السوريون وهواية أسطرة الفوارغ



خلف علي الخلف
2024 / 3 / 9

بمناسبة عيد المرأة وتحية محمد منصور لسمر سامي

في بداية نشوء الفيسبوك وقبل أن يدخله "السوريون"* أفواجا ويخربونه كما خربوا كل شيء شاركوا فيه؛ عبر نشر الغوغائية والجهل والكراهية والتشبيح ضد المخالفين؛ أنشأت مجموعة ساخرة بعنوان "لماذا يحتفظ السوريون بالفوارغ". إذ يندر أن تجد سوريا يتخلص من الفوارغ: الزجاج، العلب، القطرميزات؛ الأكياس، الثياب البالية، الأشخاص.. تحت شعار إلا ما يجي يوم وتلزم.

على سبيل المثال

لا أعرف سمر سامي؛ شاهدت لها عملين أحدهما فيلم تجاري نسيت اسمه والآخر الكومبارس وهو فيلم ممتاز لشخص مثلي لا يفهم بالسينما ولكن يمكن لي أن أتحول لناقد فني على الطريقة السورية لو أردت. تمر عليّ سمر مصادفة في الاعمال الدرامية السورية التي شاهدت منها أعمالا قليلة جدا ويمكن لي أن أعددها وليس من بينها عمل لسمر سامي على الأرجح. لست من متابعي المسلسلات عموما.

أعرف عن سمر من أصدقاء يعرفونها ويشيدون بها، وحين قامت الثورة يبدو أنها انحازت لها بهدوء دون صخب أو ضجيج.

أنا أضفت سمر سامي لحسابي على الفيسبوك ومن النادر أن أفعل ذلك مع شخصية سورية معروفة ليس بيننا علاقة شخصية. وفي الغالب الشخصيات السورية المشهورة أحذفها لاحقا حتى لو قبلت إضافتها في يوم ما.

عندما توفيت الراحلة نوال السعداوي؛ وبعد أن عزيت أحبابها وترحمت عليها، رغم أني شخص غير مؤمن، وأفعل ذلك دائما لإبعاد نفسي عن الغوغاء المؤمنين؛ كتبت رأيا خلاصته حرفيا بما معناه
"إن نوال السعداوي أضرت بالقضية النسوية أكثر مما أفادتها. نوال السعداوي استعدت الناس بخطابها وكان آخر همها خلق تيار مجتمعي حول فكرة حقوق المرأة؛ ولا يمكن لأي شخص أيد الديكتاتوريات دائما أن يكون مصدر ثقة في الدفاع عن حقوق أي شيء حتى الطبيعة"

وكما ترون هو مجرد رأي وليس حكم محكمة بصلبها؛ ولدي أصدقاء مصريين كثر بعضهم كتب نعيا "وطنيا" بوفاتها لكن أحد منهم لم يعترض على رأيي.

كتبت سمر سامي تعليقات حادة وعدائية وأجبتها بصبر وحرص فعلا؛ ووضحت لها فكرتي؛ أنه فيما يخص قضية الختان كانت نوال مجرد أحد "راكبي العربة" وليست مبتكرتها ولا يعود لها أي فضل في إقرار تشريع منع الختان. وهذا اثبته بروابط فيها أدلة.

كما تلاحظون فهذا نقاش عادي؛ رغم أنه كان من طرفها نقاشا موتورا و عدائيا وكأنها وكيلة جمعية تقديس نوال السعداوي التي كانت على وشك استصدار قرار بتطويبها وجاء رأيي ليخرب لهم الطبخة.

دون أي أسف حذفتني سمر سامي بعد هذا النقاش وهذا أمر غاية في البساطة والعادية؛ لكنه بالنسبة لي أكد ما هو مؤكد؛ الشخصية السورية لا تقبل أي اختلاف بالرأي وشعارها: إن لم تطبل معي سأقتلك إن استطعت.

على سبيل التأكيد

طالما الأمر عاديا ويؤكد ما هو مؤكد لماذا أكتب إذن! سبب كتابتي هو أني قرأت لمحمد منصور، وهو صحفي متخصص بالفن إضافة إلى أنه يمتلك أو يدير منبرا إعلاميا حاليا، رأيا يوجه فيه التحية لسمر سامي بمناسبة عيد المرأة؛ وهذا أمر عادي وحق لأي إنسان؛ أعني أن يوجه التحية لإنسان آخر بمناسبة أو دون مناسبة، لكنه أضاف بما معناه أنها من النساء النادرات اللواتي يستحقن التحية في هذا اليوم!

من كل عقلك يا محمد منصور! هناك ملايين النساء "السوريات" اللواتي يستحقن التحية قبل سمر سامي؛ وهي لا تشكل بأي حال تلك الندرة الملهمة التي تجعلك تكرس عيدا للمرأة لها، فهي مجرد شخص عادي.

عزيزي محمد؛ وأنت تعرف أن ليس بيننا أي خلاف أو خصام، كفى هراءا! وكفوا عن أسطرة شخصيات لا أريد ذمها، ولكنها لا تستحق الأسطرة بأي حال.

على سبيل المعلومة

للعلم يعتبر سكان ما يسمى سوريا الأقل قراءة مقارنة مع سكان الدول العربية؛ قياسا لحصة الفرد من ورق الجرايد والكتب المطبوعة؛ رغم شيوع الفكرة الساذجة عن أنهم يقرأون والتي قد تكون صحيح حتى السبعينات. ولذلك ثقافتهم شفهية يتداولون المعلومات شفاها: "ثقافة مقاهي" و "صبحيات". يستوي في ذلك كتابهم وعامتهم؛ لذلك ما أن يكتب كاتب مقروءا شيئا حتى يعمم ويصبح حقيقة حتى لو كان غير صحيحا.
اليسار السوري سيطر على الثقافة بعد قليل من نشأة الكيان السوري المختلق؛ وهذا اليسار بحكم طبيعته مخلص للآيديلوجيا والأنصار والاتباع أكثر من اهتمامه بالمعرفة والحقائق.
إذا؛ ومن وجهة نظري؛ فإن أسطرة الشخصيات الفارغة سواء في الثقافة أو السياسة ونفخها حتى تصبح تمثالا يعود إلى أن الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية "السورية" فقيرة بحيزها المعرفي ومنتجها وفقيرة بالفاعلين وفقيرة الشخصيات الملهمة؛ فيلجأ "السوريون" ولأسباب إيديولوجية لأسطرة شخصيات ما أن تمتحنها الحياة حتى نكتشف أنها "ما تسوى قشرة بصلة".

وإذا أردت [عزيزي القارىء] تأكيدا لكلامي استطيع أن أورد لك أمثلة عديدة؛ لكن يمكنك إيجاد ذلك بمفردك بقليل من التفكير؛ إن لم تجد عليك الاطلاع؛ وقد تكون اطلعت؛ على قائمة الشخصيات التي دخلت المجلس الوطني المعارض مدري الآئتلاف المعارض تحت بند "شخصية وطنية" وهم أشخاص لم تسمع بهم سوى نسائهم وأولادهم.
----
* السوريون: مصطلح قانوني يدل على حملة الوثائق السورية، وهو لا يدل على شعب أو هوية، فالكيان السوري كيان مختلق من سايكس وبيكو بشكل قسري وليس لدى شعوبه مشتركات لذلك من الصعب الحديث عنهم كجماعة بشرية.