|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
شاهر أحمد نصر
!--a>
2003 / 10 / 18
وفي نصوص ميثالوجية أخرى لم تخل نظرة الرجل لعلاقته بالمرأة من التوجس والخوف من مكائدها ، بل يعزي أحياناً غضب الطبيعة وما يعانيه من مآسٍ إلى المرأة التي تكويه بنارها الحارقة، وتذروه بعواصفها المدلهمة: "ماذا تفعلين بعشاقك يا عشتار ؟! إنّ مسألة علاقة الرجل بالمرأة، ومكانة المرأة في المجتمع، والمسألة الجنسوية، مثلها مثل مسائل كثيرة أخرى كالعنصرية، والاحتلال، والاضطهاد، ذات بعد عالمي، وليس محلي فحسب .. ومن الطبيعي أن يتساءل المفكرون، كما يتساءل الفن توفلر في بداية لاللفية الثالثة بعد الميلاد: "لماذا لا يزال الجنس البشري بعد ملايين السنين من التطور تنهشه هذه السرطانات مثل الجنسوية والعنصرية. التي تبرر سيطرة جنس أو عرق على الجنس الآخر.." .. مع عدم وجود ما يقنع بأن النساء "مخلوقات دنيا" .. ومرت علاقة الرجل العربي بالمرأة بمراحل متعددة، كان لظهور الإسلام وانتشاره أثر عميق فيها.. فلعبت ثورة الإسلام دوراً عظيماً في تجاوز مرحلة مظلمة من مراحل وأد الأنثى في المنطقة العربية.. وأكد الإسلام على حقوق المرأة بشكل عام، وتبقى مسألة تعدد الزوجات إشكالية تحتاج إلى معالجة تنسجم مع التطور الاجتماعي التاريخي لتجاوزها..وتعددت نظرة المسلمين إلى كثير من أمور الحياة ، بما في ذلك وضع المرأة وحياتها ولباسها .. ومن المفيد للمسلمين ، عند تناولهم ومعالجتهم لهذه المسائل، أن يعالجوها بمنظور جديد متحضر، وفق الأسس العصرية، وليس وفق أسس مضت عليها عصور وعصور، بحجة القداسة، وقد لا تكون كذلك، مستفيدين من الجرأة التي تحلى بها صحابة الرسول العظيم محمد (عليه السلام)، في تعاملهم مع ما يراه البعض ثابتاً مقدساً، والذي تجاوزه هؤلاء الصحابة الكرام، وعلى رأسهم الخليفة العادل عمر بن الخطاب، الذي جاءت معالجته للأمور المستجدة وفق الحالة الاقتصادية الاجتماعية، والتاريخية ، وطبق النص وفق ما تقتضيه ضرورات المرحلة التاريخية، فعمل على إرساء قواعد الدولة مستفيداً من تجارب وخبرات الشعوب المجاورة، وخاصة الفرس، في تنظيم الدواوين ، على الرغم من عدم ورود ذلك في النصوص المقدسة.. وغير ذلك من الأمثلة كثير للمعالجة البناءة من قبل الرسول(عليه السلام)، والصحابة لمساءل الحياة الاجتماعية المتقلبة والمتبدلة باستمرار، وفق معطيات كل مرحلة.. ويستنتج أمير شعراء الرثاء المواقف الحرة الإنسانية في شعر مسيكن، وهي: إنّ تنظيم المجتمع بشكل سليم ، وبناء الدولة الديموقراطية على أسس الحق والقانون، هو السبيل السليم لمعالجة الأمراض الاجتماعية وفي طليعتها مشكلة تحرر المرأة..
"أيها الرجال: من كان منكم بلا خطيئة فليرجم هذه المرأة."
الأم ، الأخت ، الصديقة ، والزوجة .. هي المرأة ..
الأب ، الأخ ، الصديق ، والزوج .. هو الرجل ..
فالمرأة والرجل إنسانان متكاملان، لا وجود لأحدهما بمعزل عن الآخر ..
لولا المرأة لا وجود للرجل، ولولا الرجل لا وجود للمرأة ..
أي تطور ورقي عند أحدهما في صالح الآخر .. تطور ورقي المرأة في صالح الرجل، كما أنّ تطور الرجل ورقيه في صالح المرأة ..
إذا أراد الرجل أن يعيش حياة متحضرة راقية ، عليه أن يساهم في تحضر ورقي المرأة التي تحمله ، تربيه ، وتحبه، وتشاركه الحياة..
تطورت نظرة الإنسان إلى المرأة على مرّ العصور ، ولعل عنصر الجمال والإغواء والخصب عند المرأة ، كأنّ أكثر لفتاً للانتباه منذ القدم ، وأكثر جوانب علاقة الرجل بالمرأة حظاً في التدوين ، والتخليد ، فنجده جلياً في المثولوجيا وفي أغلب الأساطير ، كما هو الحال في النص الميثولوجي التالي من حضارة سوريا القديمة ، الذي يبين أنّ جمال المرأة السورية، يوقظ آلهة اليونان ، ويلعب دوراً فعّالاً في علاقة الحضارات وتفاعلها:
" آه أوروبا، أوروبا ! ذهبت الفتيات لجمع الورد. كم كانت جميلة أوروبا. حتى زفس الإله الذي كان مستلقياً متكاسلاً هبّ بعد أن قذفته أفروديت بسهم الحبّ. فتحول إلى ثور وكأنّ هيرا لا تعلم ماذا يفعل. اقترب منها، فركبت ظهره، وفرّ بها في البحر. حتى حيوانات البحر رقصت لها. اختطفها إلى جزيرة كريت، وأنجبت من زفس أولاداً وخلد اسمها. وبقي قدموس يبحث عن أوروبا".
يخلد لنا هذا النص العلاقة التاريخية بين أوروبا وبلاد الشام ، والتي لم تكن المرأة غائبة عن مفاصلها التاريخية الأساسية .. فالمرأة تساعد في تأسيس الحضارات ، وفي تفاعلها، وأثر المرأة عظيم وجبار لا يمكن حتى لآلهة اليونان تجاهله ..
أيها الموقد الذي ينطفئ وقت البرد ،
أيها الظرف المثقوب يبلل ظهر حامله ،
أيها الباب لا يقي صاحبه نفخ العواصف ،
إن أصبحت وإياك حبيبين ،
أ لن أشرب نفس الكأس ؟!"
إن المجتمعات التي يهيمن فيها الاستغلال والاضطهاد والفكر العنصري، يتضاعف فيها ظلم المرأة، وهذا ما حصل، على سبيل المثال، في ألمانيا إبان هتلر، حيث حصرت النازية مهمة النساء في إنجاب الأولاد، على المقياس النازي، وفي المطبخ والكنيسة .. وعلى الرغم من أنّ الثورة الصناعية أعطت بعداً و طابعاً جديدين للعلاقة بين الرجال والنساء.. وحازت النساء في مجتمعات الثورة الصناعية على الكثير من الحقوق التي طالما حلمن بها.. وتقدم وضع النساء كثيراُ في بلدان الثورة الصناعية، إلاّ أننا لا نستطيع القول أنهن حصلن على كامل حقوقهن، وأنّهن أصبحن متساويات في الحقوق مع الرجال، وأن جميع مشاكلهن قد حلت.. فالثقافة الجنسوية، التي نشرتها وسائل الإعلام في هذه المرحلة، ساهمت في تبرير الإجحاف الذي تتحمله النساء، ولعبت دوراً في إجبارهن على متابعة العيش في عالم مغلق، منعزل، من أجل تهيئتهن للرضوخ وحتى التعلق بالحدود المفروضة عليهن. لتحقيق أكبر قدر من الربح والفائدة للاحتكارات..
وهكذا عرفت في عهد رسول المسلمين(عليه السلام)، وصدر الإسلام كثيرات من المسلمات اللائي لعبن دوراً متميزاً في الحياة السياسية والاجتماعية، وحتى العسكرية.. وما التقاليد والأعراف التي هيمنت لاحقاً عند بعض المجتمعات الإسلامية والعربية، إلاّ نتاج المراحل التاريخية والاقتصادية والبيئية المختلفة التي مرّ بها المسلمون، وبالتالي وبما أنّها نتاج مرحلة تاريخية محددة، فمن الممكن والضروري تجاوزها في المراحل التاريخية الأرقى التي لا يمكن أن تتطابق معها.. وفي مقدمة ذلك النظرة إلى انخراط المرأة في المهام الاجتماعية والعمل، وحصولها على حقوقها كاملة، وتجاوز بعض الأزياء المقيدة لحريتها، والتي تعود إلى عصور خلت.. علماً بأنّ المرأة العربية تمتعت بهذه الحقوق في بعض المراحل، وعُرف الكثيرون من المتنورين والشعراء والأدباء العرب الذين نادوا بذلك..
في كتاب "مواقف إنسانية في الشعر العربي" يورد الأديب عبد المعين الملوحي مقاطع من شعر مسكين الدرامي، التي يدعو فيها إلى حرية المرأة ، والتي جاء فيها:
ألا أيها الغائر المستشـيط علام تغار إذا لم تغــر؟
فما خير عرس إذا خفتهـا وما خير بيت إذا لم يـزر
تغار على الناس أن ينظروا وهل يفتن الصالحات النظر
فإني سأخلي لهـا بيتــها فتحفظ لي نفسـها أو تذر
إذا الله لم يعطه ودهـــا فلن يعطي الود سوط ممر
ـ اترك بيت زوجها لها بدون مراقبة،
ـ المرأة حرة في استقبال زائر واحد، أو عدة زوار في بيتها بحضور زوجها أو غيابه.
ـ دع لزوجتك الحرية وأنت مقيم معها ولا تراقبها، فأنت لا تستطيع مراقبتها إذا سافرت.
ويعلق على هذا الموقف المتميز لشاعرنا قائلاً: " أليس طريفاً أن نسمع شاعراً عربياً في العصر الأموي، وفي القرن الأول الهجري يدعو إلى حرية المرأة، وإلى زيارة الأصدقاء لها في البيت حتى في غياب زوجها، ثم يحمل على كل من يغار على أهله إذا زاره زائر، أو سافر في عمل، ويهاجم كل من يرى أنّ ضرب المرأة بالسوط وحبسها في بيتها يستطيعان أن يكسباه مودتها وحبها ويمنا له الاطمئنان على سلوكها وعفتها".
"وهذه المواقف ليست غريبة عن الدين الإسلامي، بل هناك الكثيرات من النساء المسلمات اللاتي مارسن التجارة وكن يستقبلن الرجال بكل حرية."
إلاّ أنّ الواقع الحالي للمرأة في المجتمعات العربية يبين أنّها مازالت تعاني الظلم والتهميش، ولا تشعر بأنّها معنيّة في كثير من أمور الحياة، بما في ذلك أمور حياتها.
ومن المشاكل التي تعاني منها المرأة العربية والتي تمس مباشرة حقوق الإنسان ، تلك المشكلة التي عالجها أدباء ومفكرون عرب منذ بداية القرن الماضي ، ولا تجرأ حكومات عربية في القرن الحادي والعشرين من اتخاذ موقف سليم وجريء منها ، إنّها "مشكلة الفتاة التي ينثلم عفافها بفعل التغرير بها، فإذا بأبيها وأخيها وأقاربها يلجؤون إلى قتلها لغسل (العار) عنهم .. وأصبح كل رجل يريد أن يكون بطلاً اجتماعياً، على حساب هؤلاء النساء المسكينات، ـ كما كتب الأديب عبد المعين الملوحي في خمسينيات القرن الماضي ـ ونسي المجتمع كل المجتمع تقريباً، إنّ جريمة الشذوذ واقعة على عاتق المجتمع كله، ولذلك فهو يتخلى عن مسؤوليته في هذه الجريمة ليضعها على عاتق هذه الضحية مخضبة بدمائها حتى في دور الحكومة وحتى في المحاكم .."
يكمن الحل والمعالجة السليمة لهذه المشكلة في الحكم على القاتل بالقتل، عندئذ ستقل حوادث (النخوة) ثم تزول، لأنّ هؤلاء الرجال ليسوا رجالاً إلاّ لأنّهم يعرفون أنّهم لن يلقوا عقاباً. أم أننا نسينا قول السيد المسيح (عليه السلام): "من كان منكم بلا خطيئة فليرجم هذه المرأة."
تبين النظرة المتفحصة لواقع المرأة في البلدان العربية، أنّه فضلاً عن تلك المشاكل التي يعاني الرجال منها أيضاً، كالاستغلال والاضطهاد والفقر والغربة والتمييز، هناك مشاكل مضاعفة تعد قواسم مشتركة للمعاناة التي تلاقيها المرأة في مختلف البلدان العربية ، مثل: ضعف الوعي وتفشي الأمية ، وعدم إيلاء الاهتمام للصحة الإنجابية ، وزيادة عدد الأولاد، وضعف مشاركة المرأة في سوق العمل، مما ينعكس على الأمن الاقتصادي للمرأة، بالإضافة إلى مشكلة المرأة المزمنة مع متخذي القرار، في العديد من البلدان العربية، التي تحد من مشاركتها في الحياة السياسية، وفي تولي المناصب وعضوية المجالس المحلية والتشريعية والبرلمانات، ومحدودية عدد المشاركات من النساء فيها..
ويحق للمرأة الفلسطينية أن تفتخر، بأنها رائدة في النضال من أجل استعادة الحقوق، خصوصاً في الانتفاضتين الأولى والثانية، وبدورها المتميّز الذي يتساوى مع دور الرجل، ويفوقه في بعض الأحيان. فالمرأة هي أساس العائلة الفلسطينية في هذه الظروف. ولعبت المرأة الفلسطينية دوراً فعالاً في مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال.. وهذا ما يضاعف معاناتها كامرأة تناضل ضد الاحتلال، بالنسبة للنساء في باقي البلدان العربية، وانضمت إليها في هذه المعاناة المرأة العراقية بعد الاحتلال، والتي لم تكن معاناتها قبل الاحتلال أخف..
من نافلة القول أنّ "المجتمع الذي لا تكون فيه المرأة عنصراً أساسياً يكون مجتمعاً متخلفاً".. كما أنّ المرأة والرجل في مجتمعاتنا يعانيان الظلم ، إن رفع الظلم عن الرجال يساعد في رفع الظلم عن النساء، لا يمكن للرجال المقهورين أن يحرروا النساء المظلومات ..
نخطأ أن لم نعترف بوجود فوارق بيولوجية تؤثر على الفرق في القوة الجسدية بشكل عام بين المرأة والرجل، إلاّ أن ذلك يجب أن لا يؤثر على العدالة في الحقوق القانونية بينهما..
لتحرير الرجل والمرأة علينا بناء مجتمعات على أسس حضارية، يكون الإنسان أثمن قيمة فيها، وتبقى إنسانية الإنسان وكرامته غايتها.. تلك الأسس التي تأخذ بمنجزات البشرية على كافة الأصعدة، بما فيها الصعيدين التكنولوجي والاجتماعي، وفي أساس ذلك الأسس الديموقراطية في البنيان الاجتماعي.. الذي يؤمن المشاركة الفعلية للمرأة في سوق العمل ، ويعالج مشكلة الأمية المتفشّية خاصة في المناطق الريفية النائية، ومشكلة غياب الوعي النسائي بدور المرأة، وحقوقها، وواجباتها الحقيقيّة كندّ للرجل. ويخلق بيئة سليمة تتيح للمرأة العربيّة أن تلعب دورها في العمل وفى العائلة بشكل فعال. مجتمع تكون فيه نظرة الرجل للمرأة تتعدى البعد الجنسي الضيق ، وتصبح فيه الصداقة ممكنة بين المرأة والرجل، كما بين رجل ورجل، سواء بسواء.. وتكون فيه المرأة مكملة للرجل..
إذا أردتم تحرير المرأة ابنوا مجتمعاً على أسس حضارية ديموقراطية متطورة..
طرطوس 17/10/2003
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|