومية، مثل المدرسة والمراكز الصحية الصغيرة والمساكن،الخ. وعلاوة على ذلك يُلاحظ ان النساء ينفقن ما يكسبن من مال على الاسرة. يشترين الغذاء ويؤدين ثمن مدرسة الاطفال ولا يشترين الكحول او المخدرات كما يفعل الرجال. كما يمكن منح النساء قروضا يسددنها. يلاحظ ان النساء بالغة الفائدة في كل المجالات. وفقر النساء كما تقدمه الخطابات فقر طيع، فقر يعمل وله جاهزية ولا يتمرد. كسبت النساء استقلالا عن الرجال بالوصول الى فرص عمل حتى ان كانت شاقة وباجور متدنية. لكن المساواة غير واردة في سياق يُطلب فيه من النساء القيام بالعمل كله. ثمة تنامي للعنف ضد النساء بامريكا اللاتينية مثلا بسبب شعور الحرمان لان النساء يراكمن المهام والرجال لا يقومون باي شيء ويفقدون سلطتهم.

كيف تمكن العودة الى علاقات اكثر توازنا بين الرجال و النساء ؟

فرانسين مستروم: يكمن الحل الوحيد لاعادة توزيع الادوار في تطوير التشغيل للجميع بتطوير القدرات الانتاجية والاسواق الداخلية والكف عن تركيز كل شيء على التجارة الدولية. طبعا تجب محاربة الفقر لكن ليس بالاقتصار على ذلك. يجب تحقيق ما صدر في مؤتمر بيكين أي تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. يجب انشاء انظمة حماية اجتماعية وحقوق اجتماعية كي لا تضطر النساء للعمل 10 الى 12 ساعة يوميا. ولا غنى، على صعيد تنظيم المجتمعات، من اعادة توزيع للمهام كي يتمكن الرجال من النهوض بقسطهم من المسؤولية في كامل عمل الجماعة.
وعلى الصعيد العالمي تقتضي محاربة انواع التفاوت اعادة توزيع المداخيل. نفكر بمنظور العولمة والاقتصاد العالمي. لا بد في هكذا اقتصاد من نظام اجتماعي عالمي ونظام ضرائب عالمي. يمكن لنظام ضرائب دولي أن يكتسي شكل ضريبة توبين، وضرائب على نفث غاز ثاني أوكسيد الكربون او نسبة مائوية من الدخل القومي. لا مناص من ذلك لكن البلدان الغنية غير مستعدة للاداء لصالح البلدان الفقيرة.

يجري حاليا محورة كل شيء على اهداف الالفية للتنمية، وهي اهداف هامة يجب تحقيقها لكنها ليست حلا كافيا. يجري اليوم نسيان ما صدر عن مؤتمر بيكين والقمة الاجتماعية العالمية بكوبنهاغن قبل عشر سنوات. انها خطوة حقيقية الى الوراء.

جرى الانتقال في مضمار التنمية من مقاربة "ادماج المرأة في التنمية" الى مقاربة " النوع والتنمية". والحديث جار اليوم حول " التمكين empowrment " . ما رايك بهذا التطور ؟

فرانسين مستروم: في البدء كان ربط النساء بالتنمية يروم أساسا ايجاد حلول لمشاكل جلية مثل النمو السكاني. وفيما بعد جرى تطور، بفضل النساء انفسهن، نحو خطاب "التنمية والنوع" الذي كانت له حسب النساء ميزة ابراز ان المطلوب اولا تغيير مضمون التنمية وتغيير المجتمع وعلاقات السلطة. لم يكن خطابا ضد الرجال بل خطابا يستتبع تحالفا بين الرجال والنساء لبلوغ تغيير المجتمع والتحرر. وهذا الخطاب حاضر في الحركات وليس في المنظمات الدولية.
اما عن "التمكين"، فهذا ضرب من المفاهيم غير واضح لاي كان. وليس لدي هنا غير خلاصة واحدة: من فضلكم استعملوا كلمة تحرر التي تعني ما تعنيه. التحرر هو الانعتاق من علاقات السلطة السائدة، بينما اصبح "التمكين" في خطاب البنك العالمي تعبيرا يعني ان على الفقراء ان يعربوا عن مدى فقرهم، لاغير. يتطلب تحقيق التحرر النضال ضد انواع التفاوت.

تطور منظمة اوكسفام مقاربة "نوع متضامن" مفادها ان النضال ضد المظالم المقترفة بحق النساء يندرج في النضال ضد المظالم بوجه عام...

فرانسين مستروم: اوافق على هذه المقاربة. لكن النضال ضد المظالم المقترفة بحق النساء يستدعي سياسات مغايرة لتلك التي يتطلبها النضال ضد المظالم بوجه عام، سياسات تراعي الفروق بين الرجال والنساء. الامر شبيه بالنضال ضد الفقر، لا يكفي قول إن النساء مجموعة مستهدفة.

حاورتها Donatienne Coppieters
مجلة Globo العدد 9 ( مارس 2005)
نشر الحوار أصلا بعنوان - حول فائدة النساء في العولمة-
تعريب جريدة المناضل-ة




--------------------------------------------------------------------------------
من هي فرانسين مستروم ؟

فرانسين مستروم دكتورة في العلوم الاجتماعية، مختصة بالبحث في مجالات الفقر والتنمية والمنظمات الدولية. استاذة بجامعة بروكسيل الحرة وجامعات Gand وAnvers . مؤلفة كتاب " العولمة والفقر، حول فائدة الفقر في النظام العالمي الجديد"، حيث تحلل خطاب المنظمات الدولية حول الفقر (منظمة الامم المتحدة، البنك العالمي، برنامج الامم المتحدة للتنمية) من خلال وثائقها الرسمية، وتبرز ان محاربة الفقر نقيض للتنمية الاجتماعية. وتخصص فصلا لموضوع" محاربة الفقر وادماج المرأة في التنمية" . صدر الكتاب عن دار L Harmattan في العام 2002.