الشباب شريان الحياة وعنفوانها

إيمان أحمد ونوس
eman59@gmail.com

2016 / 2 / 7


تُبنى تطلعات ومستقبل سائر المجتمعات البشرية في جانب كبير منه، على ما يتصف به جيل الشباب فيها، باعتبارهم القوة الحقيقية الفعّالة في ميادين متعددة ومتنوعة، وذلك بسبب امتلاكهم خاصيّتين تميّزهما عن باقي أفراد المجتمع، وهما: خاصية الحركة والنشاط التي يمتلكونها، وخاصيّة المرونة الذهنية التي تؤهلهم لاستقبال وتلقي كافة أشكال المتغيّرات سواء في ميادين العلوم، أو الرياضة، أو الفنون، أو أيّ نوع من أنواع الأنشطة الإنسانية.
ولهذا، فإن المجتمعات والأنظمة التي تريد أن تسمو وترتقي، أوّل ما تعوّل على جيل الشباب هذا، فتمنحه كل ما يحتاجه بدايةً على المستوى الشخصي، من حيث تلبية الاحتياجات النفسية والفكرية والجسدية التي تؤهله بالفعل للقيام بالدور المنوط به في المجتمع. ومن ثمّ تقدّم له كل ما من شأنه أن يساعده على العلم والإبداع، كي ينهض بذاته وبمجتمعه وبلده، خاصة أنه لا يقبل بالضغط والقهر مهما كانت الجهة التي ترأس هذا الضغط عليه سواء كانت سلطة أو أسرة، وهذا السلوك جزء من العنفوان الداخلي للشباب والاعتداد بالنفس وعدم الامتثال للسلطة كتوجه تقدمي، إضافة إلى امتلاكه درجة عالية من الديناميكية والحيوية والمرونة، المتسمة بالاندفاع والانطلاق والتحرر والتضحية.
لكن، ورغم كل ما يمتلكه الشباب الذي يُعتبر الثروة الأهم في بناء الحياة، فإننا ما زلنا في مجتمعات(أفراداً وحكومات)، والمُصنّفة من المجتمعات النامية أو المتخلّفة، لا تألُ جهداً في وضع جميع العراقيل أمام جيل الشباب، ومنذ مراحل حياتهم الأولى، وفوق كل هذا، فإن أقل ما هو شائع من صفات تُطلق عليهم، هي العبثية واللامبالاة والتسطيح و..... الخ من صفات أرى أنها مجافية للحقيقة في جزء كبير منها، حيث أن شرائح غير قليلة من هؤلاء الشباب يحملون من مفاهيم التطور والعلم ما يمكنهم من مجاراة تقنيات العصر ومفاهيمه الحديثة، بحكم تمتعهم بروح المحاولة والاكتشاف.
لقد عززت المتغيّرات التي طالت المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة ما نقول، من حيث امتلاك أولئك الشباب روحاً مبدعة خلاّقة في التعامل مع أزمات المجتمع، وكوارثه في كثير من الأحيان، وذلك من خلال مجموعات عمل ميدانية تحاول جاهدة النهوض بالأفراد والمجتمع من قاع الحرب والموت والإرهاب إلى فضاءات أكثر إنسانية، من أجل تجاوز ما تعيشه تلك المجتمعات بأقل الخسائر المحتومة.
فهناك العديد منهم(الجنسين طبعاً) يعملون في منظمات مدنية تعمل على معالجة الأطفال الذين تواجدوا في مناطق ساخنة، معالجة نفسية، من أجل تخفيف حدّة ما عايشوه وشاهدوه، أو تعرضوا له مع أسرهم.
إضافة إلى مجموعات أخرى تعمل على إعادة العديد من أولئك الأطفال إلى تلقي التعليم ولو بالحدود الدنيا ضمن الإمكانات المُتاحة لديهم، وبعضهم لجأ إلى أنواع من الفنون علّها تُساهم ولو بالجزء اليسير في محاولة لتخفيف الآثار الكارثية لتلك الحرب.
أيضاً، قيام العديد منهم بالعمل في مجموعات تُعنى بتخفيف آثار كافة أشكال العنف المُمارس على المرأة جرّاء ما يجري، وتقديم المساعدة الممكنة لأولئك النساء، كي يتمكّنَّ من تجاوز ما ابتلين به، والعودة للحياة وأسرهم بشكل شبه طبيعي.
وهناك الشباب الذين يعملون في مراكز الإيواء على مساعدة الموجودين في كل ما يحتاجون، ولا يمكننا أن نتجاهل العديد من الشباب المتطوعين في الهلال الأحمر، والذين يتعرضون للموت في كل لحظة(وقد استُشهد العديد منهم) أثناء تواجدهم في مناطق المعارك، للقيام بأعمال الإغاثة وإسعاف المحتاجين.
إنها جهود جبّارة واستثنائية، في ظروف قاهرة واستثنائية أيضاً، جهود علينا كمجتمع وحكومة تقديرها واحترامها والاعتراف بضرورتها وأهميتها في وقتنا العصيب هذا، ومحاولة تقديم كل ما يمكن ويلزم لأولئك الشباب من أجل الاستمرار في أعمالهم تلك، لاسيما من قبل الحكومة المعنية أكثر بإيجاد الفرص والحلول لشرائح شردتها الحرب، وحرمتها نعمة الاستقرار والأمان.
كما على الحكومة أولاً وقبل كل شيء، الإيمان بأن الشباب بما يمتلكونه من فضول وحب استطلاع، ولأنهم دائمو السؤال والاستفسار في محاولة لإدراك ما يدور من حولهم والإلمام بأكبر قدر من المعرفة المكتسبة مجتمعياً، هم عماد الأوطان ومستقبلها، ومن ثمّ إفساح المجال رحباً أمام ما تبقى منهم، للاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم الهائلة من أجل النهوض بالمجتمع من آلام وخسائر ما جرى من جهة، ومن جهة أخرى كي تكون إعادة الإعمار بأيدي وعقول هؤلاء الشباب الذين آثروا البقاء في وطنهم رغم كل ما جرى، ورغم معاناتهم اليومية جرّاء بطالة تخطّت النسب العالمية بأرقام مرعبة.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة