|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
زينة أوبيهي
!--a>
2016 / 3 / 10
تكثر "الكتابات" ومختلف "الأنشطة" الثقافية والبرامج الإعلامية بمناسبة حلول يوم 8 مارس، اليوم الأممي للمرأة، أو ما صار متعارف عليه وسط العموم بعيد المرأة. وفي السنين الأخيرة وتحديدا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والجزر العام الذي شهدته حركة التحرر عبر العالم، تقدمت الجمعيات الرسمية ونساء الصالونات المشهد في كل البلدان من أمريكا إلى سويسرا ومن فرنسا إلى بريطانيا والنرويج وغيرها، ومنهم إلى باقي بلدان السيادة لأنظمة العمالة والتبعية، وكأن قضية المرأة هي قضية نساء الصالونات والجرائد والمجلات الصفراء، أو قضية القوى البرجوازية وأجهزة ومؤسسات أنظمتها الرجعية التي تقف من خلف الكواليس. وقد أقول إن هذه القوى نجحت نسبيا في خداع هذا العموم وتمويهه وجعله غير مبال بجوهر الموضوع، لحد التمييع للقضية وتحويلها الى يافطة تليق للتجارة بالكلام عن التحرر والمساواة وموضة للتباهي وتسجيل الحضور والتقاط الصور أمام الكاميرات. وكيف لا تفتك البرجوازية بقضية المرأة وهي قضية ظلت لعقود من الزمن تخيف الرأسمالية واستمرت كأرضية لصراع حقيقي هدد باستمرار سيطرتها، صراع استعملت فيه الأجهزة القمعية من البوليس والجيش والرصاص الحي أحيانا، لصد المد النضالي للحركة النسائية وللزحف التحرري للمرأة؟! بحيث كانت الحركة النسائية عبر العالم جزء من الحركة الثورية وحركة التحرر الوطني العالمية والقوى الديموقراطية، وحركات مناضلة أخرى، ومدينة في العمق للحركة الشيوعية التي حملت للبشرية مشروع المساواة بين الرجل والمرأة الذي يعد جزء أساسيا منه. وبالمناسبة أسجل أن ما تحقق للمرأة في ثورة أكتوبر الاشتراكية سنة 1917 لم تصله "أرقى" النماذج (من السويد الى أمريكا) المتغنى بها بعد الجرعات المقدمة على مراحل من طرف البرجوازية. وفي هذه المرحلة لا تتوانى البرجوازية عن السطو والتخريب لكل الحركات المزعجة والقادرة على الانبعاث، وبالتالي مأسستها وتحويلها لآلية من آليات الضبط للصراع لتجديد سيطرتها. وقد بدأت بوادر هذا المشروع التخريبي مع ما أصاب الحركة الشيوعية العالمية من تشرذم وتحول لأغلبية الأحزاب الشيوعية العالمية لأحزاب انتهازية تحريفية لا علاقة لها بمشروع المساواة بين بني البشر ولا بتمثل الطبقة العاملة والمضطهدين والمضطهدات، أحزاب وجمعيات/منظمات تعمل على تمزيق وحدة الطبقة العاملة والتحالف الطبقي الثوري في أرجاء العالم وعلى نطاق الأقطار المحلية المختلفة. وقد عانت الحركة العمالية وبجانبها الحركة النسائية نتائج هذا التشرذم. وكان فاتحة لبوابة مشروع التوسع الامبريالي تحت غطاء سياسة العولمة بهدف تحقيق ما عجزت الحربان العالميتان عن تحقيقه، وبإمكانيات حربية متطورة تفوق ما استعملته الأنظمة الاستعمارية في الحروب السابقة بحكم التطور الهائل وغير المسبوق والمشهود للأسلحة الامبريالية، من أسلحة نووية على اختلافها الكبير والمتنوع كالقنابل الذرية والهيدروجينية والنيوترونية المهددة للعالم بحكم استخدامها في الحروب الحالية وأسلحة الإبادة الأخرى المستعملة في حروب جارية الآن في كل أنحاء العالم، والتي تحاصر بها كل بقع المعمور، ولا نعلم عن حقيقتها أي شيء في المرحلة الراهنة باستثناء تهديدها للحياة على كوكبنا، بهدف السيطرة المطلقة على كل أقطار العالم لاستغلالها ونهب ما تبقى من الثروات العالمية في البلدان المستعمرة وأشباه المستعمرات وتوزيعه بين الأقطاب القوية عسكري. لهذا فالسؤال هو ماذا بالإمكان أن تقدمه جمعيات نساء الصالونات والأقلام الصفراء والمأجورة للمرأة، ومنها للإنسانية، وهي في الأصل صناعة لتجار الحروب والنهب ممن يرسلون الجنود لقتل الأبرياء في أقصى بقعة على الأرض استجابة لحلفائهم الرجعيين والامبرياليين والصهاينة، ويفتكون بكل الأصوات المطالبة بالعيش الكريم والرافضة لمخططات تنزع منها لقمة العيش؟ أي، ماذا ننتظر من إطارات ممولة ممن يقودون حروبا لا تفرق بين شيخ أو عجوز أو طفل أو طفلة أو امرأة، وأصبح جشع شركاتهم الامبريالية أوسع من ذي قبل وكل يوم يطالب بجرعات مكثفة لمدافعهم وطائراتهم لتصل لالتهام مدن بكاملها وتحويلها لخراب ولركام ومقابر جماعية؟ وماذا قد تجنيه الجهات المدعوة للنضال في تنسيقها وتفاعلها أو تحالفها مع ذات الجمعيات النسائية التي لا يتجاوز وجودها الأوراق ولقاء الصالونات؟
باختصار، إن الإطارات النسائية البرجوازية ولو نصبت على رأسها النساء، فهي مستعدة للتضحية بحقوق المرأة تحت أي مبرر كان، بحيث لا يهمها سوى الحفاظ على مصالحها واستمراريتها، وهذه هي حقيقة أغلب الإطارات المدعوة نسائية الموجودة على سطح الأحداث في هذا العصر. ولهذا لا غرابة في الترويج أن حقوق المرأة مضبوطة بالخصوصية من قبيل ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده، والقبول بالتضحية بنصف المجتمع لصالح الثقافة السائدة والمتخلفة، وهي في الأصل ثقافة وأفكار الطبقة التي تتصرف بوسائل الإنتاج المادي لتأمين استمرار التعبير المثالي عن النهب والاستغلال وامتصاص دماء الشعوب، ثقافة تصب في صالح حكم وسلطة نفس الوحوش الذين يحكمون ويقتلون ويشردون الآن. إذن، ما المكان الحقيقي الذي تستوجب أن تقف فيه الحركات المناضلة ومنها الحركات النسائية المنسجمة؟ صحيح أن المرأة اليوم مطالبة بالنضال من اجل التحرر من الاستعباد الرجولي المفروض عليها عائليا واجتماعيا وثقافيا ودينيا واقتصاديا، والذي يعني في العمق الإلغاء العملي بدون أي عوائق وحواجز لكافة القوانين القائمة على التمييز، لجعل الحقوق المدنية للمرأة والرجل واحدة، والحقوق السياسية للمرأة والرجل واحدة، والحقوق الثقافية للمرأة والرجل واحدة، ولجعل حرية اختيار المرأة والرجل فيما يتعلق بأنفسهما وبأسرتيهما وبمكان العمل واحدة وتساوي الحقوق في ميدان العمل والوظيفة وغير ذلك.. وأيضا لجعل المساواة في الميدان الاقتصادي حقا غير مشروط، لان في حالة خضوع المرأة للتمييز في الميدان الاقتصادي، فإنها لن تحظى بالمساواة في باقي الميادين. وبالموازاة فهي مدعوة لتحسين أوضاعها المتدنية في الصحة والتعليم والسكن والعمل وفي كل المجالات الاجتماعية بشكل عام ومقاومة الاستغلال الوحشي المسلط على أكثر الفئات فقرا ومنها النساء العاملات، والنضال من أجل تشييد مساواة الإنسان لأخيه الإنسان، والدفاع عن استمرار الحياة على كوكبنا والمهددة من قبل الحروب الحديثة التي تقودها الامبريالية، وهو الميدان الذي تجد فيه نفسها جنبا الى جنب الرجل في معركة طبقية عنيفة. لذا فمهمتها النضالية مزدوجة، لكن الحركة النسائية تعيش وضعا صعبا، إن لم أقل تمر من حالة الشتات والتشرذم وأغلب إطاراتها مجرد أرقام على الأوراق بيد الأنظمة لتمويه الحقيقة وتحييد قاعدة نصف المجتمع من معادلة الصراع. ففي كل بلد يتواجد كشكول من المنظمات النسائية أغلبيتها انتهازية ونفعية وصفراء وتدعي الدفاع عن المرأة وعن حقوقها وتمثيلها. وتساند أنظمة القائمة في بلدانها بحيث تلتزم الصمت أمام الإجرام في حق المرأة محليا ودوليا، وبعيدة كل البعد عن النضال من أجل المساواة وتحسين العيش ومناهضة الاستغلال.. والحديث على هذا المنوال يرتب للمناسبات الرسمية لتزيين المشهد السياسي بعد تلقي الإشارات من الواقفين في الخلف، ولا يهمها صحة المرأة ومأساتها في مواقع الاستغلال ولا شروط عملها في ظل مخططات طبقية تعمق التجويع والتفقير، ولا تعليمها، ولا حقوقها كأم لرعاية مولودها.. لكن هذا لا يعني أن المرأة ليس لها إسهام في المعركة الطبقية الدائرة ضد قوى الاستغلال وناهبي ثروات الشعوب خارج الهياكل الطفيلية، بالعكس فهي تتصدر مجموعة من المعاركة الطبقية في المعامل، والضيعات الفلاحية، والشوارع، وتسجل ملاحم بطولية باستمرار الى جانب الرجل، وتثبت أن نضالها وتضحياتها مناقضة للمنظمات النسائية الانتهازية والصفراء. لهذا أقول إن من يمثل المرأة فعلا هو الحركات المناضلة والمنسجمة التي تتصدى لهذه الأوضاع المزرية التي تعاني منها في ظل المجتمع الطبقي، والمناهضة لحروب الإجرام والتقتيل في كل بقع العالم والذي يقوده التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي، والمدافعة عن حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وتمثلها الأم التي ترفع صوتها للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمعتقلات السياسيات، سواء في إطار منظم أو دفاعا عن فلذات أكبادها، وتمثلها أيضا الحركات المساندة للفعل المقاوم والمناضل عبر العالم. ولا يفوتني أن أحيي المرأة الفلسطينية رمز المقاومة والتضحية في كل تجلياتهما العظيمة. لهذا أقول، مرة أخرى بل وللمرة الألف، إن المرأة في حاجة لمثل هذه الحركات والإطارات وليست في حاجة لإطارات تتغنى ب"العام زين" أمام الكامرات بالمناسبة وبدونها كما هي أيضا في حاجة لإطار بديل يتوجه في نضاله لتعرية معاناة المرأة العاملة والفلاحة والمعطلة والتعريف بنضالها وتضحياتها ويوجه المرأة نحو أهدافها الحقيقية بصدق ومسؤولية، ويجعل من مجموع النساء قوة عظيمة تستطيع أن تحقق أهداف المرأة في شقي النضال المزدوج، ويعتمد على حشد نصف المجتمع للمعركة الطبقية كقوة فاعلة ومؤثرة إلى جانب الحركات الثورية والمناضلة فعلا للتوجه على صعيد الممارسة السياسية باتجاه السلطة، للقطع مع مسار ظلت فيه الأنظمة الرجعية تسترزق على معاناة المرأة..