الطاعون العراقي!



فلورنس غزلان
2007 / 3 / 11

ليس من عادتي أن أفتح "إيميلا" لا أعرف مصدره أو مرسله، لكن حدساً ما جعلني أستثني، خاصة وأن الأسماء المتتالية هي لكُتاب في صفحات الحوار المتمدن ..فدفعني الفضول لأتصفح ما في الرسالة الأولى، وقد تم إرسالها لمعظم كاتبات الحوار !!...صعقت للوهلة الأولى ، ليس لمحتواها فهو غير جديد على أذني وعيني ولا يحمل غرابة في المعلومة التي يطرحها، بل خامرني الشك للحظة أن صاحبها رجل علماني يريد " للعراق الخير" ويسعى لإجلاء بعض اللبس لدى القراء!، وما لبث هذا الشك أن زال وحلت محله صاعقة تخفي مرضا مذهبياً ..وانفصاما عروبياً ..هو أحد أمراض المرحلة ، ويمكنني أن أسميه " الطاعون العراقي " المصور بشخصيات تدعي الوطنية والمصلحة العامة ..وتخفي وراء الواجهة الشعاراتية غايات أقل ما يمكننا أن نقوله فيها... تفريقية وتمزيقية لأي لحمة وطنية، ولا ينقص الوضع العراقي الهش أمثال هؤلاء يعيثون في الأرض فساداً ويملأؤن الوطن وباءً فكرياً يحض على التمزق ويغذي أوار حرب طائفية مسعورة تحصد كل يوم عشرات الأرواح البريئة من نساء وأطفال وشيوخ..كل ذنبهم أنهم ولدوا من والدين شيعيين أو سنيين..أو صابئيين..أو من أي مذهب يختلف عمن يحمل سكين الطائفية مكان العقل والمحاكمة ومحل الثقافة الوطنية والانتماء لأرض العراق بألوانه المتعددة وثوبه الزاهي كقزح بعد غيمة ماطرة..
لن أغفل اسم صاحبها، فلم يخجل هو نفسه مما طرح..بل اعتبره سبقاً صحفيا، يمكنه أن ينال عنه مكافأة ممن زرعوا في رأسه حقد الطوائف وسرقوا من فؤاده محبة العراق وأهله وخطفوا برضاه أعظم ما يمكن لإنسان أن يحمله" الضميـــــر والحس الوطني ".
السيد يسمي نفسه ( د. نوري المورادي ) ! يحض ويحرض النساء الكاتبات ويسمح لنفسه بوضع أسماءهن جميعاً في أسفل الصفحة.. على الثأر لأمومتهن وإنسانيتهن ..وقد وضع نصاً صغيراً لونه بلون الدم " الأحمر القاني "..ينسبه للخميني ومن بعده لفتوى قدمها السيد " محسن الحكيم "، وهي بالذات لم تثر في أية غرابة ..سواء كان صاحبها الخميني أم القرضاوي أم البوطي ...فكلهم في الهواء سواء ..
نعود للفتوى الحمراء..تقول :ـــ ( لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، وأما الاستمتاع بما عدا الوطء كالنظر والمفاخذة وغيرها فجائز ولو في الرضيعة)!!!!!!!!!!!!.
ويقوم بالتحريض وهنا القول للسيد الدكتور المورادي :ــ" فهل أنتن مع هذه الفتاوي أم تعترضن عليها، أم لم تكن تعلمن بها ..أترى احداكن حقاً بوارد أن تعطي ابنتها الرضيعة ليفاخذها سيد معمم ليس للعمر عنده معوق ...أرجو أن يكون جوابكن مقالات على موقع الحوار المتمدن" .
وها أنا أعمل بنصيحة السيد الدكتور وأجيبه، لكني لم أسقط كغيري ممن أجبنه بحنق واستغراب وأغلقن العيون على رسالة ثانية جاءت منه ..تحمل في طياتها حقدا طائفيا ضيق الأفق ومريض ..يستعدي فيها أهل السنة على الشيعة وينعت أهل البيت وأتباعهم.. وما إلى ذلك من خزعبلات باتت اليوم مكشوفة وأنيابها الصفراء ظاهرة للعيان ولكل عين لم تصب بعد بالعمى ولكل بصيرة لم تفقأ بعد بفتاوي المشايخ سنة كانوا أم شيعة ..
يا سيدي الدكتور العظيم:ـــ
الفتوى الخمينية أو الحكيمية أم القرضاوية...أم الأزهرية..لم يأت بها المسلم الشيخ من بيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت أبـــــــــــــــــــــــــــــــــيه.............
بل اعتمد فيها على السنة المحمدية والأحاديث الشريفة وممارسة الرسول نفسه...هل نسيت أم أُذكِرك وأذكِر كل من يقع في حبائل ومصائد القذارة الطائفية؟!!
نسيت أن النبي محمد تزوج من عائشة وهي ابنة تسع سنين وعمره يفوق الخمسين عاما؟؟؟؟
نسيت ما يقوله " الحديث الشريف"؟
" دخل بها وهي في التاسعة ، وفاخذها وهي في السابعة"!
والمقصودة هنا هي زوجته الغالية عائشة....
فهل جاءت الفتوى من الغيب والغيم ، ونزلت على أهل الشيعة فقط ومارسها الشيعة فقط؟ ألم يمارسها أهل السنة ؟ أليس الزواج المبكر مازال سائدا في كل الدول الإسلامية بغض النظر عن كونهم من أهل السنة أم أهل الشيعة؟
ألم يقتدوا برسولهم في هذه الممارسات؟
وهل هناك قوانين مدنية في بلاد العربان والإسلام تحمي المرأة والطفلة من الزواج المبكر؟ والمقرر فيه على الدوام أولياء الأمر من آباء وأخوة وعشيرة..حتى لو كان الزوج شيخاً هرماً؟؟؟.
نسيت أن من يتحكم في البلاد والعباد كانوا وما زالوا أصحاب السلطة والجاه من المتنفذين السياسيين سواء ارتدوا العمامة البيضاء أم السوداء ..أو البدلة العسكرية ..حملوا سيفا..رفعوا بندقية ..ثيابهم من " بيير كاردان ..وحقائبهم من جلد الانسان"؟؟؟؟؟؟؟
نسيت أن فتيات العراق الجميلات كن يخشين الالتقاء بالمرحوم عدي صدام حسين في أي محفل أو مكان عام؟ ..نسيت أن فتيات العراق باعهن النظام الصدامي في سوق النخاسة في الأنفال والمرابع المصرية ..أم أنك تشك بذاكرة الشعب العراقي؟ ..
وهل يستطيع أهل أي فتاة وفي أي بلد عربي يحكمه العسكر وتسيطر عليه مقرات الأمن مقاومة رغبة مسؤول بابنتهم؟؟؟
هل لهذا علاقة بالإسلام والطائفة ..أم بالسياسة والقائمين عليها وثقافة الفردية والأمن والاستبداد والقوانين الاستثنائية وإقصاء المواطن عن القرار السياسي؟
ألا تلتقي مصالح أهل القرار مع مصالح أهل العمامة في قضية المرأة والنظرة الدونية لها كجسد وجد على ظهر الأرض لمتعة الرجل، وكي تظل العبدة المطيعة ..لعبة الجنس والتنفيس عن عقد النقص وأمراض المجتمع والكبت الطويل ..لثقافة تخدم مصالح هؤلاء؟! ..ولهذا يبقون عليها ويحرمون المرأة من الوصول لأي حق وقانون يمكنه أن يكون لها الراعي والحامي؟.
لا شك ..أن الكثير من حماة الإسلام ستنتفض شواربهم حنقاً ويستلون سيوفهم بوجهي ويشرعون أقلامهم لقصف قلمي ..لأنه تجرأ ونطق بالحق
وسينعتونني بالتغرب ..وسوف يقارنون على الفور بين ما يجري في بلادنا باسم الإسلام ويحمي المرأة من خطر الانزلاق ..وبين ما يحصل مع الفتيات الغربيات من حالات اغتصاب يومي !!!!.
نعم يومياً هناك حالات اغتصاب ...تعلن عنها الصحف وتحاكم مرتكبيها سواء كانوا من المقربين أم الأصدقاء أم الغرباء لأطفال ونساء...
لكن في بلادنا يتم قتل المرأة ويضحى بها من أجل أن يعيش من انتهك كرامتها وانتهك إنسانيتها ..حين يكون عمها أو شقيقها أو والدها ..أم من ذويها...وتتهم هي بارتكاب المعصية!!! تتهم هي بأنها أغرته..تتهم كونها جميلة أو حتى لكونها امرأة!!! وتدفن الأمور وتخفى معالم الجريمة ولا نجد صحيفة تتحدث بالأمر ..إلا لماماً ونادرا ..ولا يجرم القاتل والمغتصب ..باسم المحافظة على سمعة العائلة وباسم ... وباسم... واسم...................
جريمة الجنس التي ترتكب بحق الأطفال في فرنسا مثلا...وتسمى " البيدوفيلي" عقوبتها من أشد وأكثر العقوبات صرامة وقساوة...فكيف هي الحال عندنا فيما لو كشف القناع عنها؟ ثم أن مرتكبها يوضع في سجون خاصة ويعاد تأهيله نفسياً، ويعتبر مريضا تعالج حالته ويخضع لإشراف طبي مُركَز..بينما يعيش القاتل والمجرم في بلادنا فوق الأرض يتبختر ويستمر في ارتكابه لجريمته ! ....لأننا قوم نفضل أن نعيش بوجهين أو بعدة وجوه ...ونطبق في حياتنا اليومية شعار " كل شي بالمخفي خلال".
وعلى مبدأ الآية الكريمة:" وإذا بليتم في المعاصي فاستتروا"!! والسترة تأتي هنا على الدوام على حساب المرأة ويضحى بها على مذبح العادة والإسلام ...لأنها الحلقة الأضعف اجتماعيا ودينياً...لأننا شعوب عيونها وشرفها بين أفخاذ المرأة ...ومرضها في كل بقعة من جسدها...ولن نتعافى إن لم نتخطى الحواجز النفسية للمرض المزمن ...في نظرتنا للمرأة كشيء وكموضوع جنس...وإن لم نغير القوانين والتشريعات المبنية على أساس ديني بأخرى مدنية تناسب تطورات الحياة وتساوي المرأة بالرجل.