|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
نضال نعيسة
!--a>
2020 / 6 / 22
بعد عقود من شتى أنواع المكابدات والمعاناة، تحولت حياتنا إلى دوامة ومطحنة من القهر والحزن والألم والإحباط، فحتى تلك الذكريات المفترض أن تبعث في نفس البشر العاديين، في شروط صحية وطبيعية، الأمل والإلهام، باتت كابوساً وتراها، بغير عين، محبطة وتجهض أي محاولة للفرح والحياة.
وإذ يحتفل العالم قاطبة في الأحد الثالث من شهر حزيران يونيو، بـ"عيد الأب"، بتشكيلة متنوعة من الطقوس والعادات المختلفة حسب كل مجتمع، تغلب عليها البهجة والتأمل والرومانسيات، إلا في هذه الأصقاع المنكوبة بالفاشيات، فلا مجال لأي فرح، وليس هناك من شيء يبعث على التفاؤل، لا بل كل ذكرى ومناسبة ترتبط بسلسلة من الكوارث والمآسي والقهر والإحباط.
وفي هذه المنسبة والعيد الأممي، استذكر في المرحوم والدي "أبا نضال"، الرجل الطيب الفقير المعدم المسكين، الذي عاش بسيطاً ومات بصمت بسيطاً، والذي لم تتلوث يداه، يوماً، بفساد ولم يدخل جيبه قرش حرام ولم يؤذ نملة طيلة عمره المديد وفوق ذلك كله مات مقهورا مكمودا مغتاظا حزينا عليّ وما ألمّ بي في العقدين الأخيرين من نازلات، وهو كان قد بذل، وصرف عليّ من دم قلبه وعرق ليربيني على الفضيلة والأخلاق وليعلمني ويرسلني للجامعة في تلكم الأيام المبكرة المليئة بالقلة والتعتير والإملاق (كان يعطيني يوميا من راتبه الضئيل والهزيل خمس ليرات سورية لأذهب بها إلى جامعتي، بكلية الآداب، بجامعة دمشق، كنت، يومها، أشعر بالإثم وعقدة ذنب حين أتناولها من يديه المتعبتين وأسحبها من رصيد راتبه القليل الذي بالكاد كان يكفي ثمن طعام بسيط وعيش كفاف لا يعرف أي نوع من الرفاهية والإسراف، وكان ينتابني إحساس قوي كأنني أسرقها من "الزيارة" او ما يعرف بمقام سيدهم الخضر المقدس عند الطائفة النصيرية العلوية)..
سنوات طويلة مرّت بين تخرجي من الجامعة وسفري كملايين السوريين لاصطياد اللقمة خارج سوريا، حيث عملت ونجحت وحققت بعضاً من طموحات متواضعة وأمان معيشي لم يكتمل حيث عدت لسوريا بفعل ضغوطات مختلفة لأجد نفسي عرضة لإجراءات غير قانونية وغير أخلاقية، من أهمها بطالة ومنع عمل وقرار منع سفر جائر لعقد من الزمان، كان والدي خلال ذلك كله، يتحسر ويزفر زفرات تنخر عظامي وهو يراني حبيس الجدران المنزلية عاطلا عن العمل متسكعا وانا في عز شبابي لان هناك خنزيرا حاقدا شريرا يتربص بك في مكان ما من هذه الغابة التي كان اسمها وطناً يوماً ما، ويستهدفك بكل استهتار ولا مبالاة بلقمة عيشك وحياتك وفوق ذلك تم فرض، وفي تلك الأيام العصيبة منع سفر واقامة جبرية لمدة عشر سنوات كنت مكبلا غير قادر على فعل اي شيء كا العمر يتقدم بالأـب المسكين وهو يرى فلذة كبده في تلك الحالة، وكانت صحته تتردى مع طول المكوث وانتظار الفرج وورائي عائلة طويلة عريضة ووالدتي المرحومة ووالدي أعيلهم جميعا وفوقهم اطفال صغار (كوم لحم كما يقال) ينتظرون أيضا ان يكبروا ويتعلموا ويترعرعوا بظروف صحية وأسرية صحية وهو كان احد اسباب عودتي لسوريا المشؤومة والكارثية كي أعيله بشيخوخته واكون بقربه وهو الذي كان يتوقع لي مستقبلا وقدرا غير هذا...مات المسكين والحسرة في قبلة والغصة في حلقه، وأغمض عينيه وهو ينتظر بشرى وخبراً ساراً لم يأت بعد ... وأنا، بالمقابل، ما استطعت أن أرد شيئاً من جمائله..
المهم كانت باطلة ومحولة ...وبالنهاية أكلناها بجلدنا ودفعنا حياتنا ومستقبلنا ثمنا لقرار خاطىء غبي غير محسوب ومتهور اتخذناه في ساعة غفلة وانتهى الأمر بنا ها هنا ومن يومها ونحن نتسكع في شوارع هذه المدينة المقفرة...
الف رحمة لروحك الطاهرة ابا نضال ولا أقول لك سوى: اعذرني وسامحني..
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك