ما الذي يجعلنا نحتفي ب سمر سليمان؟!



شاهر أحمد نصر
2024 / 3 / 11

ثمة روايات نشأت في بلد صغير، وكُتبت عن بلد صغير وبلغت العالمية، وثمّة نساء يفيض حضورهن جمالاً ومحبّة، ويعلمنا جهدهن وعطاءهن أنّ المرأة رمز الخير والعطاء!
سمر سليمان واحدة من تلك الروايات، وأولئك النساء!
يبرز سؤال بسيط: ما الذي يدفعنا إلى الاحتفاء بـ سمر سليمان؟!
لعلّ الإجابة عنه بسيطة أيضاً: إنّها تستحق!
إنّها بصفاتها الإنسانية النبيلة الرفيعة، ويجهدها وعملها بَنَتْ شخصيةً يلتقي فيها العام والخاص، الفرد والنوع، وسعتْ إلى تجاوز ذلك الهاجس الرئيس الذي يقضّ مضجع الإنسان، ولا سيّما المرأة: أن تتحرر وتثبت ذاتها، وتعزّز مكانتها في المجتمع؛ فاستطاعت بفضل اهتمامها بعلمها وثقافتها وعملها، أن تتميز، وتثبت ذاتها، وأعلنت حضورها في مجتمعنا، ولا سيما في بيئته الثقافية...
سأحاول في عجالة إنارة بعض جوانب التجربة والأسس التي بَنَتْ سمرٌ حياتها عليها، وساعدتها، حسب زعمي، في تحقيق ذاتها:
- نشأت سمر سليمان في أسرة عَلمانية متنورة تَعُدُّ المرأةَ، كما الرجل، أساس بناء الحضارة؛ وتحررَ المرأة أساس بناء الحضارة... لقد أسهم ذلك في بناء شخصيتها، فوضعت مهماتٍ طموحةً أمام نفسها وسعت إلى تحقيقها...
- لمّا انطلقت إلى المجتمع خارج أسرتها تتملكها الحماسة الصادقة، أدركتْ أنّ واقع المرأة واقع بائس، فهي مازالت تعاني الظلم والتهميش، ولا تشعر بأنّها معنيّة في كثير من أمور الحياة، بما في ذلك أمور حياتها، ويؤثّر ذلك في تطورها، وفي حالتها النفسية... وتعرفت سمر إلى زميلات كثيرات ينطبق على أغلبهن وصف "سيمون دي بوفار" للمرأة في المجتمع الذكوري، إذ تدرك أنّها لكي تحوز إعجاب الآخرين ينبغي أن تكون جميلة كالصورة التي ترسمها في خيالها؛ فتتنكر، وتتزين، وتنظر إلى نفسها في المرآة، وتقوم بحركات إغراء... لكنّ سمرَنا، التي لم تهمل جمالها، علِمَتْ بحدْسِها وطبعها أنّ المرأةَ بذلك تخلق السراب، وتقارب الخيال؛ فاختارت طريقها الخاص...
- سلكت طريق العلم والثقافة؛ فغدا الكتاب والقراءة أهم الأصدقاء بالنسبة إليها، وتوصلت، ككثير من المتنورون والمتنورات، إلى قناعة بأنّ مسألة تحرير المرأة تتطلب النضال والتضحية... ومما دعاها للتفاؤل، أنّه على الرغم من استمرار سعي كثيرين للحد من إمكانيات تحرر المرأة ونيلها حقوقها، وتدعيم سعيهم بالقوانين الجائرة، ثمّة نساء كثيرات يسعين لنيل حقوقهن، وإثبات ذاتهنّ، منهن الأديبات الكاتبات، والشاعرات، والنساء اللواتي يمارسن مختلف المهن، ويرفعن أصواتهن في وجه الثقافة الذكورية، فمدَتْ جذورَ الصداقة معهن، إذ علمت أنّ قضيتَها ليست قضيةً فرديةً خاصة، بل قضية اجتماعية عامة، وأنّ تحرر المرأة، كما الرجل، يتطلب بناء مجتمعات على أسس حضارية عادلة، يكون الإنسان أثمن قيمة فيها، وتبقى إنسانية الإنسان، وحريته، وكرامته غايتها... تلك الأسس التي تأخذ بمنجزات البشرية في كافة الأصعدة، بما فيها الصعيدين التكنولوجي والاجتماعي، وفي أساسها الأسس الديموقراطية في البنيان الاجتماعي... وازدادت قناعة أنّ تحرر المرأة يحقق نقلة نوعية في مجالات متعددة من حياة المجتمع، ويتحقق تحرير المرأة عبر إجراءات ملموسة، من أهمها:
- مشاركة المرأة الفعلية في بناء المجتمع؛ إنّ مكانة المرأة في المجتمع هي مقياس تحررها، وليست مسألة التحرر الجنسوي المجرد... وينتج عن ذلك مشاركتها في العمل، أي أن تشارك المرأة في الإنتاج الفعليّ، وفي إنتاج الخيرات المادية للمجتمع، وفي المجالات الإبداعية...
- تُسهم في تحرير المرأة عمليةُ تنظيم المجتمع بشكل حضاري عادل سليم، ووجود نوادٍ، وجمعيات، وتنظيمات ثقافية، واجتماعية مختلطة من الرجال والنساء، تعمل على نصرة المرأة ونيلها حقوقها كاملة، وبناء الدولة العلمانية الديموقراطية على أسس الحق، والحرية، والعدالة، والقانون، باعتبارها السبيل السليم لمعالجة الأمراض الاجتماعية، وفي طليعتها مشكلة تحرير المرأة... فتحرير المرأة والعلمانية مفهومان متلازمان...
لقد تُوجَتْ مساعي سمر سليمان لتحقيق أحلامها وحبّها للثقافة والعلم والعمل، بالتقائها مع إنسان حقيقي هو الأستاذ المهندس بلال حلوم، الذي يدلّ سلوكه في الحياة أنّه من المؤمنين بأنّ المرأة والرجل وجهان متلازمان لإنسان واحد في هذا العالم، لا يستمر وجود أحدهما بمعزل عن الآخر، وأي تطور ورقي يحوزه أحدهما يخدم الآخر؛ فتطور المرأة ورقيها في صالح الرجل، مثلما تطور الرجل ورقيه في صالح المرأة... وإذا أراد الرجل أن يعيش حياة متحضرة راقية، عليه أن يسهم في تحضّر المرأة ورقيها... وإذا أراد العرب التفوق على الغرب، فعليهم بناء حضارة تتفوق على حضارته، وإذا أرادوا رقي الإسلام عليهم تطوير فهمهم لأمور الحياة وفق متطلبات الواقع الموضوعي، الذي يعيشون فيه، ومتطلبات التطور الحضاري وأساسه تحرر المرأة... فخلق بلال وسمر معاً ظاهرة تستحق طرطوس أن تباهي بها العالم... وكنت قد كتبت عن هذه الظاهرة اللافتة سابقاً:
إنّ الإنسانين الجميلين: بلال حلوم، وسمر سليمان يشكلان ظاهرة اجتماعية ثقافية رائعة وفريدة، لأنّهما أسهما بفضل جهدهما المشترك، وتضحياتهما بكل ما يمتلكان من مال، ومبانٍ، وأراضٍ، وجهدٍ، ووقتٍ لنشر قيم النور، والعلم والمعرفة، والمحبّة والجمال في أي بقعة يحلّان فيها، تساعدهما الآنسة المهذبة الدكتورة نشوى بلال حلوم وابنيهما؛ حينما أنشأوا "مركز الشعلة للأداء المتميز Scop @AlShaala.SCOP"... وإن كانوا قد بدأوا نشاطهم في المدينة، فلم ينسوا قريتهم يحمور فشملها المركز بنشاطه، مع إبداء الاستعداد لتوسيع نشاط المركز للقيام بمهمته النبيلة في التنوير والتنمية الاجتماعية...
آمل أن يُسهم هذا المركز مع غيره من مراكز التنوير والثقافة ومجلس المدينة في تحويل مدينة طرطوس إلى مدينة معرفة لها موقعها العالمي في شابكة الانترنت الدولية لتتواصل مع العالم، ومدن المعرفة الرائدة...
هكذا أصبحت سمر سليمان وأسرتها ظاهرة اجتماعية وثقافية يعود للأستاذ بلال فضل ويد بيضاء في تحقيقها، إنما لم يلق بظلاله عليها، بل ترك شمس سمر تشع نوراً ودفئاً ومحبّة في سماء وطننا حانية على ترابه...
من نعم الحياة أن نصادف هؤلاء النبلاء، ونعيش في رحابهم ساعات من حياتنا...
شكراً جزيلاً لإدارة هذا المركز، وللأستاذ الفاضل بلال حلوم ولأبنائه، ولكلّ من ساعدهم في نجاح هذه المهمة... وأجمل تحية إلى مدام سمر سليمان الإنسان النبيلة المثقفة المجتهدة، من النساء اللواتي أثبتن وجودهن وجدارتهن بالعمل والثقافة واحترام الآخر، والشكر لكلّ من ينشر شعاع نور ويرعاه في هذا الظلام الدامس.