|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
منال حميد غانم
!--a>
2023 / 7 / 27
في تعليقات على مقال لي تم نشره يخص "تثمين" العمل الرعائي كان ابرزها ما معنى عمل مدفوع ؟ ومنذ فجر التاريخ والبشر يقسمون عملهم فالإناث ترعى المنزل و الأطفال والذكور يصطادون ويجلبون القوت, ما المشكلة فالرجل يعمل ل8 ساعات في الحر لرفاهية عائلته ؟ وجمل اخرى من قبيل مقال رخيص او تحريضي, عند ملاحظتها ربطتُها بالأسئلة التي طُرحت عليّ وانا أدير حلقات نقاش حول اشكال تثمين العمل الرعائي في اكثر من محافظة في العراق , وكانت الاسئلة: هل سنطلب الأجر من ازواجنا نظير رفع قذارة منازلنا؟ . هل تطلبين المال من والدك نظير رعايته ؟ لتذكرني بمناقشات نادي القراءات النسوية الذي ادرته في النجف وعندما كنا نتطرق لمفهوم العمل الرعائي كانت النساء يعدنه ضرب من الخيال العلمي او الخيال الحالم , فعرفت ان ما اسير عليه من مسار يخص العمل الرعائي من المهم الا يتجاوز الان مرحلة التعريف بهذا العمل على انه " عمل" لكنه غير مثمن على الأقل في الوقت الحالي .
كيف بدأت القصة // تدّعي وزارة التخطيط العراقية في إحصاءاتها وتتفق معها حتى المنظمات النسوية بأن مشاركة المرأة في الاقتصاد ضعيفة حيث بلغ معدل مشاركة النساء بالقوى العاملة 10.6 بالمئة مقابل 68 بالمئة من الذكور في العام 2021، وفق مسح للقوى لعاملة أجرته وزارة التخطيط بالتعاون مع منظمة العمل الدولية, و لكن النساء بلا وقت من جهة اخرى حيث بينت منظمة العمل الدولية ان المرأة العراقية تمضي حوالي ست ساعات من يومها، أي ربع اليوم، في العمل والرعاية المنزلية فإذا كان الكنس والمسح والطبخ وتربية الصغار والتسوق ورعاية كبار السن ومراجعة الدروس وتوصيل الأطفال للمدارس والحضانات لا تصنف كأعمال لماذا تُعتبر اعمال بمجرد تثمينها وبمجرد تحلل صاحبتها من وصف زوجة او ام او ابنة الى وصف عاملة او مدبرة منزلية , جليسة كبار سن , جليسة اطفال , مدرسة خصوصية , سائقة سيارة وغيرها من المهام التي تؤديها النساء مجانا بشكل يومي .
افتتحت اكثر من حلقة بسؤال الحاضرات حول اكثر الأعمال المنزلية كراهة ولكن يتوجب عليهن القيام بها, لخلق حالة من تشاركية المعاناة او الهم اليومي ليتبعه سؤال هل تعرفن معنى مصطلح " العمل المنزلي" أو " العمل الرعائي " او سبق ان لمحتنه في مكان ما ؟ فكانت الاجوبة نادرا ما تصيب . فلماذا لا نستطيع التعرف عليه رغم ان الكلمتين واضحتين ؟
ان العمل المنزلي ما هو الا كافة الخدمات التي يتم انتاجها واستهلاكها بشكل مجاني داخل الأسرة، اي الخدمات التي يؤديها افراد الآسرة لبعضهم البعض، سواء تعلق ذلك بأعمال العناية بالمنزل، من طبخ وتنظيف وإعداد وتقديم الوجبات و شراء المستلزمات المنزلية، أو رعاية كبار السن والمرضى من افراد العائلة وتربية الأطفال و الى غير ذلك من الأعمال التي تقع بشكل أساسي على عاتق النساء، وكما هو معلوم أن العمل المنزلي غير المدفوع لا يُحتسب ضمن الناتج القومي المحلي وفق نظام الحسابات الذي تعده الامم المتحدة اي ان النساء ربات البيوت يصنفن في الحسابات الختامية كشخص معال .
ولكن عدم التعرف عليه رغم وضوح مفردات المصطلح نابع من جوهر المسألة ذاتها وهو اعتبار العمل المنزلي او العمل الرعائي " عمل " بينما هو في نظر الغالب الأعم من النساء والرجال واجب او جهاد في البيت او خدمة للأسرة بدافع الحب والفطرة . وحتى المنظمات النسوية التي تطالب بضرورة إشراك المرأة في الاقتصاد، يفوتها بأن لا اقتصاد أو انتاج قائم بدون أعادة الإنتاج الاجتماعي الذي تمارسه النساء .
ان الاعتراف بأن العمل المنزلي والرعائي "عمل" , هذا يعني تهديد لمصالح النظام الاقتصادي والاجتماعي المستفيد من تعطيل النساء اقتصاديا , لأن من شأنه أن يضع على عاتقه مهمة وضع سياسات تفرض شبكة حماية اجتماعية للمرأة وعائلتها، على سبيل المثال حضانات طفولة مبكرة مجانية، وغيرها؛ وهي التي يعتقد كثر من العراقيين أن نقصها هو من أكبر العوائق أمام دخول المرأة سوق العمل، بموجب مسح البارومتر العربي لدورة 2021- 2022
ان العمل المنزلي او " شغل البيت " الذي نُسجت حوله الكثير من المفاهيم المنعكسة في الأمثال والنكات والروايات والاعلانات والخطابات السياسية وحتى الاخلاقيات التي اعتبرت المرأة القادرة على تدبير منزل تستحق التقدير فتحصل بمجرد اجادته على نقطة من نقاط القبول المجتمعي ونقطة " امتياز" اذا كانت عاملة وربة منزل في وقت واحد لا يتم وصفه على أنه عمل من الاصل. بل هو واجب ومقسم بشكل قدري منذ الازل الى الان بحيث بضربة عصا ساحر افترض البشر ان النساء يملكن جينات تحمل مهارة التدبير المنزلي والعمل الرعائي وبضربة اخرى صار الرجال مسؤولون عن جلب الغذاء او المال او امكانية الوقوف امام الصراف الالي وسحب العملات الورقية والنساء لا .
وصار الرجل الذي يعمل لساعات محدودة لا تتجاوز ال8 ساعات من يومه بأسوء الاحوال " شقيان يعيني" و " متعوب " ويجب ان يصمت الجميع عند دخوله المنزل ليراعوا جهاده في العمل وغسل قدميه وتوفير كل سبل الراحة ليرتاح في ال16 ساعة القادمة بما يمكنه من النهوض ومواصلة العمل بعمل يحوي نظاما او قانونا يتضمن الاجازات المرضية والعادية واجر قابل للزيادة ومكافآت وميزة كبيرة يتحسر عليها من يعملون بالسخرة وهي امكانية ترك العمل متى شاء دون ان يضربه احد او يسحب اطفاله منه او يتم نبذه من مجتمعه واذا صار بلا عمل فلن يتم ازدرائه مجتمعيا او تحقيره فهو ليس بأكثر من عاطل عن العمل واذا قرر ان يقوم بالأعمال المنزلية في فترة البطالة سوف يشعر بالإهانة بينه وبين نفسه وسينظر له الاخرون على انه اصبح عديم الفائدة و" فلان يشتغل شغل نسوان بالبيت خطية ما عنده عمل " لكن بمجرد ان يرن هاتفه ويطلب منه احد المعارف الالتحاق بشركة تنظيف او ليكون عامل في مطبخ احد الفنادق او المطاعم سيتحول الى عامل يستحق كل الحقوق المقررة قانونا وسيستعيد الامتيازات التي سلبها منه المجتمع عندما كان بلا عمل ويشتغل شغل نسوان, لنرجع الى غسل القدمين وتوفير 16 ساعة راحة من اجل النهوض الى عمل منزلي لكن مأجور وخارج المنزل مرة اخرى .
ان النظرة الى العمل المنزلي داخل المنزل بطريقة ازدواجية بحيث يصبح على النساء واجب وصفة حميدة رفعتها " لفظيا" الى ربة منزل أما للرجل على فأنها تشي بالذلة والاهانة وقلة الحيلة بل ويأثر على النظرة الى ذكورته بطريقة تخبرنا نوعا ما بالسبب عبر الاستنتاج بالتساؤل : مجتمعيا وليس اقتصاديا هل تثمين العمل بالمال هو السبب في اعتباره يستحق الاحترام لتنسحب سبغة الاحترام الى العامل به ايضا ؟ بصيغة اخرى : هل تقديم العمل بشكل مجاني غير محدود يقلل من قيمته وقيمة القائم به بنظر الناس ؟
يبدو ان الأمر كذلك لأننا في مثالنا السابق وجدنا العامل يلاقي الاحترام بمجرد تقديم عمل بمقابل مادي حتى لو كان العمل هو " شغل نسوان " وفق النظرة التحقيرية لهذا العمل من منظور الناس اذا ارتبطت مجانيته بنوع الشخص الذي يقدمه .
" أنا لا اتلقى اجراً نظير خدمتي لأسرتي " / " هو واجبي وانا افعله بحب ولا انتظر حتى شكرا " / "العمل المنزلي هو جهاد المرأة المسلمة في بيتها وخاصة في الحر" ...
كثيرة هي الجمل التي سمعتها والتي تحاول ان تبرر مجانية العمل المنزلي مرة وأن تجعله سائغاً مرة اخرى من خلال ربطه بالتفاني والحب والأخلاق , فبنت الأصول وبنت الخير لا تتقاضى اجرا نظير كنسها ومسحها لبيتها وكانت هذه ردود متوقعة وقد تهيأت لها قبل الولوج لجلسات النقاش بصراحة , فربط العمل المنزلي بالقيم النبيلة هو الطريق الامثل الذي ضمن للرأسمالية مجانية العمل المنزلي منذ مئات السنين وهو الطريق ذاته الذي اعتمدته في اخراس الاخر المعترض او المتمرد فكما نعلم فكل من يعارض النظام الاخلاقي في اي مجتمع فهوم منبوذ مجتمعيا . وهذا ما حاولت فعله احدى الناشطات في احد الجلسات عندما قامت من مقعدها في اخر الطاولة لتأخذ الميكرفون من امامي وتقف بجانبي فتصبح امام الحضور جميعا وتسألني بأسلوب تحقيقي مستفز ( منال بنتنا الشابة : قُلتي انك تتولين رعاية والدك فهل تتقاضين اجراً نظير تلك العناية ؟) متوقعة مني ان أُحرج في الرد وأُهزم فتوهمت انها وضعتني بين مطرقة وسندان لكن الحقيقة صدمتها عندما لم يصفق لها الجمهور الحاضر وصححوا لها معلومتها التي صححتها لها لأكثر من عشر مرات خلال المحاضرة ليقولوا لها بأن اجر العمل المنزلي لا يدفعه الرجال بل النظام المستفيد من عمل النساء فغادرت القاعة بشكل لحظي محدثة ضجة في المكان , وبطريقة مماثلة بالرغبة في الاستفزاز قالت لي اخرى في جلسة مختلفة , انا اقوم بالعمل المنزلي بكل حب وسعيدة به فلماذا اطلب اجراً ؟ , فقلت لها انا ايضا اقوم بعملي كمحامية وانا سعيدة به وانا اتقاضى اجراً نظير عملي فما الضير اذا اجتمعت المنفعة مع السعادة ؟
وفق النظام الرأسمالي العمل المنزلي والرعائي غير منتج , غير ذي قيمة , لا يخضع لفائض القيمة, لكن في حقيقة الأمر لها مكتسبات منه تقدر ب11 تريليون دولار اي ما يعادل القطاع المصرفي والتأميني في سويسرا وقطاع التكنولوجيا في العالم لا يرغب بمنحها للنساء بسهولة بالطبع فيزعمون وبقوة بأنه اقتصاديا لا يُعتبر عمل لكن بأمكاننا البرهنة على ذلك فهو منتج لأنه يحول سلع اولية الى سلع قابلة للأستهلاك كتحويل كيلوا رز غير قابل للأكل و لتر ماء وملعقة ملح وملعقتي سمن الى طبق رز ناضج قابل للأكل وله ثمن بمجرد ان يُسكب في مطعم ويطبخه شيف ويقدمه نادل , و الاسرة بمثابة منشأة خاصة تستخدم السلع والمواد الرأسمالية والعمل وتنتج منها خدمات التنظيف والتغذية لخلق بضائع مفيدة تشبع حاجاتهم , ولا تختلف عن منشأة السوق سوى بتوزيع ساعات العمل التي يكون صاحب العمل في السوق مراقب عليها بينما في الأسرة تخضع لاختيارات العائلة وتفضيلاتهم , و هو منتج بشكل غير مباشر حيث يعمد الى انتاج مدخلات ضرورية لإنتاج واعادة انتاج السلعة الاهم وهي القوى البشرية والسلع التي يحضرها العامل الى المنزل تحتاج الى " عمل" لتتحول الى مسكن نظيف وطعام جاهز وتنظيف وهذا ماتقوم به النساء كفعل ضروري من اجل تجديد قوى العمل اللازمة للرأسمالية, ويخضع لقانون القيمة كغيره من السلع والخدمات فهذا القانون يتطلب ان يكون هناك تنافس على الاقل تكلفة والأكثر كفاءة للبقاء في السوق , وبالعمل الرعائي يملك الرجال والنساء القيود المالية ذاتها لتحقيق اقتصاد منزلي كفوء وبتكلفة قليلة .
كانت حلقات النقاش تلك ولعدة دقائق تنحرف لتكون دقائق من التنافس على من يسحقها النظام الاقتصادي والاجتماعي اكثر , فعندما تبرعت اكثر من امرأة عاملة لسرد يومها الذي يبدأ من الخامسة والنصف فجرا الى الثانية عشر عند منتصف الليل تطايرت كلمات من قبيل " والله عاشت ايدج" و " والله سباعية " و " تعرفين تديرين وقتج " , وخاصة اللواتي يدرسن ويرعين اطفالً ويقمن بعمل مأجور خارج المنزل. لكنهن في حقيقة الامر سببن الضيق النفسي لدى الاخريات اللواتي شعرن بأنهن لسن نساء خارقات كفاية ليكن مثل تلك النماذج , وانا لم أرها سوى حلبة ديكة الخاسر فيها هم الديكة فقط . فالسعي لأنهاء قيم الأستغلال او القهر الطبقي وأنهاء سحق بشر بأكثر من وردية عمل مقابل اخر يعيش بشكل سوي , ونظام اقتصادي منتفع بذلك هو " المعركة " التي يجب ان تخوضها النساء على الاقل عند اعادة النظر فيها مرارا وتكرارً والتفكير بشكل جدي حيالها , فوفقا لمعهد التنمية الخارجية فأن النساء تخسر 10.5 اسبوعا في السنة الواحدة بعمل غير مدفوع الأجر وغير معترف به مقارنة بالرجال, لا ولدى النساء النازحات الوضع يزداد سوءا حيث اجرت اوكسفام دراسة عام 2017 وضحت من خلالها ان سياقات النزوح رفعت من معدلات تقديم العمل المنزلي غير المأجور بما مقداره ساعة الى 3 ساعات الى معظم اليوم وان معدل ما يقضيه الرجال في اعمال الرعاية هو 25% فقط . وبينت منظمة العمل الدولية ان النساء تنفق 300 دقيقة في اليوم على العمل المنزلي و 45 دقيقة على العمل الرعائي بينما الرجل يقدم 45 دقيقة على العمل المنزلي و 4 دقائق على العمل الرعائي بمعنى ان هناك فجوة بين الجنسين من حيث الوقت المنفق على العمل المنزلي الرعائي تقدر ب36%.
فما بين اعتبار المرأة معالة اقتصاديا او مساوية للأطفال كما يدرج على تصنيف ربات المنازل في نظام الحسابات الذي تعتمده الدول وما بين رفض اعتبارها معيلة رغم قيامها بعمل منزلي غير مأجور مرة وعمل مأجور خارج المنزل مرة اخرى فقط لان من العار ان يقال على النساء العاملات معيلات في نظام الحسابات مادام هناك ذكر حتى وان كان لا يعمل او يعمل بأجر بسيط للغاية او يعمل لكن لا ينفق اجره على عائلته , تكمن الرغبة بالتمرد ورفض المنظومة غير العادلة التي تسمح بهذا الظلم والقمع . في حلقات العمل الرعائي كانت هناك رغبة في تكوين دراسة حول قيمة العمل المنزلي الذي تؤديه النساء العراقيات اقتصاديا و أدراج العمل المنزلي كعمل منتج ويستغرق وقتا في اجهزة الاحصاء الرسمية المراعية للنوع والحسابات التكميلية واجراء التوعية المجتمعية بأهمية العمل المنزلي كعمل ولو على صعيد اسري وتعديل القوانين لتكون صديقة للأسرة وادراج عاملات الخدمة المنزلية ضمن العمال الذي يحكمهم قانون العمل الذهنية عن العلاقة وتعديل الصورة الذهنية عن العمل المنزلي بين الجنسين ليكون عملا تشاركياً من خلال تعديل المناهج وطريقة تناوله في الاعمال الدرامية والاعلانات والاعلام , و تطوير نظام تقاعد خاص بكبيرات السن لا كمساعدة اجتماعية بل حق نظير جهد دام لسنوات في تكوين رأس المال البشري واعداد القوى العاملة, ورفع الحد الادنى للأجور في القطاع الخاص ومراقبته حتى لا توضع النساء في حيرة المفاضلة بين العمل والعمل المنزلي فأنخفاض الأجور في هذا القطاع فضلا عن مهامها البيتية التي لا تثمن من قبل الدولة ولا يتم اقتسامها من قبل الزوج تمررها الى اخريات نظير مال يتم اقتطاعه من راتبها فإذا كان منخفضا ستظل حبيسة اختيار العمل المنزلي والرعائي ( وهذا ما تفضله الدولة ), خاسرة القدرة على اتخاذ القرار او كسب ولو جزء من حريتها وكثير منا لم تجد امر اصدار قانون بتثمين العمل المنزلي بالمال وتنفيذه من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ضربا من الخيال .
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|