|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
شيرين عبدالله
!--a>
2023 / 8 / 14
التمييز والعنف ضد المرأة متعدد الأوجه ويمتد الى كل نواحي الحياة، في المنزل والعمل و حتى المؤسسات الصحية التي تقدم لها الخدمات الطبية. ازدياد العنف المنزلي والأساءة ضد المرأة الحامل وفي الولادة و الفترة ما بعد الولادة مثبت في العديد من الدراسات والأبحاث الطبية – اذ تشير الاحصائيات الى ان امراة من بين كل خمسة يتعرضن للاساءة المنزلية اثناء الحمل – ويعد هذا من أحد أهم أسباب الأجهاض والولادة المبكرة والوفاة اثناء الولادة والانتحار، ولكن ما يصعب هضمه هو ان هذا العنف ضدها يمتد ليشمل الاماكن والمؤسسات الطبية والعلاجية.
الرعاية الطبية – بطبيعتها على أنها متعلقة بصحة الناس و بأبقاء المريض على قيد الحياة - خدمة انسانية، يجب ان لا تفرق بين المرضى وتكون خالية من التمييز على اي اساس كان. ولكن هذا ليس الحال بالنسبة للمراة وخاصة اثناء الحمل والولادة. وان هذا التمييز والتعسف اشد نحو الطبقات الفقيرة و المراة من الفئات الاخرى المهمشة في المجتمع كاللاجئات وذوي الاعاقات البدنية او العقلية ويشمل ايضا الفتيات الحوامل المراهقات و الصغيرات في السن وكذلك الكبيرات في السن. هذه الفئات تعاني التعسف مضاعفةً. ويدخل هذا التعنيف مرحلة خاصة فيما يتعلق بضحايا الاغتصاب، وبالاخص في مجتمعاتنا في الشرق الاوسط حيث يفضل المجتمع ان لايسمع من المغتصبة وان ينقضي حملها بصمت وبدون ازعاج!. فهي حتما ، و"حسب تقدير المجتمع"، من شجعت المغتصب او وضعت نفسها في موقف شجع المغتصب على اغتصابها فكيف تجرؤ على ان تتذمر من آلام الحمل والولادة.
اظهرت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالميّة في أربعة بلدان هي غانا وغينيا وميانمار ونيجيريا في 2015، أنّ ثلث النساء يتعرضن لسوء المعاملة أثناء الولادة، وأنّهن يتعرضن للإيذاء الجسدي والنفسي في الفترة بين ثلاثين دقيقة قبل الولادة و15 دقيقة بعدها.
تعد فترة الحمل والولادة من اصعب وارقّ الفترات في حياة المراة. واكثرها ملئاً بالمخاطر والمضاعفات الصحية الجسدية والنفسية قد تستمر اثارها مدى الحياة. وماهو مخيب للآمال و بمرارة، هو ان غالبية هذه المضاعفات قابلة للتفادي. حين تمارس المرأة حقها في الحمل والانجاب بأرادتها المستقلة، وبدعم الشريك والعائلة والمجتمع لها بما في ذلك المؤسسات الطبية، ينبغي ان يكون ذلك حدثا وتجربة سعيدة في حياتها، ولكن وجود العنف والتمييز القائم على النوع الاجتماعي، سواء في المنزل أو خارجه أو في أماكن تقديم الخدمات الطبية، يجعل منها أحيانا تجربة مرة ومؤلمة تخرج منها مكسورة المشاعر.
بحسب منظمة الصحة العالميّة: "تعاني النساء في جميع أنحاء العالم من عدم الاحترام وسوء المعاملة أو الإهمال أثناء الولادة في المرافق الطبيّة، وهذه الممارسات تنتهك حقوق المرأة، وقد تردعها عن التماس واستخدام خدمات الرعاية الصحيّة الخاصة بالأمومة، ممّا ينعكس على صحتها ورعايتها".
من أشكال العنف الاهانة والتجريح واللوم الصياح، الشتم، العنف الجسدي، الضرب بالركل، والصفع، و اهمال طلبات المراة للمسكنات والادوية اللازمة، اتهامهن بكونهن ضعيفات ولايتحملن الالم..الخ. اشكال عنف الحمل والولادة متعددة وتتباين درجاتها من بلد الى اخر اذ ان هناك اماكن قطعت اشواطا في هذا المجال، ولكنها لازالت ظاهرة شائعة يعتبرها البعض وباءاً يتم غض النظر عنه بصورة منهجية. تشير الدراسات الى ان الاساءة الى المراة الحامل لا يزال موضوعا محظورا بحيث ان النساء انفسهن لا يدركن ان معاملتهن في الولادة يمكن اعتبارها اساءة.
قلة التوعية بالالام الطبيعية والمتوقعة وتلك غير الطبيعية للحمل هي من الاسباب التي تؤدي الى ارباك المراة وقلقها، فالحمل مسؤولية كبيرة على المراة ومن الطبيعي ان تقلق على صحة جنينها، وعليها الحرص على رضا الزوج واهله مما قد يدفعها للمبالغة في الامها، فهي تتلقى اللوم في حال حدوث اية مضاعفات، و من جهة اخرى تتلقى تعليقات سلبية واتهام بعدم التحمل والمبالغة.
اهمال شكوى المراة الحامل وعدم الاستماع لها قد يفقدها الثقة بالمرافق الطبية من جهة، ومن جهة اخرى، الاهمال قد ينجم عنه تاخيرا في تشخيص المضاعفات واحيانا بنتائج كارثية.
كما يؤثر عنف الولادة على المرأة بعد ولادتها، حيث قد يدفعها الأمر إلى رفض رؤيّة طفلها بسبب الألم والعنف الذي عاشته عند الولادة. بالاضافة الى ان كسر مشاعرها يفقدها الامان و يعرضها لحالات الاكتئاب النفسي ما بعد الولادة وتاثيراته على صحة ورفاهية المراة نفسها وكذلك اطفالها.
صحة المراة وصحتها الانجابية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة في اي بلد سواء في النظام الصحي العام المجاني او الخصوصي. وبما ان صحة المراة والطفل يشكلان جزءاً كبيراً من استهلاك الخدمات الصحية، فنرى انها تشكل عبئاً على الانظمة الصحية العامة المجانية (والتي هي في احسن الاحوال تنقصها الميزانية اللازمة لتلبية مستلزمات الصحة العامة للسكان اصلاً)، فلهذا لاتريد الدولة ان تصرف عليها.
بينما ترى فيها الانظمة الصحية الخصوصية كفريسة دسمة تشبّع بها جشعها وهوسها الجنوني في الربح، مما تشكل ضغطاً على ميزانية العائلة، وتتردد المراة نفسها في الانفاق على صحتها حرصا منها على دخل العائلة. هناك تقارير عن حالات تم فيها احتجاز النساء أو أطفالهن في المنشأة لأنهم لم يتمكنوا من دفع الفاتورة.
العنف الصحي المؤسسي انعكاس للعلاقات الاجتماعية السائدة:
أسباب العنف الصحي المؤسسي تعود الى التكوين الأبوي للمجتمع والعلاقات الأجتماعية البطريركية السائدة وخاصة في مجتمعاتنا في العراق و الشرق الأوسط. المرأة تعاني من التهميش والتعنيف والمعاملة الدونية والأهانة، وهي اِن أشتكت يقال أنها "هيستيرية" و"ثرثارة" و"حساسة" و "دائماً تشتكي" أو "تتدلع"...الخ. هذه المفاهيم والنظرات نحو المرأة تعود اصولها ،تأريخيا، الى القرون الوسطى حين كان الأعتقاد السائد هو بأن المرأة غير متوازنة بسبب الرحم، وهي لا زالت موجودة ومتجذرة في افكار وعقول الناس في مجتمعاتنا والهدف منها التقليل من شأن والاستخفاف بمعاناتها والامها. احياناً تمر على مسامعنا عبارات وتعليقات كهذه وكأنها طبيعية ومقبولة وغالباً ما تأتي حتى في اطار المزحة والاستهزاء. ليس من الغريب ان يتلقى المتفوه بهذه التعليقات أطراء وتصديق المستمعين وكأنه عبّر عمّا يدور في ذهنهم تجاه المراة المعنية.
العاملون في الصحة والخدمات الصحية هم من أفراد المجتمع نفسه ويحملون الافكار والمفاهيم السائدة فيه. فمن الطبيعي ان ينقلوا نفس الافكار والتصورات الى اماكن عملهم. ما يجري في داخل جدران مؤسسات اوجدت للرعاية بها اثناء حاجتها هو امتداد و انعكاس للعنف والتمييز الجاري ضد المراة في المجتمع ككل. فالأستخفاف بآلام النساء وأهمال مشاكلهن الصحية ومعاناتهن اثناء الحمل والولادة وعدم أخذهن بجدية امر شائع في المؤسسات الصحية في جميع انحاء العالم. بنفس الطريقة التي يتم بها تجاهل شكاوى ضحايا العنف الاسري في مراكز الشرطة على انها امور عائلية "تافهة" غير جديرة بصرف وقت وجهد السلطات عليها.
قليلة جدا هي الاحصائيات والمعلومات المدونة عن العنف الصحي ضد المراة وخاصة في بلدان الشرق الاوسط، وهناك نقص في الادراك به سواء على صعيد المجتمع اوالمؤسسات، ولكن آن الأوان لتسليط الضوء على هذا الجانب المهم والمخفي من العنف ضد المرأة.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|