معارض وفرص رقمية: البحرين في طريقها نحو التشغيل الكامل للعاطلين عن العمل



عبده حمد الدوسري
2025 / 10 / 22

بادي ذي بدء، فإنّ مشكلة البطالة في مملكة البحرين تُعد شأنًا اجتماعيًا واقتصاديًا بالدرجة الأولى، تتعامل ‏معها الدولة بواقعية وتخطيط علمي متدرج، لكنها للأسف تحوّلت أحيانًا إلى ورقة سياسية في أيدي المعارضة ‏البحرينية في الخارج التي دأبت على استغلالها لتشويه صورة المملكة في الخارج، عبر بثّ مزاعم تفتقر إلى ‏الدقة وتعتمد على المبالغة والتسييس (وزارة الخارجية البحرينية، 2024)‏‎.‎
إلا أن هذه المحاولات تصطدم دائمًا بالواقع الميداني وبالمنجز الوطني الواضح، حيث تواصل حكومة مملكة ‏البحرين تنفيذ سياسات طموحة لمعالجة البطالة ضمن رؤية ملكية حكيمة أرسى دعائمها حضرة صاحب ‏الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وبإشراف مباشر من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل ‏خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في إطار رؤية جعلت من المواطن البحريني محور التنمية وغايتها ‏‎(‎‏(رؤية البحرين الاقتصادية، 2030).‏
لقد تحوّلت معالجة البطالة في البحرين من مجرد إجراءات ظرفية إلى مشروع وطني متكامل قوامه التخطيط ‏الدقيق، والمعلومات الدقيقة، والتكامل بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، بقيادة وزارة العمل وبالتعاون ‏مع صندوق العمل (تمكين) وهيئة تنظيم سوق العمل‎ (LMRA) ‎‏(وزارة العمل، تقرير الأداء 2024). ‏وتشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة العمل إلى أن معدل البطالة في البحرين انخفض في عام ‏‏2023 إلى نحو 4.4‏‎%‎، وهو من أدنى المعدلات في المنطقة (وزارة العمل، 2024). ويُعد برنامج التوظيف ‏الوطني أبرز المبادرات الحكومية في هذا الإطار، إذ نجح خلال عام 2024 في توظيف أكثر من 27,100 ‏بحريني في مختلف القطاعات بنسبة إنجاز تجاوزت ‏‎136% ‎من الهدف السنوي (وزارة العمل، تقرير ‏برنامج التوظيف الوطني 2024). ولم يقتصر دوره على الأرقام فقط، بل ركّز على جودة الوظائف ‏واستدامتها ومواءمتها مع مهارات الخريجين ومتطلبات الاقتصاد الرقمي الحديث (وزارة العمل، 2024)‏‎.‎
جهود تمكين في معالجة البطالة بالأرقام
وفي موازاة ذلك، واصل صندوق العمل (تمكين) أداءه الحيوي في دعم البحرينيين في مساراتهم المهنية، ‏حيث استفاد أكثر من ‏‎41,400 ‎مواطن من برامجه خلال عام 2024 (تمكين، التقرير السنوي 2024)، عبر ‏مبادرات شملت التوظيف المباشر، ودعم الترقيات، وتمويل التدريب المهني والتقني. ومع مرور السنوات، ‏توسّع نطاق عمل تمكين ليشمل أكثر من 200 ألف فرد و‎53 ‎ألف مؤسسة بحرينية (تمكين، الإحصاءات ‏التشغيلية 2024)، وهو ما يعكس التأثير الاقتصادي والاجتماعي الكبير الذي أحدثته المؤسسة منذ تأسيسها‎.‎
كما تشير التقارير الرسمية إلى أن إجمالي الدعم الذي قدّمته تمكين للمؤسسات في برنامج تطوير الأعمال بلغ ‏‏193 مليون دينار بحريني حتى عام 2021، واستفادت منه ‏‎13,659 ‎مؤسسة منذ عام 2009 (تمكين، برنامج ‏تطوير الأعمال 2021). وقد دعمت تمكين أيضًا نحو 4,100 شركة جديدة من خلال برامج التمويل ‏والاستشارات التي تغطي حتى ‏‎50%‎‏ ‏‎ ‎من تكاليف المواد والخدمات التشغيلية، وتشمل مراحل التأسيس ‏والتوسع والنضج (تمكين، 2023)‏‎.‎
أما في جانب برامج دعم الأفراد، فقد تم دعم ‏‎71% ‎من الشركات البحرينية في تدريب وتوظيف الكوادر ‏الوطنية (تمكين، تقرير التدريب الوطني 2024). كما يغطي برنامج تدريب الباحثين عن عمل كامل تكاليف ‏التدريب والشهادات الاحترافية بنسبة ‏‎100% ‎‏(تمكين، 2024). وتعكس هذه المبادرات أولويات “تمكين” ‏الاستراتيجية، والمتمثلة في تعزيز مكانة المواطن البحريني في القطاع الخاص، وتزويده بالمهارات اللازمة ‏للتطور الوظيفي، وتشجيع رقمنة واستدامة المؤسسات الوطنية (تمكين، الاستراتيجية الوطنية 2025).‏
معارض التوظيف ودورها في تسريع الحلول
ومن المبادرات الرائدة في معالجة البطالة معارض التوظيف الوطنية التي تُنظّم على مدار العام بمشاركة ‏مؤسسات من القطاعين العام والخاص. وتُعد هذه المعارض من أهم أدوات التوظيف المباشر في البحرين، إذ ‏تتيح لقاءً مفتوحًا بين أصحاب العمل والباحثين عن فرص عمل، وتسمح بإجراء المقابلات الفورية والتعيين ‏في الموقع نفسه (وزارة العمل، تقرير الفعاليات الوطنية 2024)‏‎.‎
وقد أكدت وزارة العمل أن نسبة كبيرة من التعيينات الحديثة تمت عبر هذه المعارض، التي تسهم في تقليص ‏زمن التوظيف، وتزيد من شفافية السوق من خلال الإعلان المباشر عن الشواغر (وزارة العمل، تقرير سوق ‏العمل، الربع الرابع 2024)‏‎.‎
بنك الشواغر: منصة رقمية تعزز كفاءة التوظيف
وفي سياق التحول الرقمي الذي تشهده البحرين، أطلقت وزارة العمل منصة (بنك الشواغر الإلكتروني)‏‎ ‎لتكون قاعدة وطنية متكاملة تضم جميع الوظائف المتاحة في القطاعين العام والخاص. تتيح المنصة للباحثين ‏عن عمل الاطلاع على الفرص المناسبة والتقديم عليها مباشرة، كما تمكّن أصحاب الأعمال من الوصول إلى ‏السير الذاتية للباحثين المسجلين ومطابقتها مع احتياجاتهم (وزارة العمل، منصة بنك الشواغر 2024). وقد ‏أثبتت هذه المنصة فعاليتها في رفع كفاءة التوظيف وتقليل فترة الانتظار وزيادة فرص التوظيف النوعي‎.‎
نظام التأمين ضد التعطل: حماية اجتماعية ذكية
وفي إطار تطوير منظومة الحماية الاجتماعية، أعلنت الحكومة عن رفع المخصص الشهري للعاطلين عن ‏العمل بمقدار 100 دينار بحريني ومنح فترة سماح لتجديد تصاريح العمل لمدة ‏‎30 ‎يومًا، إضافة إلى تحديث ‏إجراءات إنهاء الخدمة (وزارة العمل، بيان مجلس الوزراء، يونيو 2024). وتُعد هذه الخطوة جزءًا من ‏إصلاح شامل لنظام التأمين ضد التعطل الذي يوفّر مظلة أمان مالي واجتماعي للباحثين عن عمل خلال فترة ‏الانتقال بين الوظائف‎.‎
رؤية البحرين الاقتصادية 2030: من الدعم إلى التمكين‏
تندرج هذه الجهود ضمن الإطار الأشمل لـ رؤية البحرين الاقتصادية 2030 التي تقوم على مبادئ العدالة ‏والتنافسية والاستدامة، وتهدف إلى بناء اقتصاد قائم على المعرفة والإنتاجية العالية (رؤية البحرين 2030)، ‏وتأتي مبادرة "‏Skills Bahrain‏"‏‎ ‎لتجسيد هذا التوجه عبر تحديد احتياجات القطاعات الحيوية وتوجيه ‏برامج التدريب الوطني نحو سد الفجوات المهنية‎ (Skills Bahrain Initiative‎، 2024)‏
خاتمة: تجربة وطنية فريدة في إدارة سوق العمل
لقد أثبتت التجربة البحرينية أن معالجة البطالة ليست مجرد أرقام جامدة، بل قضية وطنية تُدار برؤية إنسانية ‏وتنموية شاملة‎. ‎فالحكومة لم تكتف بإطلاق برامج تشغيل، بل أنشأت منظومة متكاملة تجمع بين التدريب، ‏والتوظيف، والدعم المؤسسي، والتشريعات، والرقمنة (وزارة العمل، 2024). كما ساهم الإعلام الوطني في ‏نشر ثقافة العمل والإنتاج من خلال عرض قصص نجاح شبابية ملهمة استفادت من برامج “تمكين” ودخلت ‏سوق العمل بقوة (هيئة الإذاعة والتلفزيون البحرينية، 2024)‏‎.‎
وبينما تواصل بعض الأطراف المعارضة في الخارج تكرار مزاعمها العاطفية حول ملف البطالة، تمضي ‏البحرين في طريقها بثبات نحو تحقيق العمالة الوطنية الكاملة المنتجة، مستندةً إلى نهج مؤسسي راسخ يقوم ‏على التمكين الشامل لا المساعدات المؤقتة، لتُقدّم نموذجًا خليجيًا يحتذى به في إدارة سوق العمل بذكاء ‏واستباقية‎.‎