المرأة وتحديات العصر

عمار ابراهيم عزت
ammaribrahim411@yahoo.com

2018 / 10 / 23

يعد كتاب الكاتب مالك العظماوي (التحديات التي تواجه المرأة في العصر الحديث) التفاته نبيلة لقضية المرأة وانتصارا لمظلوميتها في مجتمع ورث أعرافا وتقاليد لم تنصف المرأة عبر تاريخها القديم والمعاصر، فضلا عن ممارسته لشتى أنواع القهر الاجتماعي والظلم والتهميش والإقصاء بحقها حتى باتت المرأة ضحية معايير لا تتوافق مع السنن الإلهية والإنسانية على حد سواء. فقد خضعت المرأة لبنية اجتماعية نمطية يكون الرجل مركزها، أما المرأة فهي هامش أو فائض أو عنصر تكميلي يرمم به الرجل نقصه، أو وعاء للجنس والاخصاب والولادة يضمن من خلاله ديمومة نسله ونسبه. أو أن تكون المرأة طبقاً لذيذاً سرعان ما يرمى متى ما أشبع الرجل حاجاته البيولوجية.
لقد أسس العظماوي كتابه على عدة ثنائيات منها:( ثنائية الرجل والمرأة، ثنائية المرأة الشرقية والمرأة الغربية، ثنائية المرأة المتعففة والمرأة المتبرجة). منطلقا من وجهة نظر إسلامية لتحديد تكوين المرأة ومكانتها في المجتمع، حقوقها وواجباتها قبل الإسلام وبعده، الأسباب والعوامل التي تجعل منها ضحية أو فريسة لضعاف النفوس، طرق المقاومة التي تلجأ اليها المرأة لتحصين ذاتها من أن تكون ضحية أخطاء الآخرين، فضلاً عن الوسائل الممكنة والمتاحة لمواكبة التطور في علاقة المرأة والرجل وحتمية الاختلاط بينهما في الدراسة والعمل، في المؤسسة والشارع، دون أن تتحول المرأة الى سلعة رخيصة أو شيء متاح للاستهلاك الذكوري.
فالمرأة كما يؤكد العظماوي من شأنها أن تُستغل من قبل المجتمع بوسائل شتى منها: الدعوة الى التحرر والمساواة مع الرجل، أو عن طريق التفسير والفهم الخاطئ لتعاليم الدين الحنيف، أو من خلال القيود والعادات الاجتماعية المتمثلة بالعرف العشائري المقيت. فالرجل في مجتمعنا، على حد قول الكاتب، ينظر الى المرأة من جانبين، فهو يرغب أن يراها كما يشتهي: حبيبة أو جارية، ويحرمها في الوقت ذاته حرية اختيار شريك حياتها، فهي منزوعة الإرادة ومجردة من القرار، هذه النظرة ماهي الا ثمرة البذور التي غرستها الجاهلية البدوية، تلك التي منحت الرجل حريات مطلقة إيجابية او سلبية، في الوقت الذي منعت فيه المرأة من التمتع بأدنى حرياتها.
إن محاول اسقاط النماذج الغربية أو المستوردة من ثقافات أخرى على صورة المرأة في مجتمعنا لا ينتج عنه الا نموذج مشوه وصورة قبيحة لا تستسيغها ثقافتنا وموروثنا الديني والاجتماعي، كما لا يتلاءم مع المكانة العظيمة للمرأة في الاسلام فيما لو فهم المجتمع فلسفة الرؤية الإسلامية للمرأة: فهي الأم التي وضع الله الجنة تحت اقدامها، وهي الزوجة: حقوقها وحريتها في قبول الشريك أو رفضه. حقها في العمل وغيرها من الحريات التي لا تقيد الا لمصلحة تعود على مكانة المرأة ذاتها وعلى نظام الأسرة بوصفه نواة المجتمع. فالحرية لا تعني بأي شكل من أشكالها التعري والإباحة والتمرد على الأعراف السماوية والأرضية، وانما الحرية هي ما يضمن كرامة الأنسان وحفظ كيانه ومنحه المكانة الملائمة والدور الإيجابي في صناعة المجتمع.
لقد تميز كتاب العظماوي بلغته السهلة البعيدة عن تعقيدات التنظير والمصطلحات، حتى لتبلغ سهولتها الى سرد حكايات وحوادث يومية شائعة ووصف سلوكيات نمارسها بكثرة في محاولة منه لتشخيص الظاهرة وحلها، وهذا ما جعل الكتاب وعظياً موجها لكل القراء على تباين ثقافاتهم، وكأني به أراد ان يستهدف بكتابه القارئ البسيطة والمرأة ذات الثقافة الدارجة ليصل صوته الى أكبر عدد من القراء. لذا اعتقد ان الكتاب لا يعد بحثا في ظاهرة او مكون اجتماعي بما تمليه علينا مواصفات البحث العلمي، وانما هو قراءة انطباعية للكاتب وظف فيها ثقافته وخبرته وتجاربه ومعارفه عن المجتمع الشرقي والتحديات التي تواجه المرأة في هذا المجتمع نتيجة الاختلاط الواقعي او الالكتروني عبر مواقع التواصل المختلفة. في محاولة لرسم الحدود الإيجابية لهذا الاختلاط وتجنب سلبياته قدر المستطاع. لعلها رغبة الكاتب في الانفتاح مع مضامين العولمة واستثمارها دون مسخ هوية المرأة المسلمة ودون تحديد لحريتها في التفاعل مع عوامل الانفتاح الثقافي في المنطقة العربية والعالم.
(التحديات التي تواجه المرأة في العصر الحديث: مالك العظماوي، الرافد للمطبوعات، بغداد، ط1، 2016)
(قرأت الورقة في أمسية اتحاد ذي قار ضمن فعالية حفل توقيع الكتاب في يوم الخميس 27-10-2016)





https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة