|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
عزالدين بوغانمي
!--a>
2019 / 3 / 17
الثورة شكلت فرصة للإسلامين لمراجعة أدبياتهم الكلاسيكية، بما يسمح لهم بإعادة تعريف الدولة المدنية الحديثة والانفتاح عليها، وجعل الدين مرجعية عامة للمجتمع بدل جعله ايديولوجيا للحكم.
بدل اعتبار الثورة فرصة للاندماج في الأفق السياسي الذي فتح بعد 14 جانفي، وفرصة للخروج من حالة العزلة، يعني عِوَض وضع حد للصدام مع الدولة والمجتمع الذي دام طويلا، نظرت حركة النهضة إلى الثورة كفرصة للقبض على المجتمع والدولة، وفشلت في ذلك فشلا ذريعا. والحقيقة أن هنالك مشكلة عقلية أصابت جماعات الإسلام السياسي في شرايينها وجيناتها؛ اسمها عدم الاستفادة من الدروس والتجارب. فحركة النهضة جربت ابتلاع تونس دولة ومجتمعا، وغَصَّتْ بها، واختنقت وكادت تنتهي صيف 2013. وكنا نعتقد أن ذلك الدرس البليغ، سيجعل قادة حركة النهضة يقيسون قوة مكاسب المدنية، وحصيلة حركة الإصلاح العريقة التي وحدت ضدهم تونس برمتها، وأزاحتهم من الحكم. ولكننا نراهم اليوم يتصرفون كما لو أن شيئا لم يحدث.
اليوم، السبت 11 أوت 2018 ، وردًّا على تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، نظموا مظاهرة خطابية ذكَْرت التوانسة بتجمهرات أنصار الشريعة سنوات 2012 و2013. عادت حركة النهضة اليوم إلى منبتها الأصلي. عادت إلى خطاب التطرف وتقسيم التوانسة بين مسلمين وكفار. ذلك الخطاب المزيّف الكئيب التحريضي المنتج للرصاص وسكاكين الدواعش. فَوَلْوَلَتْ مُكبِّرات الصّوت وسط الحشود منادية بالكراهية وثقافة القتل، والتبشير بالعودة إلى التوحش، وافتعال خصم وهمي للاسلام.
اليوم، تذكرت شكري وهو يسبح في دمه. تذكرت الحاج محمد البراهمي يتخبط في دمه أمام أطفاله. تذكرت سقراط الشارني ورفاقه. تذكرت كل مشاهد الدماء القانية والرؤوس المقطوعة، وقهقهات الإرهابيين وهم يمثلون بجثث الجنود. تذكرت الدواعش يبيعون ويشترون النساء في أسواق الهمجية الواقعة خارج التاريخ.
إنّ خطاب حركة النهضة اليوم أعاد إلى تونس ذلك الوحش الدموي النائم في أوساخ ثقافتنا القديمة، والذي يجعلنا نشعر بخزي عميق من كوننا ننتمي إلى الإنسانية المعاصرة.
لا تخشوهم، إن الإرهاب قد ولَْدَ شعورًا عامًا في العالم بأسره، بأن الإسلام السياسي الذي أنجب داعش، هو أسوأ ما تعرضت له البشرية من مصائب عبر تاريخها الطويل. و أن قناعة قوية قد رسخت لدى المثقفين والعلماء وصناع الرأي العام في أركان الأرض الأربعة، بأن الإسلام السياسي خطر على السلام العالمي، وهو يهدد بإعادة البشرية إلى العصور المظلمة، وشريعة الغاب.
إن هذه الملامح والكثير غيرها، تُشير بوضوح إلى أن مرحلة الإسلام السياسي قد شارفت على الانتهاء، وأن اندثار أحزاب الإرهاب مسألة وقت ليس إلا، بعد أن ثبت ارتباطها بالنكبات الإقتصادية وبالتوتر والفجائع أينما حلَّتْ. وأن الإسلام كدين تسامح ومحبة ورحمة يجب أن يتحرر من المجرمين الذين استولوا عليه واستخدموه لتخريب الدول وتمزيق المجتمعات. وإن غدًا لناظره لقريب.
لا تخشوهم. أعيدوا مشاهدة الفيديو الذي سجل المظاهرة. واستمعوا إلى خطاب النساء الأُمِّيّات اللواتي جلبوهم للمسيرة وسمحوا لهن بالرد على تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة. ستفهمون درجة الإفلاس السياسي الذي أجبرهم على استخدام جمهور مصاب بقطع دماغي كامل، لا يفرق بين صدر الإسلام وبين زمن العولمة والآي فون. نساء مقطوعات عن العالم، لم يتجاوزن الدرجة الأولى من التعليم الآبتدائي، لا يفهمن لا معنى الحرية الفردية ولا المساواة ولا حتى معنى الدولة، جيء بهن بعد أن تم إقناعهن بترديد بعض الجمل تعبيرا عن تمسكهن بثقافة الظلم المسلط عليهن.
لا تخشوا هذا السلوك الذي يراد به تخويف التوانسة وفرض الإذعان عليهم. فهم أقلية لا مستقبل لها في هذا العالم. علاوة على أن هروبهم، كما في كل مرة، وراء خطاب الهوية وتكفير خصومهم وتحويلهم إلى خصوم للإسلام، هو هروب من فشلهم الذريع في الحكم طوال السنوات الماضية. ذلك أن إفلاسهم سياسيا يجعلهم يستخدمون حيلة الدفاع عن الإسلام لتبرير استمرارهم.
وعلى كل حال، بعد ساعات من الآن سنرى نساء تونس الحقيقيات. ستنزل الجميلات ذوات العيون السود والقامات الرشيقة بلباسهن الصيفي الخفيف وعطورهن تملأ الشوارع والساحات !
ستنزل الجميلات إلى ساحة باردو دفاعا عن المساواة. وسترون بأم العين الفارق بين ثقافة تونس في 2018 وثقافة يثرب في القرن السابع ميلادي. سترون الفارق بين ثقافة الحب والحياة، وبين ثقافة الكراهية والموت. وستتبينون أي الثقافتين مُهَيّأة للبقاء والانتصار.
أحلم بمسيرة أنثى عارمة ترد القطار إلى السكة.
يا شعبي الذي أعطى دمه مقابل الحرية. يا شعبي الملطخ بالدموع المفجوع الفؤاد .
يا فتيات صفاقس المضيئات في الليل كنجوم بعيدة ..
يا فتيات القيروان المحفوفات بالخالدين الراسخات في الأرض
يا سيدات الساحل يا سفن النجاة ومصابيح الهدى
يا فتيات الجنوب الممشوقات كالرماح في معركة
يا فتيات تالة المتوجات بعشق الوطن، العاليات كأناشيدٍ منسية
يا فتيات الشمال المتمردات على القسوة، المعروفات بالنار الدافئة في شتاء الأحزان
يا سيدات بوزيد الطافيات في السواقي كأحلامٍ تائهة
يا فتيات الكاف ذوات الأنوف المرتفعة كتلال وجبال،
يا نساء العاصمة يا للعيون السود المطعونة في كبريائها
أيتها التونسيات المخيمات على سماء بلدي و أيامه، كغيوم من الإغراء تتلبد في صدور العاشقين ..
أنتن الوطن؛ وإني مهزوم أمامك يا وطني، فانتصر !