|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
منى نوال حلمى
!--a>
2021 / 10 / 7
الأمومة " المقدسة " مشروطة
بانتفاخ بطن المرأة !
--------------------------------------
فى «مرتفعات وذرينج»، الرواية الوحيدة التى ألفتها الكاتبة والشاعرة البريطانية إيميلى برونتى «٣٠ يوليو ١٨١٨ ١٩ ديسمبر ١٨٤٨»، تتوارى قيمة الرابطة البيولوجية أو رابطة الدم، لتتجلى وترتفع وتتفوق الرابطة الإنسانية، فالأب وجد طفلًا شريدًا فى الطريق، حافى القدمين، يئن من ألم الجوع والبرد والوحدة المظلمة.
دون تردد، حمله معه إلى بيت الأسرة، وقرر أن يجعله فردًا منها، مثل ابنه وابنته من رابطة الدم. بل إنه كان دائمًا فى صف الطفل الغريب عنه بالدم وينصفه على حساب ابنه البيولوجى. وهذا بالطبع لم يعجب الطفل البيولوجى، وجعله يناصب العداء للطفل المشرد حتى كبر الاثنان.
وهذه الرواية قدمتها السينما المصرية فى الفيلم الرائع «الغريب»، من بطولة ماجدة، يحيى شاهين، حسين رياض، محسن سرحان، زهرة العلا، كمال الشناوى، ومن إخراج فطين عبدالوهاب عام ١٩٥٦.
لم يكن من الضرورى أن تؤلف إيميلى برونتى روايات أخرى لتحظى بالتقدير الأدبى الذى تستحقه، فهذه الرواية من أهم وأمتع الروايات الكلاسيكية البريطانية والعالمية، هذا غير الرسالة الإنسانية السامية النبيلة التى تحملها، وهى أن العطف والحنان ورقة الإنسانية وعدالتها، بالإضافة إلى الإنفاق المادى، لا بد أن ينعم بها مَنْ يحتاج إليها ويستحقها بصرف النظر عن علاقات الدم البيولوجية.
أقول هذا لأننى أؤمن حتى النخاع بأن خطايا العالم منذ بدايته تكمن بالتحديد فى إعطاء الأولوية المطلقة لروابط الدم وليس الروابط الإنسانية، فالبشر منذ بداية الجنس البشرى، وفى كل مكان، وفى كل عصر، يسرقون ويسفكون الدماء من أجل الحفاظ على الروابط البيولوجية وتخليد علاقات الدم.
إن الأبوة الحقيقية الأهم ، هى الأب الذى ينفق ماديًا ومعنويًا على طفل أو طفلة ليست من لحمه ودمه وصلبه، والأمومة الحقيقية المثالية هى الأم ، التى لا تجد أى مانع لكى تمنح فلوسها ورعايتها وحبها لأطفال لم يأتوا من رحمها.
هذا ليس كلاما نظريا ، يقتنع به عقلى . لكنه واقع فعلى أنا عشته ، ولمسته فى كل تفاصيل الحياة . فقد عشت طوال عمرى ، مع أب لست ابنته البيولوجية ، وهو الطبيب والمناضل والكاتب د. شريف حتاتة 13 سبتمبر 1923 – 22 مايو 2017 . أحاطنى حنان لا مثيل له ، ومنحنى أروع رعاية متكاملة ، ولم أشعر لحظة واحدة ، أن أخى عاطف حتاتة ، ابنه البيولوجى ، من أمنا نوال السعداوى ،
له معاملة مميزة من أبيه البيولوجى .
وسوف أخص السطور التالية ، بمفهوم الأمومة دون الأبوة، لأنها هى المتضخمة وهى التى يتم التركيز عليها ، الى درجة وصفها بالأمومة المقدسة . وكأننا فى حاجة الى زيادة عدد المقدسات ، التى تنغص عيشتنا ، وتفرض علينا الوصايا والقهر والتعاسة والتخلف .
إن الأمومة الفطرية المقدسة، كما نتربى عليها، موجهة فقط لعلاقة الدم، ومن أجلها ترى المرأة «الويل»، منذ أن تحمل وتلد وحتى تحصل على جائزة الأم المثالية ثم طواعية تُوارى فى التراب. من أجل «الأمومة الفطرية المقدسة» أنكرت ملايين النساء منذ بدء الخليقة، وفى كل مكان، حقوقهن فى العدالة وفى الحرية وفى الراحة. تنازلن عن طموحاتهن العلمية ومواهبهن الأدبية والفنية ، حتى يرضعن الصغار ويغيرن لهم الحفاضات.
من أجل «الأمومة الفطرية المقدسة» ترضى النساء بأرباع أو أنصاف الرجال، يتحملن طباعهم غير المحتملة وذكوريتهم الفجة، وخياناتهم، وعيونهم الزائغة، ومطالبهم التى لا تنتهى طوال أربع وعشرين ساعة، من أكل وشراب وغسيل وتنظيف ونكاح وتدليل وتدليك وخدمة ضيوفهم. وعندما يموت الزوج وتتزوج البنات والأولاد وينشغلون بحياتهم ويتركونها للوحدة والشيخوخة والمعاش البسيط، لا تتذمر، لا تشكو، لا تندم. ولم تفعل. أليس كل هذا نتاجًا طبيعيًا، متوقعًا، فى نهاية خدمة «الأمومة الفطرية المقدسة»؟. أليست هذه هى الرسالة والوظيفة والدور الذى يرضى العبد والرب ، وأليست الجنة تحت أقدام الأمهات ؟؟.
كل هذه الأمور أفهمها، ولكن الذى يحيرنى، لماذا هذه «الأمومة الفطرية المقدسة» لا تكون أمومة ولا تكون فطرية ولا تكون مقدسة ، إلا إذا انتفخ بطن المرأة ؟؟.
لماذا لا نرى الأمومة الفطرية المقدسة ، مع أطفال ليسوا من لحم ودم وأعصاب وبويضة المرأة ؟.
هل الأمومة الفطرية المقدسة لا تنتفض ولا تتحرك ولا تشعر ولا تضحى ، إلا عندما يظهر فى الأفق حادث سعيد يؤكده الطبيب بقوله: «مبروك يا مدام إنتى حامل» ؟.
داعبتنى هذه الأفكار وأنا أرى واحدة من النساء ، تجرى إلى الزيجة الثالثة أملًا فى الإنجاب، وربما تعرض حياتها إلى خطر جسيم ، بإجراء عملية ليست مضمونة. كل هذا من أجل طفل ، لا يأخذ اسمها ، لأن اسم الأم ، عار ، وعورة ، وعدم شرف .
قالت: «عندى طاقة رهيبة للأمومة الفطرية المقدسة، كيف أحققها؟».. لم أيأس، سألتها: «إلى متى؟»، قالت: «التالتة تابتة.. لو مخلفتش خلاص بقى، تبقى دى قسمتى وربنا مش عاوزنى أحقق أمومتى الفطرية المقدسة»، قلت لها: «طب ليه متحققيش أمومتك الفطرية المقدسة مع طفل يتيم محتاج رعاية وفلوس وتعليم وحب وعطف وحنان، وأم تعوضه عن غلب اليتم وقسوة الزمن وتنصل الأهل، يمكن ربنا عاوز ينقذ طفل مسكين على إيديكى؟». انتفضت من الغضب: «يا سلام.. أهو ده اللى كان ناقص.. أصرف فلوسى على يتيم وأديله حبى وحنانى وحياتى.. أدخله أسرتى وعيلتى.. ليه هو أنا عبيطة ولا هبلة.. أربى وأعلم وأصرف على عيل مش جاى من بطنى.. إنتى مجنونة ولا إيه؟».
تركتها تستعد للزيجة الثالثة، وأنا أردد بينى وبين نفسى: « نعم.. مجنونة.. ولن يرتقى البشر إلا بزيادة عدد المجانين مثلى، الذين لا يرون الفارق بين طفل من دمهم ، وطفل فى الشارع يتسول اللقمة والحنان».
------------------------------------------------
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك