|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
نبيل علال
!--a>
2020 / 8 / 29
مع انفجار الثورة الجنسية بداية الستينيات تغيرت نظرة المجتمع الغربي للجنس بشكل كبير والتي ظهرت في الدعوة إلى التحرر الجنسي وحرية المرأة وجنسانيتها وظهور حركة وحقوق المثليين وتزامن ذلك مع صناعة حبوب منع الحمل وتكنولوجيا التلفاز وظهور الإعلام الجديد كل هذا ساهم في تأصل أفكار ومفاهيم جديدة حول الجنس، ما هي هذه التغيرات أو الأفكار التي فرضت نفسها داخل المجتمع الغربي وكيف كانت نتائجها على اللاجنسيين بالذات؟
في النصف الثاني من القرن العشرين بات التأكيد كبيراً على أهمية الجنس في حياة الناس وباتت الكثير من الأفكار حول الجنس معايير اجتماعية لا يسهل الخروج عنها ولعل أكثرها تأصلاً في المجتمع الغربي خاصة هي:
-ممارسة الجنس أمر فطري يتوقعه المجتمع: يرسم المجتمع طريق السلوك الجنسي لأفراده وفق معايير أكدتها التغيرات الأخيرة والتي تجعل كل من يحيد عنها منبوذاً ومتهم بالمرض والتخلف يقول ستيفن بروتون وهو لاجنسي بريطاني: "في المجتمع، هناك احتمال كبير بأننا سنمارس الجنس وذلك يمكن أن يكون صعب جداً على الشخص اللاجنسي أنه يجعلك تشعر بأنك أجنبي في مجتمعك الخاص."
- عدم ممارسة الجنس تعني المرض: إن عدم ممارسة الجنس أو أي انخفاض في النشاط الجنسي يعنى وجود خلل يستدعي البحث على علاج وأصبح كل شخص يرفض الجنس يتلقى هجوماً ثقيلاً من المجتمع باتهامه بالمرض والشذوذ ويزيد من تأكيد هذه الفكرة الكم الكبير من الرسائل التي ترسلها شركات الأدوية والطب الرأسمالي عبر وسائل الإعلام تقول كريستينا غوبتا الأستاذة المساعدة في قسم دراسات المرأة والجنسانية في جامعة ويك فورست: " كجزء من الجنس الإجباري يرسل مجتمعنا رسائل أكثر من أي انخفاض في الرغبة الجنسية أو النشاط هو مشكلة رئيسية يجب معالجتها على الفور. على سبيل المثال، تخبر الإعلانات عن الفياجرا الرجال أنه يجب عليهم الحفاظ على الرجولة الجنسية طوال حياتهم، حتى لو كان عليهم تناول الدواء للقيام بذلك، تعمل شركات المستحضرات الصيدلانية حاليًا على تطوير عقاقير "العطل الجنسي للإناث"، ويقلق بعض الناشطات النسويات من أن الإعلانات عن هذه العقاقير سترسل رسالة مفادها أنه يجب على النساء أيضًا الحفاظ على مستويات عالية من الاهتمام بالجنس، بغض النظر عن التكلفة، إن العديد من المجلات النسائية الرئيسية وكتب المساعدة الذاتية المتعلقة بالعلاقات الجنسية تبعث برسالة مفادها أنه إذا بدأ الزوجان ممارسة الجنس بشكل أقل، فإن العلاقة محكوم عليها بالفشل. بعض هذه الكتب تذهب إلى حد تشجيع القرّاء على ممارسة الجنس حتى لو كانوا لا يريدون ذلك، وذلك لمنع الشريك من المغادرة".
-عدم التفرقة بين الحب والجنس: مدرسة التحليل النفسي التي مثلها فرويد لا تفصل بين الحب والجنس وتعطي ممارسة الجنس صفة علاجية لكثير من الأمراض النفسية يقول ثيودور رايك: "لقد فرق البشر على الدوام بين الحب والجنس، وما زالوا يميزون بشدة بينهما، ولم يتسع معنى الكلمة "الجنس" وتضحى تعبيراً يخلط الحابل بالنابل إلا مع التحليل النفسي" ولا ننسى أن أفكار ونظريات رايش وفرويد هي من أشعلت الثورة الجنسية.
مع هذه الأفكار التي تأصلت في المجتمع الغربي يجد الكثير من اللاجنسيين أنفسهم أمام سلوك إجباري يفرضه المجتمع عبر مؤسساته المختلفة لم يعد للجنس حدود طبيعية اليوم يغزوا الجنس مجالات كثيرة من الفن إلى الاقتصاد وحتى إلى القانون تقول إليزابيث إمينس أستاذة القانون بكلية الحقوق بجامعة كولومبيا نيويورك: "يمكننا القول إن قانوناً جنسياً منظماً على افتراض أن الجنس مهم" كل هذا من شأنه أن يجعل اللاجنسيين يشعرون بعدم الراحة والغربة في مجتمعاتهم وتخوفهم من التعرض للتمييز، كما أن هذه الأفكار التي أصبحت لدى كثير من الناس كبديهيات تجعلهم بقصد أو بغير قصد يسيئون فهم وتقبل اللاجنسيين، وقد يكون لهذا نتائج كارثية خاصة على اللاجنسيين الذين لا يدركون أنهم لاجنسيون وانهم طبيعيون.
إن ما بدأ كدعوة للتحرر الجنسي وثورة ضد قيم جنسية متخلفة انتهى في كثير من جوانبه إلى جنس إجباري يتضح ذلك بشكل ملحوظ فيما يتعرض له اللاجنسيون من ضغوط اجتماعية وعدم التقبل والاندماج بشكل طبيعي في نسيج المجتمع وهذا ما يستدعى الالتزام بالتوعية وإعادة النظر في تطور الأفكار والقيم الجنسية وما مدى تأثيرها على كل الأطياف المختلفة للمجتمع.
حتى اليوم يعيش المجتمع العربي على التقاليد والعادات والرؤية الدينية والجنس ليس استثناء بل هو خاضع بشكل كلي للموروث الثقافي والديني وإن كان المجتمع الغربي وصل إلى تخمة جنسية وانفتاح وحرية لاحدود لهما على النشاط الجنسي والمواضيع الجنسية فإن المجتمع العربي يعيش حالة من الكبت الجنسي وامتناع عن الخوض في المواضيع الجنسية من خلال هذا الوضع هل هناك جنس إجباري في المجتمع العربي وما هي نتائجه على اللاجنسيين خاصة؟
لا يخفى على أحد أن غياب الثقافة والمعرفية في المجتمع حول موضوع معين له آثار كارثية، يعد الجنس من أكثر المحرمات في المجتمع العربي ولا يزال سجين التقاليد والموروث الديني ولسنوات أو ربما لقرون لم تتغير العادات والأفكار الجنسية في المجتمع العربي وهذا لا يخلو من سلبيات وتخلف كبير في السلوك الجنسي الذي يتغير باستمرار من خلال الرؤية العلمية وفي ظل غياب تشريعات قانونية ومجال للتوعية والثقافة الجنسية، فإن هناك ممارسات خطيرة للجنس الإجباري بالوطن العربي على المرأة بشكل عام وعلى اللاجنسيات بشكل خاص من خلال عدة قضايا منها:
الزواج الإجباري: في المجتمع العربي ومنذ ولادة البنت يتم تربيتها وتعليمها ثقافة خاصة في الغالب على تمييز واضح بين الذكر والأنثى ويبدأ ذلك بين الأخ والأخت في تفوق واضح للذكر وصولاً للمراهقة أين يتم إظهار مكانة الزواج وإنجاب الأطفال والتخويف من عدم الزواج حتى يصبح الزواج الهدف الأساسي للبنت وكثير من البنات تزوجن في سن المراهقة كل هذا يبدأ بالضغط النفسي الذي يمارس بشكل يومي من طرف الأهل ونظرة المجتمع كلما ازداد عمر المرأة، ويزداد الأمر سوءًا بالنسبة للواتي يرفضن الزواج بشكل صريح ومنهن اللاجنسيات تقول أحدهن حول الأسباب التي دفعتها للزواج "ضغط المقربين والمجتمع كله ونظرتهم لي لعدم قبولي فكرة الزواج،كان أشبه بالعذاب النفسي بالنسبة لي مع أني كنت لم أتجاوز العشرين عاماً بعد ... وكأن الزواج هو محور الكون" توجد حالات أخطر عندما تم الانتقال من الضغط النفسي إلى الإجبار على الزواج بالقوة وبعض الدول العربية تصنف في المراتب الأولى من حيث الإبلاغ عن عدد حالات الإجبار على الزواج على الرغم من عدم وجود إحصاء في هذه الدول يعطي أرقاماً حقيقية، ويزيد عدم وجود تشريعات قانونية تحمي المرأة من الزواج الإجباري وصعوبة التبليغ وضمان الحماية واللجوء من مضاعفة المشكلة حتى لا يبقى أمام المرأة أي خيار إلا الزواج وفي حالات أخرى انتهى الإجبار على الزواج إلى الانتحار.
الاغتصاب الزوجي: والذي يعرف بأنه كل ممارسة جنسية تتم من دون رضا الزوجة بالعنف والإكراه، والضغط والابتزاز وتعتبر في هذه الحالة اغتصاباً من طرف الزوج" تتعرض الكثير من النساء بالعالم العربي لهذا السلوك الذي يعتبر جريمة في كثير من الدول، لكن في الدول العربية لا يُعترف بالاغتصاب الزوجي كجريمة وتعتبر الممارسة الزوجية من حق الزوج وعلى الزوجة تلبية احتياجاته الجنسية سواء رغبت في ذلك أو لم ترغب، وإن كانت هناك ممارسة طبيعية للجنس مع حالات ربما للاغتصاب الزوجي بالنسبة للجنسيات فإن اللاجنسيات اللواتي أجبرن على الزواج يعتبرن كل ممارسة جنسية اغتصاباً وهذا لاختلاف توجه اللاجنسية، تقول إحدى اللاجنسيات في الإجابة على سؤال ماذا يفعل زوجك لو رفضت الممارسة الجنسية؟: "تختلف ردة الفعل في كل مرة لكنها لا تعني أنها جيدة ... قد يقوم بإيذائي نفسياً .. بشتمي أو استفزازي أو السخرية مني .. أو يقوم بخلق جو مشحون ومتوتر وإلقاء الأغراض وتكسيرها .. أو يقوم باغتصابي لإثبات أنه يستطيع نيل ذلك وأني شخص ضعيف" وتجيب أخرى على نفس السؤال: "الضرب والتهديد والطعن بأن لدي حبيباً آخر" وطبعاً عندما لا يكون هناك توعية باللاجنسية واللاجنسيين سوف تتهم اللاجنسيات بالخيانة والمرض بدل أنهن ضحايا للجهل والجرائم الجنسية.
يختلف الجنس الإجباري في المجتمع العربي عن المجتمع الغربي في أن الأخير كان فيه الجنس الإجباري نتاج تغيرات ثقافية واقتصادية حديثة بين الجنس الإجباري في المجتمع العربي هو نتيجة استمرار للتقاليد والأفكار الجنسية وعليه فإن مراجعة الموروث الثقافي والديني حول الجنس بالمجتمع العربي ضرورة مستعجلة لمواكبة متطلبات العصر والرؤية العلمية وحقوق الإنسان كما أنه يجب الالتزام بوضع قوانين لمناهضة أشكال الجنس الإجباري وتجريمها وتوفير الحماية والمساعدة للضحايا ولا ننسى نشر التوعية والثقافة الجنسية عبر المناهج التربوية والنشاطات الثقافية.