فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(3).

ماجد الشمري

2017 / 4 / 14

في الثقافة الذكورية القديمة رسخ ترميز المرأة بالارض-ولاحقا في الفكر الحديث-بالوطن!.وبهذا التجريد والاختزال للمرأة فقدت ماهيتها وجوهرها الانساني،بالتماهي والمماثلة مع الارض!.فكينونتها البشرية توارت لصالح طبيعتها الارضية كمادة:للحرث والبذر والزرع،وغرس النطف والبذور.فهي المرأة-الارض لانتاج سنابل وأجنة ودورة الحياة ولاشيء اخر.فلا كيان او اعتبار لها كفرد وشخصية وذات في وحدة النوع البشري.وهذا الامر لم يقتصر على الثقافة الاجتماعية الشعبية،بل تعداه شاملا حتى النخبة العالمة من المثقفين.وصار جزءا ثابتا في طيات البنية السايكولوجية للفرد والجماعة،اجتماعيا وسياسيا. وايديولوجيا..وهذا رافد من الروافد التي تصب في بحر الخوف من المرأة-ولو بشكل ملتوي ولاواع،سواء عند الرجل وايضا المرأة!-..فعن المرأة -الارض لنقرأ ماكتبته سيمون دوبوفوار-المرأة الفيلسوفة!-حيث تقول عن المرأة:"في وجهها ظلمات وغياهب،وهي السديم الذي بزغ منه كل شيء والذي سينتهي اليه كل شيء،ولا شيء الا الظلمة في احشاء الارض،وهذه الظلمة التي تهدد بأبتلاع الرجل،وتشكل نقيض الاخصاب،تثير الهلع في نفسه"!.هكذا اذن هي المرأة حتى عند المرأة المفكرة:غياهب وسديم وظلمة كثيفة تهدد بالابتلاع وتثير الرعب والهلع لدى قرينها الرجل؟!..وليس هناك لافي التراث الغابر ولا الحاضر موضوعة الرجل-الارض او الرجل-الوطن!.فهو ابدا الذات والارادة والفاعل التاريخي،وللمرأة دور الطبيعة المفعول بها والمشكلة حسب مايرغب ويروم!.وهذا الربط-كما قلنا -بين المرأة والارض تم تجذيره بتنويع طرفه المرأة دائما:المرأة-الوطن-المنزل-المأوى-السكن-رحم الطفل-الرجل.والقبر الارضي!.. الخ.ليس ربطا من قبيل الصدفة او الاعتباط..ففي العديد من الثقافات والديانات كان يعهد للمرأة بأداء او الاشراف على المناسك والشعائر المأتمية،والعناية بجثث الموتى وعمليات الدفن.فقد اعتبرن-النساء-الاقرب والاكثر اتصالا من الرجال بدورة الحياة-العود الابدي-.وهي-المرأة-التي تقود الكائنات من الحياة الى الموت،ومن الموت الى الحياة-رحمها ورحم الارض،رحما الحياة والموت!-.فالنساء هن من يمنحن الحياة دائما،ولكن هن ايضا من ينتزعها!.ولهذا نجد كثرة وتعدد اسماء آاهات الموت الاناث في الميثولوجيات والاديان.حيث راجت وانتشرت الاساطير والتصورات الخرافية في ثقافات الشعوب البدائية-القديمة عن المسوخ والغيلان والوحوش الانثوية!.ف"الام الغولة"هي شخصية عامة وشهيرة وقديمة بقدم عادة أكل لحوم البشر،وقدم التاريخ البشري بالذات،ولو بصور وانماط متعددة بتعدد البيئات ومناطق العالم.فوفق ذلك يمكن اعتبار(ميديا)الشخصية الميثولوجية اليونانية صورة من صورها.وليس هناك من صورة عن"الرجل الغول"طبعا!.فكل انتاج ايديولوجي في الحقل الثقافي-الديني،وحتى اللغة واسماء الاشياء هو ذكوري بأمتياز ويصب في مصلحة الرجال ويخدمدهم من جانب،ويشيطن المرأة ماسخا صورتها كمركز دائرة لكل الشرور من الجانب الاخر..ففي القرن15و16و17اقيمت المحارق،وجرى حرق النساء بالآلاف بتهمة:السحر الشيطاني والشعوذة،وقتل الاطفال الصغار،وتقديمهم قربانا لسيدهن الشيطان!.ووراء هذه الادانه والتحريم والخوف والغواية كان يقف-وان في اغوار اللاشعور،وماوراء الوعي-الخوف الكبير،والذي لاعمر له من المرأة!.وربما كانت الالهه الهندوسية(كالي)أم الدنيا هي الاكثر تجسيدا وابداعا في تصور ومخيلة العقلية الذكورية عن المرأة .-الالهه المدمرة والخلاقة معا في الموروث الثقافي-الديني الهندي.فهذه الربه الجميلة،والمتعطشة للدماء في نفس الان.هي الالهه الاخطر،المبتلعة للحياة،والتي يقدم لها سنويا الآلالف من الاضاحي الحيوانية-بدل الضحايا البشرية!-.فهي المبدأ الامومي الاعمى،والذي يشحذ التجديد العقدي-الديني ويحفزه للاستمرار والديمومة.ف(كالي)هي وراء انبجاس واصل الحياة وتفجرها.ولكنها ايضا وراء تفشي مظاهر الدمار والخراب من:طاعون وحروب وزوابع وحرارة مميتة!..هناك نسخ اخرى من كالي هي يونانية المنشأ،ولكنها جماعية:كالمفترسات(الامزونيات)ملتهمات اللحم البشري(الذكوري)!.وهناك ايضا(الايرينيات)ربات الانتقام الرهيبات واللائي كن يثرن الفزع والهلع لدى اليونانيين،فلا يجروء احد حتى على التلفظ بأسمائهن!..وكما شاهدنا،فالرهاب الذكوري المرضي من المرأة يتخطى بأشواط حدود الخوف من الخصاء فقط ،ذلك الذي ركز عليه فرويد واسهب كثيرا في عرضه.ولكنه ليس خاطئا كليا،بشرط تجاوز رغبة المرأة بأمتلاك قضيب!.وجعلها جزئية في تفسير اشكالية وضع المرأة وصورتها الكالحة بالمنظار الذكوري المنحاز والمتحامل.ونظرية فرويد تلك،والتي عدها التحليل النفسي في بداياته،كفرضية مركزية مسلما بها،وبني على اساسها عمارة سايكولوجيا التحليل النفسي الضخمة،والمفتقرة للدعم البرهاني،والادلة الكافية المقنعة والعلمية.ان الملفات السريرية والميثولوجية وتاريخ الثقافات المدون يحفل بكثير من المؤشرات والدلائل الكافية والقاطعة على خوف الرجل لا المرأة من الخصاء!.فالقضيب بالنسبة للرجل هو الدالة الوافعية والرمزية على سيادته وشرفه وهيمنته الشاملة،وجوهر ومحك تفوقه وتراتبيته الذكورية كرب اصغر وقوام على المرأة:دينيا -ثقافيا واجتماعيا-اقتصاديا.وما يشكله هذا الامر من هاجس دائم متوتر،وفوبيا مستعرة،وقلق هستيري، وتهديد من فقدانه سلاحه الامضى ومعيار رجولته وسموه على المرأة:قضيبه المنتعظ!.وهذا عامل مهم في استبطان المرأة المتراكم عبر العصور،اللاواعي لدونيتها وهامشيتها واحساسها بالنقص امام الرجل لتميزه بهذا النتوء البارز الذي حرمت منه وهو يتفاخربه متبخترا!.
جرى احصاء ورصد العديد من الحالات المختلفة لوهم"الرحم المسنن"المخيف لدى الهنود الحمر في امريكا الشمالية!.هذه الخرافة موجودة في الهند ايضا،ولكن بنسخة مختلفة ادخل عليها بعض التعديل -بحكم البيئة والاختلاف الثقافي-على نحو بليغ الدلالة والايحاء للرهاب من المرأة،فهنا ليس للرحم اسنان هذه المرة،بل هو محشو بالثعابين!.لم تنفك المرأة عن اثارة وتحفيز الخوف والقلق في لاوعي الرجل،ليس لانها الحكم على مدى فحولته وانتعاض قضيبه وقوته الجنسية العارمة فحسب،بل ولانه يعتقد ان المرأة-وحش جنسي!-لاتشبع ولاترتوي،ثقب اسود يلتهم كل شيء!.فرج ملتهب بنار جهنمية متأججة لاتنطفيء،وبحاجة مستمرة لمزيد من الحطب-العضوي لاضرامها وتصاعد سعيرها.فم جائع مفتوح الشدقين لايكف عن المضخ والابتلاع،وكأن المرأة مسخ يفترس عضوه-قضيبه المقدس!-..وهذا ماتناوله سارتر في واحدة من رواياته:"كتلك الحشرة المعرفة بأسم"الراهبة"..الرجل يرتعب من الافتراسية الجنسية المخيفة للمرأة!.ذلك الرهاب الذي جرى تشبيهه في حكاية من التراث(المالي)الافريقي:بقرعة ضخمة تتدحرج مبتلعة كل ماتصادفه في طريقها!..او بتخيل حواء في صورة محيط واسع تتلاطم امواجه العالية،وتعوم فوقه سفينة الرجل المترنحة المتداعية!..او في صورة هوة سحيقة فاغرة تجذبه لقعرها السحيق!..ابو بحيرة عميقة!..او بئر بلا قرار!.ان الفراغ المظلم المفتوح للفرج هو الوجه الانثوي المعبر عن الهلاك والتلاشي،المولد نفسيا لاكثر الصور ارعابا وخشية لدى الرجل من المرأة-الهيدرا!.لذلك يبذل اقصى مايستطيع من جهد وعناء لمقاومة الاغراء،وسحر الاغواء المريب الشرير القاتل!.انه صراع خاسر!.يستسلم فيه الرجل ويعلن اندحاره في لعبة الصراع الجنسي مع المرأة-الشيطان!.فهي قدره او مصيره المشؤوم،وهي من تعيقه من ان يكون ذاته ويحققها،ويرتفع بروحانيته وسموه،من ادران المادة والجنس،واهتدائه لخلاصه واقترابه من الله-فهو خالقه على صورته والمتحالف معه ضد ربيبة ابليس!-...وسواء اكانت المرأة زوجة او عشيقة او حتى ام او اخت،تبقى المرأة دوما هي سجان الرجل وجلاده-رغم ان الواقع هو العكس تماما فهو سجانها وجلادها لاهي!-وكما فعل "يوليسيس"و"كونزا لكواتل"بمقاومة الاغراءات والاغواء الانثوي الشرير والمميت اثناء قيامهم بمغامراتهم وتجاربهم الكبرى.فمن يقع تحت اغراء"كركه"يفقد ذاته ويمسخ الى خنزير!.ومن الهند الى امريكا،ومن نصوص هوميروس الى الاهاجي المتزمتة والعدائية لمعارضي الاصلاح الديني.نجد دائما تلك النمطية التقليدية في تقديم الرجل-الضحية امام دهاء وحيل ومكائدالمرأة1.الرجل المسكين الذي يقع في حبائل وشباك الغواية الجنسية الخبيثة الشيطانية،وضياعه وهلاكه لانه استسلم وخضع للمرأة-الساحرة.فسقوط الرجل وانحرافه عن السوية تقف وراءه وفي كل الثقافات والاديان المرأة لاغيرها ،الضلع الاعوج-الافعى الذي نكب الرجل بضياع الفردوس ،وسقوط الرجل-خليفة الله المخدوع ونسخته البشرية!!!.
............................................................................................
يتبع.

وعلى الاخاء نلتقي...



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة