![]() |
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
![]() |
خيارات وادوات |
نساء الانتفاضة
!--a>
2025 / 3 / 20
أحد أشهر التعريفات للقانون ما ذكره الألماني فيردناند لاسال في مقالته "جوهر الدساتير" ما نصه:
((انه علاقات القوى الفعلية هذه وقد وضعت على الورق، وقد اتخذت شكلا مكتوبا، وبعد ان دونت هكذا، لم تعد ببساطة علاقات قوى فعلية وانما اصبحت قوانينً، مؤسسات قانونية، يعاقب من يعارضها)).
دعونا نرى هذا التعريف كيف يتجسد او تجسد على ارض الواقع، خصوصا ونحن نمر بأزمة التعديلات على قانون الأحوال الشخصية، والتي للأسف قد اقرت.
أولا لنتابع تاريخيا –بنظرة موجزة- مسيرة هذا القانون وهذه التعديلات، حتى تكتمل لدينا الصورة، ونعرف ما يعني القانون حقا.
تكونت الحلقات النسوية بدايات القرن العشرين، وتحديدا عام 1932 بعد تأسيس "نادي النهضة النسوي" برئاسة السيدة أسماء الزهاوي، وكان من رواد هذه الحركة السيدات "بولينا حسون، نزيهة الدليمي، صبيحة الشيخ داود" وغيرهن، وقد توجت تلك المرحلة بتأليف كتاب "اول الطريق الى النهضة النسوية" للسيدة صبيحة الشيخ داود، الذي صدر عام 1958، وقد ارخت فيه للحركة النسوية ونضالاتها، خصوصا قضايا الحجاب والسفور، والاحوال الشخصية.
بعد التغيير الذي حصل عام 1958 اخذت المرأة حيزا أكبر، فقد تم توزير السيدة نزيهة الدليمي كأول وزيرة في حكومة عبد الكريم قاسم، وكان لهذا الحدث صدى كبيرا على مسيرة نضال المرأة.
تم تشكيل لجنة لسن قانون أحوال شخصية معاصر يتلاءم مع تطور الحياة ونظرة الناس للمرأة، هذه اللجنة انجبت قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959، ويعد من أفضل القوانين المدنية في المنطقة. فهو تجسيد حي لعلاقات القوى الجديدة، هذه القوى ناضلت من اجل حرية ومدنية المجتمع؛ أي ان العلاقات الجديدة اتخذت شكلا مكتوبا، لم تعد علاقات قوى فعلية بل أصبحت قوانين، أي يعاقب من يخالفها او يعارضها.
هذا القانون لم تسكت عليه القوى المعارضة، فبدأت مسيرة الغاءه او تعديله، وقد افتتح هذه المعركة رجال الدين، فهم الأكثر تضررا من هذا القانون، وقد سمحت لهم التغيرات التي حدثت في 2003 بأن يرفعوا لافتة تغييره او تعديله، وأول من حاول يمرر التعديلات كان عبد العزيز الحكيم في 29-12-2003، بإصداره قانون 139 القاضي بالعمل بأحكام الشريعة الإسلامية وابطال كل القوانين السابقة. لكن المحاولة باءت بالفشل نتيجة المعارضة القوية من قبل الحركة النسوية والأحزاب اليسارية والتقدمية.
في 2013 اعيدت الكرة مرة أخرى على يد وزير العدل آنذاك حسن الشمري، الذي طرح مشروع القانون الجعفري، الذي يبيح الزواج من الصغيرات ويفصل القضاء عن وزارة العدل ويربطه برجال الدين. وأيضا جوبه برفض شديد وتم رفضه.
لم تيأس القوى الإسلامية، فهي تريد علاقات جديدة، صحيح ان اعرافها ماشية، خصوصا قضايا الزواج، لكنها خارج المحاكم، هي تريد ان تجعلها قانونية، ملزمة، تعاقب من يخالفها او يعارضها، وهذه المرة قد نجحت، فقد اقرت هذه التعديلات، أصبحت شكلا مكتوبا، وسنرى نتائجها فيما بعد، فجوهر القانون هو الإرادة، إرادة القوى المسيطرة.
المجتمع البطريركي:
العلاقة جدا وثيقة بين هذه القوانين والمجتمع، فهناك استعداد لتقبل تلك القوانين، خصوصا وان القوى الحاكمة عملت على تربية المجتمع وفقا لرؤاها، فقد صنعت منه مجتمعا بطريركيا.
في التعاريف التقليدية فأن المجتمع البطريركي هو تنظيم اجتماعي يتميز بسيادة الذكر الرئيس "الاب" على العائلة، فتتبع له النساء والذرية بشكل قانوني، وتفترض التوريث واستكمال الانتساب لذكور من السلالة، وكذلك يستخدم المصطلح للإشارة لسلطة الذكور على النساء تحديدا؛ أصل كلمة «بطريركية» يونانية من شقين پاتريا-ارخيس تعني كبير العشيرة أو العائلة.
السلطة التي يفرضها الاب على العائلة هي بمثابة الاوكسجين الذي تتنفس منه السلطة وتستمد وجودها واستمراريتها، فمن خلال هذا الشكل من التنظيم الاجتماعي تؤمن على استمرار القيم والتقاليد والأعراف والعلاقات، وتعد المرأة هي الركيزة الأساسية في هذا الشكل التنظيمي، وكما يقول هشام شرابي في كتابه "البنية البطريركية" ما نصه:
"ما دامت المرأة خانعة قابلة بوضعها وغير قادرة على تغييره وعلى قول لا، فأن سلطة النظام البطريركي وشرعيته تظلان راسختين ومستمرتين...فالنظام يدرك في أعماق لا وعيه ان العامل الثوري الحقيقي لم يعد المتآمر ولا مدبر الانقلابات بل المرأة، القنبلة الموقوتة في صميمه. ففي اللحظة التي يتغير فيها وعي المرأة وتصبح قادرة على الرفض والمقاومة، تتزعزع أسس النظام وتتخلخل شرعية سلطته وتتفكك بنيته".
اذن الحفاظ على هذه الشكل من المجتمع "بطريركي" هو للحفاظ على شكل النظام الابوي، والذي يؤبد استمرارية الدولة هذه، فحتى في تبريرات القوى الحاكمة حول التعديلات يقولون انهم يريدون المحافظة على العائلة، لكن أي شكل من اشكال العائلة؟ انها العائلة البطريركية والتي هي كما يعرفها ولهلم رايش في كتابه "الثورة الجنسية" بالقول:
"انها التي تنشئ شخصا يخشى السلطة باستمرار، وهي تبعا لذلك تحدث تكرارا لإمكانية قيام حفنة من الافراد الأقوياء بحكم الجماهير الشعبية".
اذن هذه العائلة البطريركية كما يقول شرابي "تلبي بإنتاجها افرادا غير مستقلين حاجة أساسية من حاجات المجتمع البطريركي الحديث، فهي تعزز نظام الرعاية والولاء الشخصي، وتضمن استمرار السلطة ذات الطابع البطريركي".
من كل ذلك نستطيع أن نستنتج الشكل الضعيف للاعتراض والاحتجاج على التعديلات على قانون، فهو يختلف تماما عن الأعوام السابقة التي ارادت القوى الحاكمة تمريرها، فقد واجهت حركات احتجاجية واسعة وغاضبة، عكس ما يحصل اليوم، فقد انتجت هذه السلطة مجتمعا بطريركيا تاما، مجتمع قائم على الخضوع والطاعة القصوى.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|