مقتل يارا أيوب... وصمة عار على مجتمعنا الفلسطيني

حنان مرجية

2018 / 12 / 30





مسؤوليتنا كمجتمع
تقاعس الشرطة الإسرائيلية لا جدال عليه ويلعب دورا أساسيا في وجود هذه الظاهرة وتفاقمها، ولكن يجب عدم نسيان أن المسؤولية المجتمعية في دحر هذه الظاهرة تقع علينا جميعا، وإن لم تتغير نظرتنا الاستعلائية للمرأة واستخفافنا بحياة نسائنا، ستدفع آلاف النساء غير يارا ثمن تقاعس الشرطة وثمن ذكوريتنا. علينا نحن كمجتمع أن ننهض بأنفسنا ونغير من مفاهيمنا المجتمعية التي تستبيح دم النساء وتتفهم سيطرة الذكور. لو ربينا أولادنا أن المرأة والرجل متساويان وأنه لا يحق لاحد أن يحاسب الاخر، فلن نحتاج أصلا حماية الشرطة لأننا بهذا سنكون اقتلعنا الظاهرة من جذورها.



يارا أيوب طفلة ابنة سبعة عشر ربيعا، قتلت ورميت جثتها في حاوية قمامة، في قرية الجش.
مرّ أسبوع كامل على مقتل يارا، أسبوع أعلنت فيه يداي تمردهما على وعصيان أوامري، ولم اعد أستطيع ترجمة غضبي وسخطي الى كلمات.
مرّ أسبوع دار فيه سؤال واحد في رأسي ورأس كل الفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة العنف والقتل المتكرر: من قتل يارا أيوب؟
ماتت يارا، وبهذا انضمت الى قائمة تضم 24 امرأة قتلن منذ مطلع العام 2018 في إسرائيل.
نسبة النساء العربيات اللواتي قتلن في السنوات الأخيرة هي نحو 40 % من مجمل النساء المقتولات - بما معناه ان نسبة النساء العربيات اللواتي يقتلن في الداخل الفلسطيني يعادل ضعفي نسبة الفلسطينيين من السكان (20%).
الشرطة الإسرائيلية معنية بانتشار العنف والجريمة في المجتمع الفلسطيني، أولا لحثهم على الهجرة وترك البلاد طواعية، وثانيا لإضعافهم وتهميشهم كمجتمع والحد من عدد المثقفين والمتعلمين الفلسطينيين، ونشرالفقر والجهل والتخلف كوسيلة للإيقاع بهم وأبقائهم متقوقعين في مشاكلهم الداخلية.
المثير للاهتمام أيضا أنه حوالي نصف النساء اللواتي قتلن كن قد قدمن شكوى في الشرطة الإسرائيلية ضد المعتدين، ولكن الشرطة لم تهتم بالتعامل مع هذه الشكاوى، وأغلبهاأغلقت لأسباب عدة. هناك إهمال تام في إيجاد المجرم وتقديمه للعدالة فيما يتعلق بقتل النساء الفلسطينيات – فبينما قدمت لوائح أتهام في 85% من حالات قتل النساء اليهوديات بين السنوات 2016-2017 وتم القبض على المجرم، ففي 50% فقط من حالات قتل نساء العربيات تم تقديم لائحة أتهام ضد المجرمين ومحاكمتهم– بما معناه أنه في نصف حالات قتل النساء العربيات يُغلق الملف ضد مجهول ويبقى القاتل حرا طليقا، والنتيجة الحتمية لهذا التعامل العنصري والمستهتر بحياة النساء العربيات هو تزايد الظاهرة بخطورة هائلة.
لكن الحقيقة هي أن تقاعس الشرطة ليس الوحيد الذي حمل سكينا وطعن طفولة يارا البريئة، فنحن أيضا كمجتمع عربي فلسطيني ساهمنا في قتلها، نحن أيضا متهمون.
أنا أتهم كل امرأة ورجل ولدت لهم أبنة فحزنوا لأنهم لم يرزقوا بالـ"صبي" ولي العهد.
أنا أتهم كل امرأة ورجل ساهموا في الحديث عن جارتهم "المطلقة" وأتهموها بأبشع التهم فقط لكونها منفصلة بغض النظر ما كان سبب الانفصال وأن كان بأراداتها ام لا.
أنا اتهم كل امرأة ورجل انتقدوا لباس امرأة أو شكلها أو طريقة مشيها في الشارع لأنها لا تلائم معاييرهم "الأخلاقية".
أنا أتهم كل امرأة ورجل رددوا مقولة "هم البنات للممات" والقوا بها في حضن أول عريس طرق بابهم.
أنا اتهم الام والأب اللذين يعرفان أن ابنهم متحرش ومغتصب ومع هذا يستميتون في الدفاع عنه وتبرئته حتى لا يسجن.
أنا أتهم كل اب وأم ربوا ابنهم على أن يكون دائما "صياد" وكل امرأة هي "فريسه" وأن وظيفته في الحياة أن يطارد الفريسة حتى تقع في شباكه.
أنا أتهم القيادات العربية في الداخل الفلسطيني بإهمالها لموضوع حقوق المرأة بشكل عام وقتل النساء بشكل خاص وعدم اعتباره من الأولويات وأردد : طالما أن حقوق المرأة لا تأخذ الحيز المطلوب في سلم اولويات القيادة الفلسطينية في الداخل الفلسطيني، سيبقى موضوع قتل النساء وصمة عار على جبيننا كمجتمع فلسطيني.
ليس فقط أن موضوع حقوق المرأة لا يشغل بال الكثيرمن القيادة في الداخل الفلسطيني، انما الأسوأ انه سبق وشارك بعض (وأشدد على بعض) من السياسيين الفلسطينيين في "مساعي صلح" بين أهل قتيلة وعائلة قاتل لأجل تبييض "سمعة عائلته",اللتي يشغل بعض من أفرادها مناصب قيادية، هذا طبعا عدا عن أن بعض السياسيين متورط بقضايا عنف ضد النساء وجرائم جنسية ضد نساء من تحرش وحتى اعتداء.
وهنا يسال السؤال الاول: أذا كان البعض من قيادتنا ذكوريا متسلطا ومعنفا (وأشدد على كلمة البعض حتى لا نقع في فخ التعميم) فما هو توقعنا من الشعب؟ وبعدها يسأل السؤال الثاني: كيف نستطيع كفلسطينيين أن نطالب بالمساواة وبعدم التمييز إذا كنا نحن بذاتنا نمارس العنصرية والتفرقة في داخلنا بين أبناء الشعب الواحد عندما نفرق بين الرجل والمرأة؟
كيف يستطيع رجل عربي فلسطيني أيا كان، أن يجلس على المنصة ويتحدث عن حق الفلسطينيين في المساواة، بينما هو بذاته يحرم ابنته من الميراث، يمنع عنها حقها في العيش بحرية، حقها في التعليم، وهو فخور بابنه متعدد العلاقات لأنه "زلمه" ويحق له إقامة علاقات عاطفية وجنسية بحرية، بينما أبنته تُحبَس في منزلها منذ الساعة العاشرة مساء (في أفضل الحالات)، وتلوح لها السكين في الأفق إن قامت بمجرد التفكير في ممارسة الجنس مع الشخص الذي تحبه؟!
لا نستطيع المطالبة بحقنا في المساواة طالما نحن ننتهك حقوق نسائنا, لا نستطيع أن نطالب بحقنا في الحرية طالما نحن نقمع نساءنا, الحرية والمساواة ومحاربة الاحتلال هي مضامين يجب أن نتبناها نحن كفلسطينيين داخليا لإصلاح مجتمعنا, وثم عندما نتحول الى مجتمع صحي وصحيح سيصبح لدينا القوة الكافية لمواجهة الخارج كمجتمع فلسطيني تتحد فيه المرأة مع الرجل للسعي وراء الحرية... فقط عندما نصبح مجتمعا سويا يقدس ويحترم المرأة، نستطيع أن نتقدم نحو تحرير أنفسنا من الظلم والاضطهاد والاحتلال , وطالما أننا مشغولون بأعضاء نسائنا التناسلية فلن يكون عندنا متسع من الوقت لمحاربة الاحتلال ولا لنيل حقوقنا كأقلية في وطنها.
أن النظرة الدونية للمرأة أساسها مجتمع مريض يعتبر أن الرجل بمجرد كونه يملك عضوا ذكريا يجعله أفضل من أي امرأة, لا يهم ما هو تعليمه أو مستوى ثقافته أو كم هو مفيد لمجتمعه, كونه ذكر يعطيه المجتمع أفضلية على أي امرأة ويعترف بسيطرته عليها, ويعطيه الشرعية في تأديبها وحتى قتلها إن انحرفت عن طريق الصواب ,أما هو فلا أحد يحاسبه إن أنحرف لأنه ليس بين رجليه غشاء رقيق ممكن أن يتمزق لأتفه الأسباب –فالمجتمع لا يهتم برسم طريق الصواب للرجال, وحدها المرأة من اللحظة التي تولد بها الى اللحظة التي تموت بها, يرسم لها المجتمع طريقا واضح المعالم, وفي كل مخرج له علقت لافتة كتب عليها:"ممنوع الاقتراب خطر الخروج عن الصواب", وينتهي هذا الطريق بقبر معتم بارد تدفع به المرأة ثمن كونها خلقت أنثى لا أكثر.
تقاعس الشرطة الإسرائيلية لا جدال عليه ويلعب دورا أساسيا في وجود هذه الظاهرة وتفاقمها، ولكن يجب عدم نسيان أن المسؤولية المجتمعية في دحر هذه الظاهرة تقع علينا جميعا، وإن لم تتغير نظرتنا الاستعلائية للمرأة واستخفافنا بحياة نسائنا، ستدفع الاف النساء غير يارا ثمن تقاعس الشرطة وثمن ذكوريتنا. علينا نحن كمجتمع أن ننهض بأنفسنا ونغير من مفاهيمنا المجتمعية التي تستبيح دم النساء وتتفهم سيطرة الذكور. لو ربينا أولادنا أن المرأة والرجل متساويان وأنه لا يحق لاحد أن يحاسب الاخر، فلن نحتاج أصلا حماية الشرطة لأننا بهذا سنكون اقتلعنا الظاهرة من جذورها.
من قتل يارا أيوب؟ نحن الذين قتلنا أيارا أيوب، فلنجعلها جريمتنا الأخيرة لأنه لا أحد فينا يعلم من ستكون الضحية القادمة.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة