الوزيرة وسلطة الزوج المطلقة

نوال السعداوي
nawalalsaadawi@yahoo.com

2019 / 1 / 30

كنت تلميذة بمدرسة حلوان الثانوية وكانت أستاذتنا فى علم التاريخ هى الدكتورة حكمت أبو زيد، شابة ممشوقة طويلة القامة، بشرتها بلون طمى النيل، عيناها واسعتان، الننى كبير الحجم بلون الحجر الأسود، يبرز قليلا فوق البياض الصافي، تحملق بقوة فى وجهى حين تتحدث معي، دون أن تثبت عينيها فى عيني، بل تمتد نظرتها بعيدا خارج وجودى وخارج المدرسة وخارج الكون الذى لا يتسع لأحلامها غير المحدود، كنت أظن أنها تفعل ذلك معي أنا فقط دون سائر البشر، لأنها الأستاذة الدكتورة وأنا التلميذة الصغيرة القادمة من الريف المجهول، لتعيش بعيدا عن أهلها فى القسم الداخلى الكئيب تحت سطوة الضابطة الصارمة.

واستمرت علاقتى بالدكتورة حكمت بعد أن تركت المدرسة، كنت أحتفظ مثل التلميذات بمفكرة صغيرة نسميها الأوتوغراف، تكتب فيها المدرسات كلمة لنا قبل أن نفترق، كتبت لى الدكتورة حكمت هذه السطور القليلة، بتاريخ أول يونيو 1948 قبل أن أركب القطار فى محطة حلوان: أتمنى لك مستقبلا باهرا فى الطب أو الأدب، أيهما تختارين؟ هى الوحيدة بين المدرسات التى دامت علاقتى بها حتى غادرت الدنيا، كنت أزورها فى شقتها بمصر القديمة وكانت تزورنى فى شقتى الصغيرة فى الجيزة وكنت أعيش وحدى مع ابنتى الطفلة، حين أصبحت الدكتورة حكمت وزيرة إبتعدت عنها بعد أن تكالبت عليها، النساء والرجال، وهى أيضا ابتعدت بحكم السلطة، ولأننى لم أكن أكيل لها المديح، بل أنقد بعض أفكارها أو أعمالها، مثلا رأيت صورتها فى الصحف وهى ترتدى فوطة المطبخ واقفة أمام زوجها الجالس الى المائدة، منحنية قليلا وهى تقدم له القهوة أو الطعام، وتحت الصورة تصريح لها تقول فيه ما معناه، نعم أصبحت وزيرة لكن دورى فى المطبخ وخدمة زوجى هو الأساسى فى حياتي، لا يتغير، لم تكن لى علاقة بالوزيرات من بعد الدكتورة حكمت، ومنهن الدكتورة عائشة راتب، وإن جمعتنى الصدف بها كنت أبتعد عن جمهرة المعجبات والوصيفات وكنت أقرأ عن نشاطها وأفكارها، كانت وزيرة نشطة فعالة رغم تخلف المجتمع تحاول جاهدة لتحسين أوضاع النساء فى القوانين خاصة قانون الأحوال الشخصية الذى يعطى الزوج سلطة مطلقة على زوجته فيطلقها شفهيا أو غيابيا بإرادته المنفردة فى مكتب أى مأذون دون سبب.

من ناحيتها كانت الدكتورة عائشة راتب أستاذة قانون ذات كفاءة عالية ولها سلطة الوزيرة وترأس الرجال الكبار فى الدولة فى المؤتمرات داخل مصر وخارجها، إلا أن سلطة زوجها المطلقة كانت تفوق سلطة الدولة. وكانت الدكتورة عائشة مدعوة ذات يوم، لمؤتمر دولى خارج مصر بصفتها وزيرة الشئون الاجتماعية لكن زوجها رفض أن يعطيها موافقته على سفرها، هنا بدأ الصراع بين سلطة الزوج المطلقة فى منع زوجته من السفر، وسلطة الدولة التى تجسدت فى قرار رئيس الوزراء بالموافقة على سفرها، كان على الوزيرة أن تختار الطاعة لسلطة الدولة أو طاعة زوجها وقررت الوزيرة السفر وصعدت الى الطائرة، فإذا بالشرطة تمنعها بناء على طلب زوجها وتخرجها من الطائرة قبل إقلاعها، كانت إهانة بالغة لكرامة الوزيرة ولسلطة الدولة أيضا فقررت الدكتورة عائشة بشجاعتها السفر رغم إرادة زوجها، وسافرت، لكن الزوج استخدم سلطته فطلقها غيابيا بإرادته المنفردة وهى محلقة فى الجو.

راودتنى هذه الذكريات وأنا أشهد اليوم محاولة الدولة لتجديد قانون الأحوال الشخصية عبر البرلمان، لكن المشروع الجديد لا يلغى الظلم الأساسي الواقع، وهو سلطة الزوج المطلقة فى تطليق زوجته شفهيا أو غيابيا دون إرادتها، ورغم ذلك فقد قرر البرلمان عرضه على رجال الأزهر قبل مناقشته، والسؤال، لماذا تكون السلطة الدينية هى المهيمنة على قانون الأحوال الشخصية، رغم أن الدستور ينص على مدنية الدولة، وجميع القوانين فى مصر مدنية لا تخضع لسلطة الأزهر، وأين الحركة النسائية المصرية؟، أعنى التنظيمات الشعبية والمنظمات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني. نحن فى حاجة شديدة لإصدار قانون واحد للأسرة المصرية يساوى بين جميع المصريين بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الطائفة أو المذهب، قانون مدنى لا تسيطر عليه أى سلطة دينية لا الازهر ولا الكنيسة مثل أى قانون فى مصر ، هذا القانون الجديد أصبح ضرورة لإنقاذ الأسرة المصرية من المآسى والمظالم التى يعانيها الأطفال والنساء والرجال أيضا.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة