رزيقة شريف ضحيتك يا وطني .

صالح حمّاية

2015 / 11 / 11

في حالة من الانحطاط الحضاري و الإنساني لا مثيل لها ، قرر الجزائريون وبالعموم أن يقفوا ضد مشروع تجريم التحرش، حين قررت السلطة تمريره عن طريق البرلمان ، فالرجال مثلا زعموا أن هذا القانون سيكون عونا للنساء للتجبر عليهم ، وعليه رفضوه بحجة انه يخل بمبدأ المساواة الذي يستلزم سن قانون أخر يجرم تحرش النساء بهم بالضرورة !! أما الإسلاميون وكعادتهم مع كل ما يحمي المرأة فقد رؤوا أن القانون فيه تعدي على ديانة الإسلام ، حيث احتجوا كيف يمكن أن يُسن قانون يحمي المرأة من التحرش ، و دين الإسلام الذي هو دين الدولة كما قالوا يبيح للرجل حق التحرش بكل أنثى كسياسة لردعها عن الخروج و التجول بحرية ، أما الإعلام الجزائري "الأصفر " فهو لم يكن ليشذ عن القاعدة طبعا، فقد تنبى الإعلام وجهة النظر الذكورية، و الإسلامية اتجاه القانون ، وراح يمارس التحريض العلني عليه واصفا إياه بكل الأوصاف و النعوت ، حتى انتهى الأمر بالسلطة في الأخير إلى التراجع عنه ، حيث وبعد ان تم تمرير القانون في الغرفة العليا للبرلمان ( مجلس الشعب ) فقد عاد القانون ليجمد في الغرفة السفلي ( مجلس الامة ) لينتهي الحال بذلك القانون ، والقانون الأخر الخاص بتجريم العنف ضد النساء، إلى أن يقبرا ، و طبعا فرح الجميع بعد هذا الأمر بالنصر الذي حققوه ، كيف لا و هم منعوا المرأة من الحصول على قانون يكون في صفها ، ومنعوا الجزائر من ان تدخل نادي الدولة التي تحترم المرأة وتسعى لترقية حقوقها ، و لكن ماذا كانت النتيجة بعد هذا الموقف المخزي الذي تم ؟.

النتيجة طبعا كانت ان المتحرشين في الجزائر اعتبروا هذا نصرا لهم هم كذلك على المرأة ، و أنه تأييد ضمني لما يفعلونه ، وعليه بدأت حالات العنف و التحرش تتضاعف ضد المرأة ، على غرار ما جرى في تلمسان لأحد الفتيات حيث تم تعريتها في الشارع من قبل بعض المختلين ، وهو الأمر الذي لم تتحرك له الداخلية الجزائرية او تتصرف معه حتى الآن ، رغم ان الجناة كانت وجوههم مكشوفة و مصورة في فيديو ، وصرخت الفتاة التي أعتدي عليها بالنداء على سيارة الشرطة ( وهيبة عيّطي للفيطو ) لا يزال صداها يتكرر ، لينتهي الحال للجريمة النكراء التي طالت الشابة رزيقة شريف ، و رزيقة شريف لمن لا يعلم ما جرى لها هي طالبة جامعية كانت تسير في احد الشوارع في مدينة المسيلة الجزائرية ، وقد صادفت احد المتحرشين المتطفلين يحاول التقرب منها ، و حينما رفضته ، فقام هذا المجرم بدسها بسيارته عدت مرات إمعانا منه في محاولة النيل منها ، ليتركها جثة هامدة و قد تهشم رأسها ، و خرج دماغها ليتناثر في الشارع ، وهي الحادثة التي لا تنبئ سوى بحالة من الإحتقار و الدونية يحملها هذا المجرم للمراة بشكل عام ف ما الذي يدفع أنسانا ليحمل كل ذلك الغل اتجاه الأنثى حتى يفعل تلك الجريمة البشعة ؟ ، ثم ما الذي يجعله لا يتورع عن القيام بتلك الجريمة بدون أي خوف ؟.

في الواقع وبتصوري فتلك الجريمة ليست سوى نتيجة لتك الحالة من الانحطاط الحضاري و الإنساني التي سبقت تجميد قانون التحرش ، فحين يرى ذلك المجرم مجتمعا كاملا يتجند في سبيل منع قانون يحاسبه على التحرش بالفتيات ، فلا شك هذا سيشجعه في فعل ما أقدم عليه ، فالله و الشعب و الدولة كلها معه في حقه في التحرش بالفتيات ، فلماذا يخاف ، الشيء الأخر هي حالة الاحتقار التي أبداها المجتمع و نخبته اتجاه المرأة ، فهذه النظرة كانت حافزا آخر له لكي لا يرى في قتلها أي خطئيه ، فالمرأة وعلى قول الإسلاميين كائن يستحق الضرب، فدين الدولة الإسلام يحتقرهن و يبخسن ويراهن أكثر أهل النار ، ويراهن يستحققن الضرب ، و أنهن عورات ، لهذا فلماذا عليه ان يحترم هذا الكائن الحقير المدعو المرأة ؟ فهل سيكون احن على المرأة من الرب خلقها و الذي أمر بضربها ؟ و طبعا ومن هذه الأفكار المنحطة و السقيمة جاءت تلك الجريمة البشعة ، حيث ذلك المجرم لم يرى في رزيقة سوى شيء حقير لا قيمة له ، وفي أحسن الأحوال فقد عاملها كصرصور كبير الحجم ، حيث بدل أن يدهسه بقدمه ، فقد قام بدسه بسيارته مرة و اثنين حتى ويموت ، وهكذا كانت الفاجعة ، فتاة تدهس كما تدهس الصراصير أمام أعين المجتمع المريض الذي شجع على هذه الجريمة ، والذي اليوم لا يمكنه أن يمسح هذا العار عنه مهما فعل ، فرغم المطالبات التي ترتفع اليوم لتمرير قانون تجريمه التحرش ، وهو اقل شيء يمكن لهذا المجتمع أن يفعله لو كان فيه ذرة ضمير ، الا أن هذا يبقى غير كافي ، فقضية رزيقة اكبر من مسألة تمرير مشروع هو واجب و مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى ، بل القضية هي في ضرورة تغيير هذه النظرة المنحطة و البائسة التي كانت السبب في منع تمرير القانون من الأساس ، فأي مجتمع هذا الذي تجد فيها سياسيين و أحزاب كل منجزاتها هي أن تحافظ وتتمسك بكل ما هو رجعي و بائس ، و اي إعلام هذا الذي لا يحمل أي قيمة أخلاقية في رسالته سوى تدعيم وتسييد الجهل والتخلف ، أما عن المجتمع فهذا المجتمع عليه ان يخجل مليون مرة عن ذلك الموقف المخزي الذي وقفه ، فهل يمكن تخيل مجتمع ينتفض من اجل الحفاظ على حق التحرش و ضرب النساء ، وان يدعي أنه مجتمع سوي ومتحضر ؟ .

عموما ومهما يكن فقد أتبت الجريمة بحق رزيقة شريف، أننا أمام مجتمع هو عدو لأفراده، خاصة الضعفاء منه كالمرأة ، فالمجتمع الجزائري أبان عن انحطاط أخلاقي لا مثيل له ، وهو يقف في وجه إقرار مشروع لا يعتبر سوى محاولة لإحقاق للحق ، وعليه فحين تحصل جريمة كجريمة دهس رزيقة ، فهي جريمة هذا المجتمع وهذا الوطن ، قبل أن تكون جريمة ذلك الفرد ، فلولا المجتمع الجزائري الذي منحه الأعذار لما كان فعل ما فعل ، ولو ان الدولة الجزائرية تدخلت لحماية البنات على غرار فتاة تلمسان التي جعلها الأغلبية محل سخرية ، وهي تنادي لسيارة الشرطة ، لما أنتهى الحال إلى الجريمة التي طالت رزيقة شريف .






https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة