وَقَدْ سَمَّانِي جُعْلا



عبد الله خطوري
2023 / 5 / 24

لم تعد آلدنيا دنيا معاش للورى، لم تعد آلحياة مجرد تواتر آلسنين وآلأعمار، لم تعد آلأعمار حقب ومصائر تُعاش، لم يعد آلمعيش سهلا في وقتنا ولا في أي وقت، لم يعد الوقت يسعف بإطالة أو إدامة التفكير، لم تَعُدِ آلنفوس إذْ تُزَوَّجُ تتهافت على تفريخ مزيد من آلولادات، لم تعد العوائل قادرة على تحمل ما لا يُحْتمل، لم يعد المجتمع متكافلا في تربية الناشئة ... ومادام حال الأنام كذلك ومادامت الأسر في آلتباس من أمرها، فلا بد من فعل شيء لإنقاذ مسار آستمرار تعاقب الأجيال بسلاسة ودَعة دون منغصات ومطبات الطريق .. من أجل ذلك، على المدرسة أن لا تغدو مجرد بنايات جامدة تلقن فيها العلوم والآداب فحسب، وملاعب الرياضة مجرد ميادين يتبارى فيها المتبارون على من سيفوز بسهم السبق قبل المنافسين .. على المجتمع أن يعي مسؤوليته ويتجاوز مجرد كونه تجمعا بشريا لا يسمن لا يغني من جوع .. على الرؤوس والقلوب أن لا تمسي صدى لما يقع هنا هناك .. فحال آلمعيش أضحى أكثر تعقيدا وتشابكا ولا مجال فيه لمزيد من التعقيد .. الإنصات لنبض آلأجيال آلصاعدة أصبح من آلضروريات الحيوية في الوقت الراهن بآعتبار آلشباب آلأغلبية الساحقة التي ستعيش أحوال زمام أمورها ومهامهها في مستقبل الأعوام القادمة .. لنحسن الإنصات لبحات حناجر آلأطفال والفتيان .. لنتجاوز عقدة صراع الأجيال المتوارثة .. لنعمل على تسليم مشعل آستمرار وهج الحياة بهدوء وسلاسة ودَعة وسكينة لمن سيكمل المسير بعدنا .. هم الذين يهمهم أمر غدهم أولا وأخيرا لا نحن...من الأمور المأسوف عليها، تعاملنا مع صرعة إصرار الأخلاف على مخالفة الأسلاف تعاملا سلبيا يتقبل الظاهرة بآستسلام وخنوع دون البحث عن أسباب حدة تفشيها والعمل على تعاقب الأجيال بمسؤولية إنسانية تاريخية مادمنا قد توغلنا بإرادتنا أو دونها في خوض غمار مهام عويصة من قبيل فعل الإنجاب البيولجي وفعل التنشئة الاجتماعية وفعل المواكبة التربوية عبر مراحل عمر الناشئة مما يستوجب إتمام تحمل واجب تسليم مسؤولية آستمرار الحياة في الحياة بسلاسة وآنسيابية لمن سيعيش مستقبله غدا كي يسلمه بدوره لمن سيعقبه دون مناوشات أو مقارعة طواحين وهم لا تسمن ولا تغني من جوع .. علينا أن لا نعيد إنتاج ما سبق إنتاجه من سنن العقوق التي لا ضير من ورائها .. (١) لنهيء لهم ظروف العيش الإنساني الذي وإن صعب يكون كريما ما آستطعنا إلى ذلك سبيلا .. لنتعلم فنون الإصغاء لمطالبهم .. لنتفهم ميولاتهم لنحس بتوجساتهم .. لننفتح على الأصوات الصادحة المتدفقة من قلوبهم .. لنتفهم مطالبهم ولنكيف أنفسنا والعيش وإياهم، فنحن ضيوف في رحاب عوالمهم وأزمانهم وليس العكس .. علينا أن نتحاور معهم ونتفهم نبضهم ولغتهم وطريقتهم في التفكير والتعامل مع مجالاتهم، ونستقرئ أحلامهم ونتخيل تخيلاتهم، وإلا فإن تقلبات الزمن ومجرياته لن ترحم الثابتين الجامدين القابعين منا في قرار قيعان مستنقعات المياه الراكدة التي لن تزيد عيشنا إلا مزيدا ضنك وركود وآضمحلال وتخلف وضمور ووتردي وآندثار ...

☆إشارات :
١_جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي، يشكو إليه عقوق آبنه فأحضر عمر بن الخطاب الابن وأنبه على عقوقه لأبيه، فقال الابن : يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه ؟ قال : بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال : أن ينتقي أمه، ويحسن آختيار آسمه، ويعلمه الكتاب .. فقال الابن : يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئا من ذلك : أما أمي فإنها كانت زنجية لمجوسي، وقد سماني جعلا، ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا .. فالتفت عمر إلى الرجل، وقال له : أجئت إليّ تشكو عقوق آبنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك ...