نوال السعداوي شامخة رغم أنف الحاقدين

عفراء علوي محمدي
afraealaouimhamdi@gmail.com

2017 / 8 / 22

هي لمن لا يعرفها مصرية في خريفها الخامس والثمانين، كاتبة وأديبة وفاعلة حقوقية، كرست حياتها كاملة في الدفاع عن حقوق المرأة، مطالبة بتحريرها من هالة المجتمع الذكوري وغطرسته. اشتهرت بأعمال أدبية وفكرية جريئة تنتصر فيها للقيم الإنسانية والحقوقية ومبادئ المساواة بين الطبقات والشعوب والجنسين.

هي مناضلة شرسة وثائرة قوية ضد كل ما يدعوا للاستبداد في المجتمعات العربية، كانت منذ سنين ولا تزال محاربة لكل الأفكار الجاهزة والتقليدانية التي ينشأ عليها العرب منذ نعومة أظفارهم عن طريق التربية والتعليم والتأويل المتوارث والخاطئ للنص الديني. أفكار هي كالمسلمات، يسعى من خلالها الحكام والأنظمة السياسة إلى تقييد المجتمع وتكبيل حريته وسلب إرادته في التفكير والنقد وتمحيص الأشياء، حتى يسهل التحكم فيه وتدويره في الكف كعجينة مائعة.

عرفت الناشطة الحقوقية بدفاعها المستميت عن حقوق المرأة العربية، انتقدت دائما مجتمعا يقلص من قيمتها ويحصرها في خدمة الرجل وطاعته وتربية الأبناء دون تحقيق للذات، مجتمع يشير للمرأة المتحررة الثائرة عن العرف والتقاليد بأصابع الخزي والعار، مجتمع يسجنها داخل جدران بيت الوالدين قبل جدران بيت الزوج، بدعوى أن مصيرها ذلك هو عين الصواب، وأن تحررها من جل القيود ترف لن يقود سوى لفساد الأمة، مجتمع يشفع للذكور أخطاءهم، ويلوم الإناث عن أبسط الهفوات..

المناضلة نوال السعداوي، أو سيمون دي بوفوار العرب، لبت دعوة مهرجان ثويزة بطنجة وحظيت بلقب ضيفة شرف دورته الثالثة عشر، جاءت لتتواصل مع محبيها ومتتبعيها بالمغرب، اقتسمت مع الحضور أفكارها وتأملاتها وطموحاتها في تغيير قولبة المجتمع وتحريره، كان كلامها عفويا حضر العشرات لسماعه بقاعة ملئت عن آخرها، وكانت الابتسامة تعلو محياها عند تواصلها ذاك مع جمهورها المغربي.

تقول الناشطة الحقوقية إن الحاكم يعتمد على المعطى الديني والعرفي لتهميش حقوق النساء، والمرأة تخضع لجميع أشكال التمييز في الوطن العربي الذي يضع الرجل بمكانة أسمى وأرقى. تقول الناشطة أيضا أن خضوع المرأة لزوجها وطاعتها له تعتبر عبودية وليست رباط زواج، مصرحة أن الزوجة لا يجب أن تقبل هذا الأمر وتقهر ذاتها، ويجب على جميع النساء أن تكسرن حواجز الخوف من كلام الناس وأن تكن مستقلات عن مجتمع يعتبر وجود المرأة مرتبطا بخدمة الرجل فقط. وأما بخصوص نظام الإرث، تقول نوال: "لا قانون ثابت في الميراث، والقوانين الدينية غير ثابتة، لأن أكثر الأسر تعيلها النساء المضطهدات والمتضررات من المجتمع الأبوي".

ما تتناوله نوال السعداوي من مواضيع، وجرأتها الكبيرة في الدفاع عن حقوق المرأة في مجتمع لا يعترف بهذه الحقوق، يجلب لها الكثير من المتاعب أينما حلت وارتحلت في الوطن العربي... وفي المغرب أيضا لم يكن لأغلبية من سمعوا بحديثها في المهرجان، وجلهم لم يشاهدوا المداخلة سوى بمواقع التواصل الاجتماعي أو لم يشاهدوها إذ سمعوا عنها فقط، بد من انتقادها ومهاجمتها بأبشع النعوت، هناك منهم من وصفها بالمشعوذة، وآخرون قالوا أنها عجوز شمطاء، وأنها ملحدة وكافرة، وكلهم يدعون أن ما تروجه من أفكار ورؤى سيفسد المجتمع ويقود به إلى الهاوية.

أغلب هؤلاء، هذا إن لم نقل كلهم، لم يسمعوا قط بنوال، ولا بنضالها، ولا بكفاحها منذ ستين سنة في سبيل تحرير المرأة وضمان حقوقها، لا يعرفون أن نوال لها من الكتب العشرات، منها الفكرية والأدبية، وقد رشحت لنيل جائزة نوبل للآداب ثلاث مرات دون أن تحصل عليها، وتنوي الآن الترشيح للمرة الرابعة، لا يعرفون أن نوال قد خرجت من قوقعة بالية مظلمة لم يتحرروا منها هم، أو يرفضون التحرر منها وخصوصا منهم الذكور، حتى يتلذذوا في إبقاء المرأة تحت سيطرتهم مدى الحياة.. يتحججون بالإسلام، ولا شك أنهم لا يعرفون شيئا عن هذا الدين، يتحججون بضياع نظام المجتمع المحافظ الشريف، ولا يعرفون أن هذا المجتمع الذي يدافعون عنه لم يعد نافعا في دول الديمقراطية والحق والقانون، مجتمع لا يحترمهم كما لا يحترم النساء، ويهب السلطة للقوي حتى يأكل الضعيف كما هو الحال في قانون الغاب.

أتساءل دائما: لمَ الحديث عن حق المرأة في التحرر وفرض الذات بالمجتمع، أو في المساواة مع الرجل في الكرامة والحقوق المدنية، يصبح صوتا كالضجيج المثير للغضب في آذان أغلب المتلقين؟ لمَ دائما حينما يوصي بعض الأشخاص بضرورة تغيير نظام الإرث، مادامت المرأة تعول عائلات كثيرة الآن، واستبداله بالوصية التي ليست بالحرام في الإسلام، لمَ يتم تكفير هؤلاء في الحين، واتهامهم بالردة والإلحاد؟ لمَ الكلام عما تتجرع المرأة من الويلات في مجتمع يحصر قيمتها في خدمة الزوج، ويهينها إذا ما امتنعت عن ذلك، يلقى الرفض من قبل النساء أنفسهم قبل الرجال؟ لمَ حين نتحدث عن كل هذه المشاكل التي تقيس الجنس الثاني الضعيف نجد حزبا سديدا من المعارضين، يقفون وسط الطريق، ويمنعون عنا الكلام بدعوى أننا تهدد استقرار المجتمع ووحدته، وهذا كما حصل تماما مع نوال. لكن عن أي استقرار ووحدة يتحدثون؟

منتقدي نوال لا يجرؤون على التفكير في وضع المرأة ولا في مشروعية حقوقها، ولا يجيدون سوى الانتقاد دون علم، فعقولهم بلا شك موبوءة بحمولات اجتماعية سحيقة أكل عليها الدهر وشرب، تقادمت ولم تعد لتساير ما تعرفه مجتمعات أخرى متقدمة من احترام للإنسان وضمان لحقوقه كاملة، هذه الحمولات تمنعهم من الرقي بتصوراتهم ومواكبة ما وصل إليه العالم الأول، بالتصدي لكل ما من شأنه أن يظلم الكائن البشري، هذه الحمولات هي نتاج عن ما نتلقاه في مجتمعنا من نظام التربية والتعليم والعرف والتقليد، وهي صالحة لتكميم العقول قبل الأفواه، حيث تدفع الأفراد للامتثال والخضوع بشكل ساذج، وتهضم وتسلب حقوقهم، وخصوصا منهم الفقراء وضعفاء والنساء.

الواقع الذي لا يقبل المنطق الجدال فيه، هو أن المرأة في مجتمعنا مضطهدة بحق، فهي الضعيفة التي تخاف بطش الذئاب وقطاع الطرق، من لصوص ومتحرشين ومغتصبين، هي المسكينة التي تمكث في بيت أبويها لتتعلم أشغال ستنفعها بعد زواجها، من طبخ وكنس وتنظيف وغسل للملابس، وتضحي بدراستها وعملها وطموحها وأحلامها بمجرد ما يطل عليها أول الخطاب، فتسرع بالزواج منه حتى لا ينعتها الجيران والأقارب بـ"البايرة"، وتخدم زوجها بطاعة وخضوع حتى لا يطلقها فتواجه نفس مصير "البايرة" التي لا يرحمها كلام الناس. هي أسيرة الجدران التي لا تغادرها إلا بعلم زوجها ولا تدخلها إلا بعد الخروج بدقائق أو سويعات على الأكثر، وذلك حتى لا يتم تهشيم أنفها. وأما الزوج فمهما تأخر فإنه عاذر، ومهما أخطأ فهو عاذر، ومهما تملص من مسؤولياته فلا حرج عليه.

مهما كان، لا يمكن إلا أن نقدر جهود نوال السعداوي في تغيير واقعنا نحو أفق أفضل، في الدفاع عن قضايا المرأة، وفي مواجهة المجتمع الذكوري والتصدي له بكل الأشكال، ويمكن القول إن لنوال وأمثالها الفضل الكبير في ما وصلنا إليها الآن من تحرر ورقي، وإن كان ذلك بشكل نسبي وغير ملحوظ، إلا أننا استطعنا أن نتجاوز شيئا ما أفكارنا المتعصبة ونظرتنا الرجعية للأشياء، وهذا يبشر بالخير. وأما بخصوص من يجيدون فنون الانتقاد وإلقاء الاتهامات دون وعي ولا اطلاع، فمصيرهم الطي في صفحات الماضي، شأنهم بذلك شأن المجتمع المهترئ المتزمت.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة