نزيف العنف النسائي.. إلى أين وإلى متى؟؟؟ !!

حياة البدري
hayatbadri@gmail.com

2018 / 7 / 25

ما أن تطأ قدميك مقر أحد الجمعيات النسائية التي تهتم بمكافحة ومحاربة العنف ضد النساء، إلا وتجد قائمة العنف المسلط على بنات حواء، طويلة ومتنوعة ومتعددة وأكثر إيلاما... وإلا وتكتشف كيف تزداد أنواعه ودرجاته قتامة وحدة من مشتكية إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى....
فما أن تجلس مع المكلفة بالاستماع للنساء ضحايا العنف باتحاد العمل النسائي، أو غيرها من الجمعيات النسائية الأخرى، أو تحضر إحدى الاجتماعات المتعلقة بالنساء المعنفات، إلا وتبدو لك الحقيقة جلية ومفجعة ومريرة وموجعة... وأن الكارثة أكبر بكثير مما كنت تعتقده وتتصوره... وسرعان ما تغشى قلبك الحسرة العميقة، ويلفك الظلام والدوران من رأسك إلى أخمص قدميك، فتقول هل أنا حقا أتواجد في عام 2018؟

فكل ما لم تتصوره وكل ما لم تتخيله من عنف، لا يزال موجودا بين صفوف النساء المشتكيات، وقابعا على صدورهن، ولعل الزائر للجمعيات والباحث في ظاهرة العنف بصفوف النساء، أكثر اطلاعا على هذه الظاهرة الكارثة، التي لا تزال ترخي بظلالها السميكة، القاتمة ... و تطلق جذورها بعمق، وتضربها في عمق الأرض المغربية والعربية، الشيء الذي يقف دون تقدم البشرية ببلداننا، ويعمل على إفراغها من محتواها الحقوقي والإنساني.
وكلما توجهت إلى جهة معينة بالمملكة المغربية، إلا ووجدت العنف ضد النساء، يتكيف وبيئته، فيتخذ لون الأرضية التي يوجد عليها، والجهة التي يتواجد بها، وكأنه الابن الشرعي للحرابي، في سلوكياته وخططه الجهنمية... والتي تصب جميعها نحو نتيجة واحدة، هي الدفع بالحقوق الإنسانية للنساء نحو الردة والإقبار، وجعل تواجدها مجرد موضة على أرض الواقع، نتبعها فقط لمجاراة باقي الدول المتقدمة شكلا، والعمل واقعا، على الدفع بالنساء إلى عصر الظلمات والعبودية الجديدة المغلفة بالعديد من اليافطات وتحت عدة تسميات، بعد مسيرة طويلة من النضالات النسائية، من أجل الاستقلال والانعتاق والحرية والحقوق الإنسانية التي صادقت عليها دولنا، واتفقنا عليها وتحملنا مسؤولية تطبيقها وتحقيقها بأممنا.

فما أن تتجه نحو شمال المغرب، إلا وتجد النساء هناك، يجردن من صفتهن الإنسانية، ويتم اعتبارهن مجرد "بغلات"، أي "حملات"، يتم استغلالهن في تحميل البضائع والسلع على ظهورهن وكأنهن ينتمين إلى فصيلة الآلات أو أحد أصناف الحيوانات المختصة في نقل السلع، وليس من فصيلة بني آدم، يحملن أثقالا تفوق قوتهن وطاقة أجسادهن، بمقابل 150 درهم !؟ ! مقابل، لن يجدي نفعا في علاجهن من كل الأمراض التي تنجم عن هذا العمل غير المناسب بالمرة لطبيعتهن الإنسانية، سواء تعلق الأمر بالأمراض النفسية أو الجسدية، والتي تنتج في غالب الأحيان بسبب ما يتعرضن له بمعبر باب سبتة، من كل أنواع المضايقات والذل والعذاب ، والركل والرفس، والثقل الذي يزيد عن حده، والذي يتسبب في معظم الأحيان إلى الكسر واعوجاج العظام وأمراض أخرى، وإلى الموت وترك أسر عريضة بدون معيل. نتيجة الفقر وقلة الحيلة، والبطالة الضاربة بعمق وقوة، لدى معظم أفراد هذه الأسر.
ولعل أبرز الأمثلة على وضعية النساء بمنطقة الشمال، حال أولئك النساء اللواتي حضرن من أجل محاكمة العنف، الذي يطالهن، بالمحكمة الرمزية التي نظمتها جمعية اتحاد النسائي، خلال هذه السنة بمدينة طنجة. كحالة سعيدة الخلافي التي تعمل كحمالة الأثقال وتعرضت للسقوط والرفس كم من مرة، نتيجة إغلاق أبواب سبتة في وقت جد ضيق، الشيء الذي يدفع العابرين والعابرات منه إلى الركض والسرعة مما يتسبب في الرفس والدهس، وما ينجم عنه من كسور وأعطاب جسدية ونفسية. وهي تطمح فقط في أن تفتح أبواب معبر سبتة لمدة معقولة، تسمح بخروج النساء اللواتي يعملن كحملات بشكل إنساني.
ثم حالة السيدة فتيحة الجامعي، التي تحملت مسؤولية أسرتها بعد وفاة زوجها، وهي لا تزال لحدود الساعة، تعيل بناتها الأربعة، واللواتي رغم الفقر والعوز تمكن من الدراسة و الحصول جميعهن على الإجازة، ولكن للأسف لم يحصلن على عمل، وهي لا تريدهن أن يشتغلن في هذا المجال أيضا، وتطمح فقط في أن ينظم الخروج من باب معبر سبتة حتى لا تضطر إلى المبيت هناك، ولا تريد أن تشتغل بناتها في هذا العمل نظرا لصعوبته وكثرة مشاقه...
وحالة تلك الطالبة المجازة، التي اضطرت لمساعدة والدتها في حمل البضائع بعد سقوطها وتعرضها للجرح والكسر، والتي قد اتجهت حسب تصريحها لمحكمة النساء الرمزية بطنجة، إلى هذا العمل بعد أن ضاقت بها كل السبل، وبعد أن اجتازت العديد من الاختبارات التجريبية المتعلقة بالعديد من المهن، ولكنها لم تقبل، ولم تتمكن من اجتياز الكثير من الاختبارات الوطنية، نتيجة ما تتطلبه بعض المباريات من كشف للنقط، الشيء الذي لم تتمكن معه حتى لاجتياز بعض المباريات، وبحثت عن العمل في العديد من المجالات فاتبعت حرفة والدتها بعد المرض.

ولعل وضعية العاملات اللواتي يلتحقن من كل ربوع المملكة، قصد العمل في حقول ومزارع التوت الأرضي باسبانيا، لأكبر دليل على العنف الكبير، وعهد النخاسة والعبودية والتحقير والتشييء والتعذيب، والمعاملات المشمولة بالذل والقسوة و التحرشات والاغتصابات المتتالية... والتي لا تزال العديد من المغربيات ترزح تحتها، سواء تعلق الأمر بهذه الحقول أو ببعض البلدان العربية الشقيقة التي تهاجر إليها المغربيات قصد البحت عن لقمة العيش لأفراد عائلاتهن.
ولعل خير دليل على هذه المعاملة القذرة واللا إنسانية واللا حقوقية والبعيدة كل البعد عن تعاملات ديننا الحنيف المبني عن التعامل المبني عن الإحسان والمساواة وأن لا أحد أحسن من آخر سوى بالتقوى، ما تجود به العديد من الفيديوهات على شبكات التواصل الاجتماعي، من استعباد واستغلال واسترقاق وتعامل خالي من الإنسانية والرحمة ...

وما أن تعرج وتتجه نحو جهة الغرب وجهة فاس مكناس، إلا وستجد، نسبة كبيرة من النساء من ترزحن تحت عتبات الفقر وتشتغلن في الحقول والضيعات، متحملات كل أنواع الصقيع في فصل الخريف و لظى الحر في الصيف، من مطلع الفجر إلى وقت متأخر من النهار وبأجرة لاتصل إلى أجر الرجال !؟ أوفي مصانع التصبير(الطماطم، الزيتون، العنب...) ويشتغلن في غياب تام لشروط الضمان الاجتماعي والتأمين والوقاية والحماية. ناهيك عن النساء اللواتي كن يشتغلن بشركة سيكوم للنسيج بمدينة مكناس، و منهن من كانت قد ابتدأت الاشتغال بها وهي طفلة لا تزال فقط في سن 13 عاما إلى أن تزوجت وصارت أما... فتعرضن بالتالي للتسريح والطرد، وكن يتحملن إعالة العديد من العائلات، وهناك من كانت من بينهن، من تكلفت بالسهر على المساعدة في تكاليف علاج أحد أفراد عائلتها، من الأمراض الصعبة كالسرطان وأمراض الكليتين وما تتطلبه تصفية الدماء "الدياليز" من مصاريف، كالتنقل والرجيم وغيرها. وهناك من تعرضت هي وعائلتها للتشرد من منازل الكراء نتيجة التسريح الذي تعرضت له هي وباقي زميلاتها من النساء بهذه الشركة، وعدم حصولهن على حقوقهن بسبب عدم تصريح المسؤولين بهذه الشركة، بحقوق هؤلاء العاملات، بخصوص التغطية الصحية أو الضمان الاجتماعي، والعمل على إغلاق الشركة ونقلها إلى شركات أخرى وبأسماء أخرى، حسب شكاية وتصريح بعض النساء اللواتي طالهن التسريح واللواتي يقدرن ب 700 امرأة مسرحة من شركة سيكوم للنسيج، لمحكمة جمعية اتحاد العمل النسائي الرمزية الأخيرة بمدينة طنجة.

ناهيك عن العنف الزوجي والأسري والمجتمعي، والصحي والسياسي والثقافي الذي لا تزال نساؤنا ترزح تحته. إذ لحدود هذه الساعة، لا تزال النساء، تدفع ضريبة اللا مساواة واللاحقوق، ولا تزال تتعرض لكل أشكال العنف، سواء اللفظي أو البدني أو النفسي. من تحرش وتبخيس وإهانات وتجريح سواء في البيت آو في العمل أو في الشارع، ولا تزال نسب عدم المساواة بارزة، سواء في الأجر أوفي المناصب والأدوار التي تضطلع بها النساء. في كل المجالات سواء الفلاحية أوالتجارية أوالصناعية أو السياسية التى تعتبر فيه المرأة فقط مجرد صوت يؤثث القطاع السياسي...

ولا يزال عدد الوافدات على الجمعيات النسائية، من أجل مقاضاة العنف الزوجي والخروج من حلقاته المتعددة والخانقة، في تزايد مستمر. وما تزال النساء ببعض البيوت المغربية والعربية ككل، تتعرض لسلوكيات وتصرفات لا إنسانية بالمرة، تضر بكرامتهن وتجرد هن من إنسانيتهن، كالإهانات المتتالية والسب والقذف والتنقيص، والتحقير والإهانات المتتالية... وكأن الزوجة تعيش في سجن أبي غريب وليس في بيت الزوجية، حيث من المفروض أن تكون المودة والرحمة والتعايش والتفاهم والتآزر والمحبة والسكينة، ناهيك عن الصفع و الضرب والجرح ومحاولة القتل أحيانا، سواء القتل البدني أو المعنوي والنفسي... ناهيك عن التحرشات و الاغتصابات المتتالية التي تتعرض لها بعض النساء داخل بيوت الزوجية أو بمكان العمل، بالمعامل والضيعات والمنازل وببعض المكاتب الخاصة أو بالشارع.

فمتى سيتم تطويق هذه الظاهرة؟ ومتى سيتم التعامل مع العنف ضد النساء بكل صرامة وجزر؟ ومتى ستتلاءم القوانين مع الدساتير وباقي الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، والتي تمت المصادق عليها من قبل الدول؟ ومتى سيعم الوعي بخطورة هذه الظاهرة المجحفة في حق النساء، ومتى سترفع الصور النمطية التي تم إلحاقها وإلصاقها بنسائنا، ومتى ستنظف العقليات من تلك الأفكار الذكورية التي تحط من قيمة المرأة وإنسانيتها وتبخس قدراتها... ومتى ستتغير هذه النظرة المغلفة بالسلبية اتجاه النساء نحو ماهو إيجابي وأفضل... وعلى أنهن عناصر قادرة على التغيير والتطوير والنجاح ... ومتى سننتهي مع هذا الفكر الضيق والنظرة الاضيق...ومتى سنطرد هذا العنف من اركان وزوايا بيوتنا وبلداننا بشكل نهائي، ومتى سنتخلص من تركاتنا القديمة... التي تكرس اللا إنصاف واللا مساواة بين بني الإنسان؟؟؟



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة