|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
توفيق أبو شومر
!--a>
2024 / 3 / 29
اعتدتُ كل عام أن أكتب عن المرأة الفلسطينية في عيد المرأة العالمي في الثامن من شهر آذار، قبل أن تحدث نكبتنا الجديدة (أم المجازر)، اعتدتُ أن أصف بطولات نسائنا وقدرتهن على تحمل المسؤوليات!
سأكتب هذه المرة عن المرأة الفلسطينية في خيم اللجوء المسقوفة بنايلون ممزق، المرأة الباحثة عن طعام وألبسة وأحذية لأبنائها، عن المرأة الفلسطينية التي تصر على إبراز زينتها عندما تخرج من خيمة لجوئها المصنوعة من مِزقٍ من أكياس الدقيق الفارغة، عن المرأة التي فقدت ثلاثة من أبنائها تحت ركام بيتها المدمر بصاروخين أمريكيين، واضطرت للنجاة ببقية أسرتها إلى معسكرات اللجوء الخالية من أبسط مطلوبات الحياة من ماءٍ وكهرباء ودورات مياه نظيفة!
إنها المرأة الفلسطينية التي تركها أهلها المسيطرون على الحكم في غزة في العراء، هذه المرأة تبدأ يومها قبل شروق الشمس بالبحث عن ربطة خبز من أحد المخابز لتتمكن من العودة إليهم بعد ساعات من طابور طويل، لتجعل أبناءها ينتظرون عودتها على أمل إشباع جوعهم، إنها تكتفي بنصف حاجتها من الطعام وتُؤثر أبناءها على نفسها، فهي مثل معظم المهجرين ممن مارسوا صياما طوعيا منذ أكثر من خمسة شهور، وأرغموا على الاكتفاء بوجبة واحدة فقط!
إنها المرأة الفلسطينية المناضلة نفسُها تكظم غيظها وهي تشاهد بعض نساء المتنفذين ومسؤولي الأحزاب، وتجار السوق السوداء يشترين أغلى المعروضات بأثمان باهظة!
إنها المرأة الفلسطينية الموظفة التي حصلت (صوريا)على مرتبها الشهري الضئيل على شكل رسالة نصية في هاتفها المحمول، بدون أن تتمكن من صرفه لعدم وجود سيولة مالية في البنوك ودكاكين المال المنتشرة في غزة وتُضطر لبيع مرتبها الشهري بخسارة تصل إلى ربع هذا المرتب لمنفعة تجار السوق السوداء ممن يملكون الحصانة من بعض مسؤولي الأحزاب الفلسطينية المسيطرة!
إنها المرأة الفلسطينية التي تسير بحذاءٍ قديم مستعمل بالٍ مربوطٍ بسلك صدئ ولا تتمكن حتى من شراء حذاءٍ جديد مسروق من إحدى المنازل التي أُرغم أهلها على تركها، أو من المحلات التي استشهد أصحابها بقنابل الحقد الاحتلالية ونُهِبت معروضاتها من لصوصٍ يبيعونها جهارا بأسعار خيالية بدون أن يسألهم أحدٌ عن مصدر البضاعة التي يبيعونها، لأنهم يملكون حصانة حزبية أو عائلية!
إنها المرأة الفلسطينية الولود التي قررت أن تبيع خاتم زواجها وحلق أذنيها لتاجر منعَّم مدعوم برصيد أسري وفصائلي قوي يضع لوحة قي السوق المفتوحة مكتوبا عليها، (هنا صرَّاف نقود وذهب)، يشتري خاتمها الذهبي وحلق أذنيها بربع السعر الحقيقي!
إنها المرأة الفلسطينية المناضلة المنعَّمة قبل كارثة السابع من أكتوبر 2023م حين قررت أن تفتح صالونا لتجميل النساء بسعر رمزيٍ في زاوية صغيرة في مدرسة اللجوء غطت بابها ببطانية مهترئة، لتجعل مساحيق التجميل تُنير البهجة والسرور على وجه النساء الثاكلات، هي نفسها التي قررت أن تصنع الحلوى وتبيعها لتتمكن من شراء علبتي حليب مجفف بسعرٍ خيالي من تاجر مدعوم بالحصانة الفصائلية والأسرية لتصنع منه غذاءٍ لمولودة ابنتها الجديدة في خيمة اللجوء الصغيرة!
إنها الفلسطينية التي كانت قبل كارثة أم المجازر زوجة المليونير المحسن الكبير، فقدت اليوم كل ما تملكه من مالٍ ومن جاه وأصبحت تعيش في مخيم تركيز كئيب تبحث فيه كل يوم عن مكانٍ يمكنها أن تغتسل فيه، هي نفسُها صنعتْ فرنا من الطين اعتادتْ أن تقضي يومها أمام دخان النار لتُنضج وجبة طعامٍ لأبنائها وزوجها بعد أن يئست من الحصول على عبوة أسطوانة غازٍ منذ عشرين يوما حتى بأضعاف سعرها الحقيقي، هي المرأة ذاتها التي تشاهد أنابيب الغاز المعبأة بسعرٍ رمزي وهبي محمولة بسياراتٍ مملوكة لبعض رجال الطغمة الحاكمة في غزة تدخل بيوت المتنفذين في الأحزاب الفلسطينية!
هي نفسها المرأة الفلسطينية الفاتنة المعطاء ذات الجمال والدلال اعتادت اليوم أن تركب فوق عربة كارو يجرها بغل أو حمار، وهي تشتم رائحة روث الإبل، وفي الوقت نفسه ترفع قدميها المتدليتين خارج العربة حتى لا تمس السيارة الجميلة بعد سماعها بوق التحذير المخصص فقط لسيارات الإسعاف، يملكها أحد أبناء مالكي الجمعيات الخيرية من رجال الأحزاب المرفهين من تُجار السوق السوداء، ومن بيع المعونات المخصصة للتوزيع المجاني على المهجرين البائسين!
هكذا نجح المحتلون نجاحا باهرا، حين جاعت نساء فلسطين، واكلن بأثدائهن نجحوا في تحويل غضبتنا من غضبة على المحتلين العنصريين المجرمين إلى غضبةٍ على من وقعوا في فخ المؤامرة وأوقعونا فيها، ومنحوا الاحتلال أكبر فرصة لتحقيق هذا الهدف حين اتخذوا قرار الحرب ارتجالا بلا تخطيط، ولا أبالغ حين أقول إن الغضب عليهم أصبح هو الأشد والأقسى!
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|