|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
سعاد إسويلم
!--a>
2019 / 3 / 14
مع تصاعد المد النسوي الذي شهدته المنطقة خلال وما بعد ما أُطلق عليه «الربيع العربي»، كثرت المغالطات حول النسوية كنظرية، ليس فقط لحداثة معرفة أعداد كبيرة بها، بل كذلك للتعتيم عليها.
ورغم وجود منصات تنتج معرفة نسوية باللغة العربية، فإن واقع الشيطنة الذي يُعمل عليه بشكل ممنهج إعلاميًّا حول أي خطاب يهدف للتغيير، يجعل من الصعب الوصول إلى الشارع العريض، حيث ترفع مجموعة من الفزاعات التخويفية مثل التغريب والهجوم على استقرار المجتمع بهدف خلق شرخ بين الخطاب النسوي والمتلقين، رغم عدالة ومشروعية هذه المطالب.
النظام الأبوي: بنية لا تضطهد النساء وحدهن
نعيش في ظِل عالم يسوده انعدام المساواة والعدالة، وينقسم إلى مُهيمِنين وواقعين تحت الهيمنة، ويتحكم فيه نظام يقوم على التفاوت الطبقي والجندري والعرقي، مما يجعل أي خطاب أو تيار فكري يناهضه يحتاج إلى بذل مجهود كبير كي يجد الإنصات، في مساحة محتكرة من السلطة المُهيمِنة.
حتى الفئات التي تخضع للهيمنة، مثل النساء والأقليات الدينية والعرقية والجندرية، تُطبِّع وتتبنى قيم وتصورات وخطاب من يضطهدونها.
نجد النساء مثلًا يرون أنفسهن استنادًا إلى معايير الأيديولوجيا الذكورية في كيفية عيش حياتهن ومركزهن داخل المجتمع، وكل ما يتعلق بهن، حتى وإن كان في ذلك انتقاص من قيمتهن، وينقلن هذه الأفكار إلى أبنائهن وبناتهن، وهذا يرجع إلى سيطرة القيم الذكورية على التنشئة التي يخضعن لها، مما يسمح بالحديث عن إعادة إنتاج الهيمنة والمحافظة عليها بل وتأبيدها، وهو ما تفعله أيضًا الأقليات الأخرى.
المقاومة ورفض التمييز والسيطرة، التي يعمل وفقها الخطاب النسوي، تستخدم أسلوب الوعي، وتساعدنا على فهم كيف تعمل الثقافة في بنيات النظام الأبوي على تغليف التقسيمات والتمايزات، وجعلها تقسيمات طبيعية، من خلال فرض مشروعية سيادتها، وتقديمها كما لو كانت مصالح جماعية، تشترك فيها جميع الفئات الاجتماعية والطبقية بغض النظر عن موقعها في المنظومة، مما يُسهم في تبرير النظام القائم، وذلك بإقرار الفروق وإقامة المراتب.
هنا يظهر التقاطع العضوي بين الذكورية وكراهية النساء، والعنصرية والطبقية ورهاب المثلية ورهاب الأنوثة والتحول الجنسي، إذ أن مختلف أشكال العنف والإقصاء هذه تنطلق من بنية أبوية قمعية تفرض قيمها وأحكامها وقوانينها بمختلف الوسائل العنفية، مباشرة وغير مباشرة، من أجل الحفاظ على الوضع القائم في وجه محاولات المقاومة والتغيير، وضمان مصالح وسلطة ذوي الامتيازات الجندرية والطبقية والعرقية والدينية على حساب الفئات والأشخاص الأكثر هشاشةً والأقل تمتعًا بامتيازات القوة والحماية، ضمن دينامية قوية مبررة ومحمية ومروَّج لها بذرائع مختلفة مثل «الطبيعة» و«الصالح العام»، وهي مفاهيم إذا ما جرى تفكيكها يمكن إثبات بطلانها وعدم منطقيتها.
النسوية: علم ووعي ومقاومة
تاريخ السلطة الذكورية هو تاريخ من احتكار المعرفة وتشكيل العقول وفقًا لأيديولوجيتها، وبالتالي خلق وعي مزيف يضمن استمرار الهيمنة وفرض تصور عن العالم الاجتماعي ليكون أكثر ملائمةً لمصالحها، وبالتالي فالنسوية تأتي لتعطي معرفة جديدة عن وضعية النساء والفئات المضطهَدة من وجهة نظر خارج سلطة الفئات المهيمِنة.
النسوية، بحسب التعريف الذي تقدمه مجموعة «نظرة» للدراسات النسوية، هي «مجموعة من التصورات الفكرية والفلسفية التي تسعى لفهم جذور وأسباب التفرقة بين الرجال والنساء، وذلك بهدف تحسين أوضاع النساء وزيادة فرصهن في كافة المجالات. النسوية ليست فقط أفكار نظرية وتصورات فكرية مؤسسة من الفراغ، بل تقوم على حقائق وإحصائيات حول أوضاع النساء في العالم، وترصد التمييز الواقع عليهن سواء من حيث توزيع الثروة أو المناصب أو الفرص، وأحيانًا حتى احتياجات الحياة الأساسية من مأكل وتعليم ومسكن وغيره. النسوية هي إذًا وعي مؤسَّس على حقائق مادية، وليست مجرد هوية».
تقسِّم «نظرة» مصطلح النسوية إلى 3 محاور:
1علم
2وعي
3مقاومة
النسوية كعلم هي «الدراسة المتعمقة للتفرقة والتمييز بين الرجال والنساء في شتى مجالات الحياة، المؤسسة على مجموعة من الحقائق المباشرة وغير المباشرة، ومحاولة فهم أسباب تلك التفرقة، والتي تطلق عليها النسويات الفجوة النوعية، مع اقتراح أفضل الطرق والسبل للتغلب عليها».
أما النسوية كوعي فهي «الإدراك الواعي المؤسَّس على الحقائق، الذي يوضح أن الظلم والتفرقة الواقعين على النساء ليسا مجرد صدفة تاريخية، ولا مشكلة ثقافية أو جغرافية أو قضية مرتبطة فقط بالفقر والجهل، بل وعلى الرغم من أهمية تلك الأسباب، فهي مرتبطة أيضًا بحزمة معقدة من العوامل المباشرة وغير المباشرة التي تقع على النساء ويعاني على إثرها المجتمع بالكامل».
أما النسوية كمقاومة فهي «بناء ورؤية النسوية كحركة أداة لنشر المعرفة ورفع الوعي النسوي، عن طريق التعريف بكافة أشكال التمييز، وتنظيم الحملات واستخدام أدوات مختلفة ومبتكرة لمواجهة ماتتعرض له النساء».
” أي خطاب لا يمس السلطة الأبوية داخل مؤسسة الأسرة، ليس له أثر بالغ في باقي البنيات.
“
الأساس النظري للنسوية ينطلق من التحليل التاريخي للنظام الأبوي، وكيف استطاع عبر كل المؤسسات، ابتداءً من الأسرة والمجتمع والدولة والنظم المعرفية، أن يعطي للتفاوت بين الذكور والإناث بعدًا طبيعيًّا وجوهريًّا.
هذا التحليل يمكِّننا من فهم وضع الهيمنة التي تمارَس على النساء، من خلال النموذج المثالي للمرأة والرجل داخل المنظومة الثقافية والاجتماعية الذكورية، التي تكرِّس، باستخدام الصورة النمطية، للأدوار والصفات الجندرية التي تلصق بهوية كل منهما. نحن لا نتحدث في الهويات الجندرية عن النوع البيولوجي، بل عن النوع الاجتماعي.
مهمة النسوية إلغاء هذا التضاد بين الذكورة والأنوثة، من خلال إحلال المساواة التامة، ليس من داخل النظام الأبوي، بل بهدمه وإحلال نُظم غير قائمة على التمييز.
تمكنت النظرية النسوية عبر التراكم المعرفي من تبين الدور الذي تلعبه الهندسة الأبوية للأدوار، في فصل النساء عن المجال العام داخل المجال الخاص (البيت، والزواج)، مما حرمهن من المشاركة السياسية والقانونية، وبالتالي حيازة السلطة اللازمة لتغيير وضعهن.
المجال الخاص ليس مجالًا تتمكن المرأة من خلاله من تغيير وضعها، بل هو مساحة خصبة لإعادة إنتاج السلطة الأبوية من خلال ممارسة الوصاية من الرجال والأكبر سنًا، وهذا ما يجعل أي خطاب لا يمس السلطة الأبوية داخل مؤسسة الأسرة غير ذي أثر بالغ في باقي البنيات، مثلما توضح عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي في كتابها «L Amour dans les pays musulmans»: «ما دامت قيم التحرر لم تصل بعد للمجال الخاص، ستظل قيم التحرر في المجال العام ناقصة ومعطلة».
«الامتياز الذكوري كلفة كبيرة يدفع ثمنها الرجال»
تأتي النسوية كتوليفة من النظريات السياسية والفكرية التي تهدف إلى نقد وتفكيك وتحليل البنى الاضطهادية الأبوية في تجلياتها السياسية والدينية والاقتصادية والثقافية، التي تُبقي على خضوع واضطهاد النساء في المجالين الخاص والعام، إضافةً إلى تطوير نضال سياسي وفكري يجعل هذه المعاناة مرئية وقابلة للتغيير.
لا تكون النسوية في هذا نقدًا لوضع النساء فقط، بل تفكيكًا لكيفية عمل المنظومة الأبوية، من خلال جندرة الحياة الاجتماعية، وجعل الامتياز الذكوري ضريبة يدفعها الرجل نفسه.
في كتابه «الهيمنة الذكورية»، يبين عالم الاجتماع الفرنسي «بيير بورديو» أن «للامتياز الذكوري كلفة كبيرة يدفع ثمنها الرجال أيضًا، بدءًا بالتوتر الناجم عن تكثيف كل الجهود لممارستها والحرص عليها، سواءً ببذل جهد خاص في الممارسة الجنسية أو بتعاطي مواد مهيجة، أو في الخوف الوسواسي من العجز الجنسي».
” تُربط الرجولة بقيم وتوقعات أقرب إلى المثالية، تتمخض عنها سطوة على الرجال أنفسهم، ليصبح «المهيمِنون مهيمنًا عليهم بهيمنتهم»
“
«الرجولة تكليف ثقيل يستوجب قابلية للصراع والإقدام على ممارسة العنف. ويمكن أن نسوق هنا مجموع الممارسات المتهورة التي تحمل قدرًا من الشجاعة وفقاً للتصور السائد، والممتد أحيانًا إلى بعض المهن، كالفرق المتخصصة في الشرطة والجيش، حينما يُربَط بين إهمال الإجراءات الوقائية وركوب المخاطرة المؤدية للموت أحيانًا، وبين شجاعة الفرد ورجولته».
النظام الاجتماعي المنظم جندريًّا، وإن كان يَبسط هيمنته وعنفه على النساء بشكل كبير، إلا أنه ومن خلال التنشئة الاجتماعية والسياسية التفاضلية والبنى القائمة يهيئ الرجال للعب أدوار السلطة، ويربط الرجولة بقيم وتوقعات أقرب إلى المثالية، تتمخض عنها سطوة على الرجال أنفسهم، ليصبح «المهيمِنون مهيمنًا عليهم بهيمنتهم» بتعبير بورديو، فيعيشون رهابها باستمرار، مما يولد سلوكيات العنف والقسوة.
عادةً ما نسمع شكاوى الرجال من مجموعة من الظواهر الاجتماعية المرتبطة بالدور الجندري المرسوم لهم من الأبوية، مثل الشكوى الدائمة من ارتفاع المهور، الذي يتولد عن إعطاء الرجال الأدوار الاقتصادية في المجتمع، وبالتالي جعلهم يعيشون ضغطًا كبيرًا لخوض تجربة الزواج، في حين أن إلغاء هذه الأدوار سيمهد للشراكة الأسرية التي تجعل الجنسين على قدر متساوٍ في ما يخص الدور الاقتصادي.
لكن ذلك يبدو شبه مستحيل في ظل سيادة منظومة زواج ذكورية، تعطي امتيازات قانونية واجتماعية للرجل على حساب المرأة، وتجعل هذه الأخيرة مجرد تابع في العلاقة، مما يفضي إلى علاقات غير متكافئة ويُسهِم في خوض الجنسين معاناة كان يمكن تجنبها.
لماذا نحتاج إلى النسوية؟
النسوية في شقها التقاطعي تدفع نحو نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي غير قائم على التمييز أو التفاوت، سواءً بناءً على الجندر أو العرق أو الطبقة أو الميول الجنسية.
تهتم النسوية بقضايا الأقليات كافة، لكونها تخضع لنفس البنية الأبوية والنظام الذي يضطهدها، إذ تشترك كل هذه الفئات المضطهدة مع النسوية في الخضوع لنفس المنظومة. وتهدف النسوية لعدم تعريض الأفراد، رجالًا ونساءً، مثليين ومغايرين، بطبقاتهم وأعراقهم، للاضطهاد والتسلط والوصاية، وعدم إخضاعهم لأدوار اجتماعية تجعلهم يعانون نفسيًّا ويُنبذون ويُعاقبون إن لم يمتثلوا لها .
نحتاج إلى أن نكون نسويات ونسويين كي نتمكن من إبصار كل هذا الاضطهاد والظلم، والنظر إلى جذوره وكيف يعمل ويسيطر على حياة الجنسين بمختلف الطبقات والأعراق، فيجعلهم في صراع نفسي واجتماعي يولد واقعًا من البؤس والتمييز، تعيش تحت وطأته النساء والرجال وإن بدرجات متفاوتة، ويجعل من الرجال كائنات تقتات على معاناة غيرها، وتتسلط على مصير أقرب الناس لإرضاء توقعات الرجولة المتخيلة.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|